ترامب والسياسة الخارجية الأميركية
ما نعرفه من التاريخ هو أن القادة العالميين الأقوياء يخضعون هم أنفسهم لأهواء العلاقات الدولية التي لا يملكون سيطرة كبيرة عليها
لقد غيرت إعادة انتخاب دونالد ترامب الحاسمة ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة بالفعل ديناميكيات العلاقات الدولية ودور أميركا في العديد من الصراعات التي تلوح في الأفق على المسرح العالمي. لطالما زعم ترامب أن أميركا منهكة بسبب الالتزامات العسكرية الكثيرة تجاه العديد من البلدان، والتي تراكمت منذ بداية الحرب الباردة في أواخر الأربعينيات. لقد عارض غزو العراق عام 2003 وخلال فترة ولايته الأولى كان ينتقد باستمرار حلفاء «الناتو» لأنهم لم يدفعوا ما يكفي للدفاع عنهم.
ولكن، ما نعرفه من التاريخ هو أن القادة العالميين الأقوياء يخضعون هم أنفسهم لأهواء العلاقات الدولية التي لا يملكون سيطرة كبيرة عليها. ولنقتبس مرة أخرى كلمات «هارولد ماكميلان»، الذي أصبح فجأة رئيساً لوزراء بريطانيا في عام 1957، عندما سُئل عما قد يحدد نجاح حكومته الجديدة، فأجاب: «الأحداث يا عزيزي، الأحداث».
اقرأ أيضا.. تعيين مات غايتس يضع العدالة الأميركية في قفص الاتهام
كان هذا صحيحاً بالنسبة لرونالد ريجان في عام 1981، الذي انتُخب بأغلبية ساحقة للتركيز على الاقتصاد الأميركي وإعادة بناء وزارة الدفاع. ولكن في غضون أسابيع، وجد نفسه متورطاً في الجغرافيا السياسية لصراعات الشرق الأوسط. لسنوات عديدة، استهلكت أزمات لبنان والخليج جزءاً كبيراً من طاقة الإدارة. وفي يناير 2001، أصبح جورج دبليو بوش رئيساً دون أي نية لوضع السياسة الخارجية والأمنية على رأس جدول أعماله. ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، التي غيرت كل شيء بما في ذلك التدخل العسكري الأميركي الجديد في أفغانستان والعراق.
كانت أولوية جو بايدن في عام 2021 هي إخراج القوات الأميركية من أفغانستان وإعادة بناء الاقتصاد الأميركي، الذي دمرته جائحة كوفيد-19. لكن الأزمة الأوكرانية غير المتوقعة في فبراير 2022 أصبحت القضية الأكثر أهمية على أجندته. قد يرغب ترامب في التركيز خلال ولايته على السياسة الداخلية بما في ذلك الهجرة غير الشرعية والجريمة والرغبة في خفض الضرائب على الأميركيين العاديين ومجتمع الأعمال. ولكن مثل أسلافه، قد يجد الأحداث الخارجية تطغى عليه عندما تتولى إدارته المسؤولية في 20 يناير 2025.
على رأس القائمة تأتي الحرب في أوكرانيا التي تقترب من نقطة تحول. وسيتعين على ترامب أن يقرر بسرعة ما إذا كان سيستمر في تقديم المساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا وتعديل قواعد الاشتباك المتعلقة باستخدام الأسلحة الأميركية المتقدمة ضد أهداف روسية تقع داخل روسيا نفسها. فهل سيضع المزيد من القيود على استخدامها أم سيسمح لأوكرانيا بضرب روسيا على أمل تشجيع التحرك نحو وقف إطلاق النار والتسوية؟ إن الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع أوكرانيا ستحدد علاقاته المستقبلية مع روسيا وأوروبا.
ومن ناحية أخرى، فإن الوضع في الشرق الأوسط يتجه من سيئ إلى أسوأ. فهناك أزمة إنسانية بحجم كارثي تلوح في غزة والسودان، وهو ما يتطلب اهتماماً فورياً، حيث ستنتشر صور النساء والأطفال الجائعين في كل مكان على وسائل التواصل الاجتماعي. والعلاقات الأميركية مع إيران من المرجح أن تصبح أكثر خطورة، وخاصة إذا تصاعدت الاشتباكات العسكرية بين إسرائيل وإيران وتم الإعلان عن برنامج إيراني للأسلحة النووية. ستكون هذه تحديات صعبة لترامب وفريقه الناشئ من المتخصصين في الأمن القومي الذين لديهم خبرة محدودة في دبلوماسية الأزمات.