منذ البدايات كان الحديث عن المصالحة وأطنب البعض في الكلام عن المصالحة واهميتها شعرا ونثرا واستحضارا لتجارب إنسانية سابقة ربما لا تنطبق تفاصيلها على حالتنا فلدينا كان التواصل قويا بين كل مكونات المجتمع الليبي فلم تنقطع التواصلات والاجتماعات واللجان منذ اليوم الأول للأحداث لكن البعض من المتحمسين لعنوان المصالحة صنعوا لها قضايا وتصورات وهمية لحل المشاكل غير الحقيقة وربما بدون قصد كانوا هم من يحاول إقناعنا بأن لدينا مشاكل تحتاج إلى مصالحات واجتماعات وتصنيف للقضايا.
وحقيقة الأمر ليس لدينا ما نتصالح عليه فالخروج على النظام السابق كان لظروف منها الاقتصادي ومنها السياسي والتي تأخر إيجاد الحلول لها فليس هناك مشاكل ذات جذور دينية أو عرقية فالمجتمع الليبي بطبيعته متسامح وذو أعراف وعادات تضمن الوفاق ولم الشمل في كل مرحلة من مراحل التاريخ فتاريخ الليبيين تم فيه بناء أول جمهورية وكانت حينها تجاوز للخلاف وتوافق ويضم التاريخ ميثاق الحرابي الشهير أيضا والذي كان تساميا وعلوا على الجراح وتم تجاوز كل من تعاون مع الإيطاليين فمن وشى بالمجاهدين معروف ومن قتل الفضيل بوعمر معروف.
ولكن مصلحة الوطن وتسامح الليبيين كان أكبر ولعل حل مشكلة تاورغاء في الزمن القريب كان سطرا أبيضا في صفحة يملؤها السواد وتسامي من أطراف المشكلة وتم ببساطة تذهل المتتبع للحدث وأسبابه ولعل فاجعة درنة كانت العنوان الكبير الذي أثبت وحدة الوطن والذي تجاوز كل المشككين فقد كان كل الوطن وأهله حاضرين وقت الفاجعة والمصاب.
لقد أصبح الحديث عن المصالحة بابا للظهور ولتخصيص ميزانيات ولقاءات خارج الوطن وأطنابا للقول في غير محله خاصة وأن خطوات عملية تم اتخاذها وقبلها الجميع سواء بتحفظ أو غير ذلك فقد تم إلغاء قانون العزل السياسي وتم إصدار قانون بالعفو العام وتم استيعاب الجميع في مؤسسات الدولة فليس هناك حرج من تولي أحد أنصار النظام السابق منصب وزير فمنهم من كان وزيرا في العهد السابق وهو اليوم وزير فوزير الاقتصاد وزير العهدين ورئيس مؤسسة النفط كان أحد عمال النظام السابق والكثير منهم وطنيين حاولوا ترشيد النظام السابق وربما عجزوا عن إحداث الإصلاحات المطلوبة.
ولا شك أن الكثير منهم أصحاب علم وخبرة يحتاجها الوطن وإننا جميعا في ليبيا نقر بسيادة القضاء فكل من لديه دعوى لمظلمة يستطيع بكل حرية أن يطالب حقه بالقضاء وعليه فما الحاجة اليوم لهذه المؤتمرات والندوات ونحن يقينا شعب واحد ولدينا من الحكمة والتسامح ما يؤهلنا لبناء دولة تحقق أحلامنا.
نحن فقط نحتاج إلى خطوات عملية لبناء الاستقرار والانطلاق ومنها جبر الضرر بضوابط قضائية خلال الفترات الزمنية السابقة لدعم المتضررين وأن يتجاوز المجتمع بهم حالة الضرر المادي والنفسي وأن يسود الشعور لديهم أن مجتمعهم لم يتجاوز مصابهم ونحتاج إلى تكثيف الجهود لبناء دستور يبني لنا الطريق للمستقبل لنضع ضوابط دستورية تصنع الوئام والاستقرار وتحفظ الحقوق لكل مكونات المجتمع الليبي وتبني الدولة على أسس واضحة ترنو إلى مستقبل أفضل للوطن وللأجيال القادمة بعيدا عن البحث عن تشخيص لأمراض ليست في جسد الدولة الليبية والبحث عن علاجات قد تكون هي السبب في إنهاك وإفناء جسد الأمة الليبية.
معا لبناء الوطن وتجاوز الألم إلى الأمل إلى بناء وطن وحماية أبنائنا وأحفادنا… معا ومعا جميعا دون إقصاء نبني ليبيا وطننا.