تسبب تعليق قطر وساطتها بين إسرائيل وحركة (حماس) في تضاؤل الآمال الضعيفة بشأن تحريك المباحثات الهادفة لإنهاء الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام في غزة، وفقا لتقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وبحسب التقرير المنشور الاثنين، أدت قطر التي تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وتستضيف المكتب السياسي للحركة الفلسطينية، دورا محوريا في الوساطة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 عقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل.
وأتاحت الوساطة التي شاركت فيها مصر وواشنطن، تحقيق هدنة لأسبوع أواخر نوفمبر تخللها الإفراج عن رهائن إسرائيليين محتجزين في القطاع وأسرى فلسطينيين من سجون الدولة العبرية، لكن الجهود فشلت في تحقيق أي خرق على مدى الأشهر اللاحقة.
وأعلنت قطر السبت أنها أبلغت الأطراف المعنيين “بأنها ستعلّق جهودها في الوساطة، وأنها ستستأنف تلك الجهود مع الشركاء عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب الوحشية” في القطاع.
إلى أين وصلت المباحثات؟
لم تحقق جهود الوساطة أي نتيجة تذكر منذ هدنة نوفمبر 2023.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، رفضت حركة حماس مقترحا مصريا قطريا لهدنة قصيرة الأمد، مشترطة أن يؤدي أي اتفاق مع إسرائيل إلى وقف كامل لإطلاق النار.
من جهتها، تصرّ الدولة العبرية على أنها لن توقف القتال ما لم تحقق أهداف الحرب وأبرزها “القضاء” على حماس وإعادة كل الرهائن الذين خطفتهم أثناء هجوم أكتوبر 2023.
وجاءت الوساطة القطرية في حرب غزة استكمالا لأدوار مماثلة أدتها الدوحة خلال أزمات دولية، مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا والنزاع في سوريا والتواصل مع حركة طالبان الأفغانية.
اقرأ أيضا.. انتقام ساحق.. أمريكا تستعد للضربة الإيرانية ضد إسرائيل
وقال المحاضر في جامعة كينز كوليدج بلندن، أندرياس كريغ، إن مباحثات إنهاء الحرب في غزة تحتاج إلى وسيط “ولا أرى أنه يمكن أن يكون” طرفا غير قطر.
لكنه أكد أن المباحثات بلغت حاليا مرحلة “عدم وجود مسار للتفاوض”.
أضعفت الحرب حركة حماس بشكل كبير، خصوصا مع اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في طهران في تموز يوليو بعملية نسبت لإسرائيل، وخلفه يحيى السنوار في عملية عسكرية إسرائيلية في غزة في تشرين الأول أكتوبر.
ورأى كريغ أنه من غير الواضح “كيف يمكن استكمال مسار تفاوضي بعد مقتل كل المحاورين الرئيسيين”.
من جهتها، أشارت المتخصصة بشأن الخليج في مجموعة الأزمات الدولية آنا جايكوبس إلى أن “حماس ترى أنها وافقت على مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار خلال الصيف”، دون أن يثمر ذلك اتفاقا.
وأكدت أن الحركة مقتنعة بأن إسرائيل “تعمل على تخريب المفاوضات من خلال تكرار طرح شروط جديدة”، بما فيها الإبقاء على وجود عسكري في القطاع.
هل تغادر حماس قطر؟
وفي بيان صدر السبت، اعتبر المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن التقارير الصحفية عن نية الدوحة غلق مكتب الحركة “غير دقيقة”.
وأوضح أن “الهدف الأساسي من وجود المكتب في قطر هو أن يكون قناة اتصال بين الأطراف المعنية، وقد حققت هذه القناة وقفا لإطلاق النار في عدة مراحل سابقة، وساهمت في الحفاظ على التهدئة وصولا إلى تبادل الأسرى والرهائن من النساء والأطفال في نوفمبر من العام الماضي”.
من جهته، قال قيادي في حماس السبت إن الحركة لم تتلقَ أي طلب من قطر لغلق مكتبها في الدوحة.
وفي ظل نفي قطر وحماس تقارير إغلاق المكتب، استبعدت جايكوبس “أن تحصل عملية إقفال كبيرة وعلنية لمكتب حماس وطرد قيادتها” السياسية من الدوحة.
وكان مصدر دبلوماسي أفاد السبت بأن “القطريين أبلغوا الإسرائيليين وحماس أنه طالما هناك رفض للتفاوض على اتفاق بحسن نية، فلن يتمكنوا من الاستمرار في الوساطة. ونتيجة لذلك، لم يعد المكتب السياسي لحماس يخدم الغرض منه”.
وبحسب مصدر دبلوماسي طلب عدم كشف اسمه، نقلت قطر رسالة مماثلة إلى حماس في أبريل، ما دفع عددا من قادة الحركة للانتقال إلى تركيا. لكنهم عادوا بعد نحو أسبوعين بعد طلب بهذا الشأن من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين خلصتا إلى أن المباحثات لم تكن مجدية في وجود هؤلاء القادة خارج العاصمة القطرية.
وأشار كريغ إلى أن حماس باتت “في مأزق”، مع تزايد الطلبات لإبعادها من الدوحة “في فترة زمنية قصيرة نسبيا، وربما أسابيع”، مرجحا أن تكون إيران الوجهة المقبلة لقيادتها.
من جهتها، رأت جايكوبس أنه إلى حين تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامه رسميا في 20 يناير، فمن المحتمل أن يبقى “مسؤولو حماس خارج الدوحة إلى أن تستأنف المفاوضات بشكل جدي أكثر”.
إعادة تقويم
سبق لقطر أن أبدت امتعاضها عندما قالت في أبريل إنها تعيد تقويم دورها كوسيط في المفاوضات بشأن غزة لكنها أكدت استعدادها لتولي هذا الدور مجددا متى سمحت الظروف.
ورأى كريغ أن الدوحة تريد من خلال ذلك “بالدرجة الأولى أن تظهر للعالم أنها تبذل جهود وساطة ومستعدة لمواصلتها، لكنها في الوقت عينه مستعدة لوضع كل ثقلها” من أجل الضغط على حماس.
وأشارت جايكوبس إلى أن العلاقة بين الدوحة والحركة الفلسطينية باتت موضع تدقيق بشكل أكبر من قبل واضعي السياسات في واشنطن، خصوصا الجمهوريين في الكونغرس الأميركي.
وقالت “من المنطقي أنهم (القطريين) يحاولون حماية أنفسهم وسحب أي ذرائع يمكن أن يستغلها ترامب والكونغرس المرجح أن يسيطر عليه الجمهوريون”.