غزة وقانون لاهاي
صدر يوم الخميس الماضي 21 تشرين الثاني قرارا عن مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان في لاهاي – هولندا يقضي باعتقال كلا من رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المقال جالانت، والغريب في الامر ان بعض السياسيين وأعضاء الكونغرس الأمريكي تحركوا فعلا ونشاطا غاضبا قبل أن يفعل ذلك الإسرائيليون الصادر بحقهم هذا القرار، السيناتور الجمهوري توم كوتون يهدد ويتوعد محكمة الجنايات الدولية ويصفها بانها محكمة للصور المتحركة، بل انه ذهب ابعد من ذلك ملمحا الى إمكانية اللجوء الى استخدام قانون لاهاي للغزو؟؟ اما السيناتور الجمهوري لينزي غراهام المقرب من ترامب والمعروف بدعمه غير المحدود لإسرائيل فذهب ابعد من ذلك مهددا بفرض عقوبات على الدول التي تتعاون مع هذا الحكم.
على الرغم ان الولايات المتحدة الامريكية ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية التي يبلغ عدد أعضائها 125 دولة تشمل كل الدول الأوروبية، الا ان الولايات المتحدة الامريكية تداعت ومن قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري للدعم والتشجيع لهذه المحكمة عندما صدر قرارها باستدعاء ومحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بسبب حرب أوكرانيا، علما ان هذا القرار قد صدر وبسرعة بعكس القرار الصادر بحق نتنياهو وجالانت الذي صاحبه التلكؤ والتردد والانتظار، بل ان الولايات المتحدة قد هددت وتوعدت المدعي العام كريم خان وكذلك القضاة في محكمة الجنايات اذا ما اصدروا قرارا بإدانة إسرائيل بتهمة التطهير العرقي في غزة، كذلك كان هو الحال الترحيب والدعم لمذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير عام 2020، ومذكرة اعتقال الرئيس الليبي معمر القذافي عام 2011، انها بكل بساطة الازدواجية الامريكية التي اعتدنا عليها في كل الاروقة والمحافل الدولية عندما يتعلق الامر بإسرائيل ومصالحها.
التردد الأمريكي في الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية والتي تم تشكيلها بناء على قرار من الأمم المتحدة يأتي انعكاسا للسياسة الامريكية القائمة على التدخل العسكري الأمريكي غير المبرر وغير القانوني في العديد من دول العالم بدء من أمريكا اللاتينية وصولا الى شرق اسيا وما يصاحب ذلك من انتهاكات مثلما بدا واضحا في أفغانستان والعراق وسوريا، فامريكا أعطت دوما لنفسها الحق بالتدخل وفقا لمصالحها وليس وفقا لمصالح شعوب تلك المناطق، وهذا بحد ذاته يشكل مسائله قانونية وشرعية وإنسانية، في عام 2000 وقعت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون على نظام روما الأساسي والذي هو الناظم القانوني لمحكمة الجنايات الدولية، اما سلفة الرئيس بوش فقد سحب هذا التوقيع، وبين شد ورد وعندما تم انتخاب أوباما عادت الولايات المتحدة وقبلت بدور مراقب في محكمة الجنايات الدولية.
اقرأ أيضا| لماذا يعاني الإعلام الغربي من فوبيا فلسطين؟
اما الامر المثير للاهتمام فهو قانون حماية العسكرين الأمريكي الذي صدر عام 2002، ابان عهد جورج بوش الابن، ثارت ثورة الأمريكيين بعد الدعوات العديدة من دول ومؤسسات حقوقية دولية بضرورة ملاحقة المسؤولين الأمريكيين عن الانتهاكات التي ارتكبتها أمريكا ابان غزو أفغانستان، فصدر مشروع هذا القانون الذي لم يفعل عن إدارة بوش الابن، يبدو ان حالة التندر قد سادت بسبب هذا القانون واطلق عليه البعض قانون غزو لاهاي حيث يقع مقر محكمة الجنايات الدولية في هولندا، قانون امريكي يعطي الحق للولايات المتحدة بغزو دولا أخرى حتى ولو كانت عضوا في تحالف النيتو كما هو حال هولندا اذا ما تعرضت مصالح أمريكا وحلفائها المقربون مثل إسرائيل للمساس؟ حيث ينص صراحة على “السماح للرئيس باستخدام الوسائل الضرورية كافة لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية سواء كان محتجزاً أو معتقلاً من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو بالنيابة عنها أو بأمر منها”.
ما بين التنديد والوعيد، هذه هي المواقف المعلنة من القادة الأمريكيين ، فالقيادة الامريكية المودعة للبيت الأبيض تندد بقرار محكمة الجنايات الدولية تعتبره مخزي ومشين ويحمل مضامين لا سامية حسبما تصور ذلك، اما القيادة المنتخبة بزعامة الجمهورين فهي تتوعد القصاص من محكمة الجنايات الدولية وليس أوضح ولا اكثر فجورا مما قاله السيناتور الجمهوري لينزي غراهم الذي قال ” يجب ان ندمر اقتصاد الدول الحليفة مثال فرنسا وألمانيا وكندا وبريطانيا وكل دولة دعمت هذا القرار وتمنع وتهدد نتنياهو بالاعتقال اذا ما دخل اراضيها”، اما المرشح لتولي منصب مستشار الامن القومي مايك والتز فقد توعد محكمة الجنايات الدولية بعقوبات قاسية .
المتوقع جدا ان تتحول تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب ومساعديه وكذلك بعضا من أعضاء الكونغرس الأمريكي بحق محكمة الجنايات الدولية والمدعي العام كريم خان الى خطوات حقيقية خاصة ان التاريخ يذكر عندما اصدر الرئيس الأمريكي ترامب أمرا تنفيذيا في عام 2020 يجيز عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها القوات العسكرية الامريكية اثناء احتلالها لأفغانستان، وبدأ بذلك فعلا حتى أتت إدارة أوباما وأوقفت العمل بهذا القرار.
الموقف الأمريكي الراهن من قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بحق نتنياهو وجالانت، ليس نابعا فقط من السياسية الامريكية الداعمة لإسرائيل، لكنه أيضا يعكس تخوفا من قبل الأمريكيين ان تلاحقهم تحقيقات محكمة الجنايات الدولية بفعل مشاركتهم الفاعلة عسكريا وسياسيا ودبلوماسية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وهو بذلك لا يبالي حتى بالإضرار بمصالح حلفائه المقربين في النيتو عندما يتعلق الامر بإسرائيل.