اعتقال مجرمي الحرب بين الواقع والمأمول
خيارات دولة الاحتلال القانونية ضيقة جدا، و اذا ما انعدمت هذه الحلول القانونية للالتفاف على هذا القرار، يبقى على دولة التصرف بما تهوى و بما تحترف، احترافها مخالفة القانون الدولي والعدالة الدولية.
أخيرا، وبعد ارتقاء اكثر من مائة ألف فلسطيني ما بين شهيد و جريح أصدرت الدائرة التمهيدية الاولى في المحكمة الجنائية الدولية قرارا بتوقيف كل من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو و وزير جيشه يوآف غالانت، و قد جاء هذا القرار بناء على الطلب الذي قدمه المدعي العام للمحكمة كريم خان.
وقد جاء في متن قرار المحكمة (ثمة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن المتهمين حرما عمدا وعن علم السكان المدنيين في غزة من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم -بما في ذلك الطعام والماء والأدوية والإمدادات الطبية، وكذلك الوقود والكهرباء)، و لدراسة مآلات هذا القرار نطرح التساؤلات التالية :
أولا : ما هي المحكمة الحنائية الدولية؟
تم تأسيس المحكمة بموجب نظام روما الأساسي الذي تم اعتماده في عام 1998 وبدأ العمل به في عام 2002، يقع مقر المحكمة في لاهاي بهولندا، تهدف المحكمة الجنائية الدولية و هي هيئة قضائية دولية مستقلة إلى محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
ثانيا : اختصاص المحكمة الجنائية الدولية؟
تختص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب الجرائم التالية:
1. جرائم الإبادة الجماعية: قتل أو التسبب في ضرر جسدي أو نفسي جماعي ضد مجموعة عرقية أو دينية أو قومية.
2. جرائم ضد الإنسانية: تشمل القتل، الاستعباد، التعذيب، الاغتصاب، والاضطهاد ضد المدنيين في أوقات الحرب أو السلم.
3. جرائم الحرب: الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، مثل استهداف المدنيين أو استخدام أسلحة محظورة
4. جريمة العدوان: الاستخدام غير المشروع للقوة العسكرية من قبل دولة ضد أخرى.
علما أن كل من نتنياهو و غالانت متهمان بارتكاب جريمة الحرب بنص قرار المحكمة و الذي جاء فيه (جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع وسيلة للحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنساني).
ثالثا: سيناريو ما بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية
قبل الولوج للإجابة على هذا السؤال ، لا بد القول ان احترام هذه القرار وتطبيقه يعد اكبر اختبار (للأمم المتحضرة) التي تدعي احترام القانون و تدعو لاحترامه ايضا، وعودة على ذي بدء، للاجابة على هذا التساؤل لا بد من العودة إلى روما الأساسي للمحكمة الجنائية، حيث أن التوقيع و الانضمام لهذا النظام يجعل من قرار المحكمة الجنائية الدولية قرارا ملزما للدولة الموقعة على هذا الميثاق و قد بلغ عدد الدول التي انضمت و وقعت على هذا الميثاق 124 دولة ، و بالتالي فأن الدولة المنضمة لنظام روما الاساسي ملزمة بتسليم المطلوبان (نتنياهو و غالانت) اذا ما دخلا حيزها الاقليمي، ولأجل ذلك أعلنت عدة دول أوروبية أنها ستحترم و تطبق قرار المحكمة الجنائية الدولية المتعلق باعتقال نتنياهو.
رابعا: كيف تواجه دولة الاحتلال قرار المحكمة
كما هو متوقع فقد قام نتنياهو بمهاجمة المحكمة و قضاتها واصفا إياهم (بمعاداة السامية) ، و لكن ان ورطة نتنياهو هذه المرة اكبر من ان يتخطاها بخطابه الإعلامي وحده ، فما هو المتوقع من دولة الاحتلال للافلات من العقاب ؟؟؟
اقرأ أيضا| حرب اعتزاز ومذكرة مشينة
تتذرع اسرائيل بأن المحكمة لا يمتد اختصاصها ليشمل دولة فلسطين، حيث قدمت دولة الاحتلال بتاريخ 26 سبتمبر الماضي طعنا لدى الدائرة التمهيدية للمحكمة موضوعه (عدم اختصاص المحكمة) لبسط صلاحيتها للنظر في الدعوى المرفوعة ضد دولة الاحتلال، إلا أن المحكمة قد ردت هذا الطعن و قررت بأن (لا يشترط قبول اسرائيل صلاحية المحكمة حيث يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الولاية الإقليمية لدولة فلسطين) .
ومن جانب اخر فأن دولة الاحتلال قد انضمت للاتفاقية الدولية لمنع جرائم الإبادة الجماعية والتي يحاكم قادتها اليوم لارتكابهم هذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وبالرجوع الى ما تضمنته هذه الاتفاقية وتحديدا نص المادة الرابعة منها فأنها قد نصت على ما يلي (إنه لا يتمتع أي شخص بحصانة ضد تهمة الإبادة الجماعية سواء كانوا حكَّاما دستوريين، أو موظفين عامين، أو أفرادا عاديين).
والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية قد تم ابرامها ردا على محاولة الألمان إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، واليوم يحاكم احفاد من ابرمت لاجلهم لارتكابهم ذات الجرائم والجدير بالذكر ان دولة الاحتلال وبموجب توقيعها على اتفاقية منع جرائم الابادة الجماعية و وفق نص المادة السادسة من الاتفاقية ملزمة بمحاكمة قادتها في محاكمها الداخلية او تسليمهم الى المحكمة الجنائية الدولية حيث جاء بالمادة السادسة من الاتفاقية انفة الذكر على ما يلي (محاكمة الأشخاص المتهمين أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية) .
ان خيارات دولة الاحتلال القانونية ضيقة جدا، و اذا ما انعدمت هذه الحلول القانونية للالتفاف على هذا القرار، يبقى على دولة التصرف بما تهوى و بما تحترف، احترافها مخالفة القانون الدولي والعدالة الدولية و تتويج نفسها دائما كأكثر دول العالم و التاريخ مخالفة للقانون و معادية للإنسانية.
بكل الأحوال أن صدور هذا القرار (على تأخره) يعد انتصارا تاريخيا لشعبنا الفلسطيني، قرار عادل قوامه دماء الأطفال ودموع أمهاتهم .