الهدنة تلوح في الأفق
يدرك نتنياهو بأن رأس الأفعى موجود في طهران وليس تحت أنفاق غزة وأن مسألة القضاء على ايديولوجية أشبه بمن يركض وراء سراب
الجميع في ترقب لما ستسفر عنه الجولة الجديدة من المفاوضات بين حماس واسرائيل في القاهرة والتي تعلق عليها الآمال في التوصل الى هدنة قبل شهر رمضان، وفيما تلوح المؤشرات الإيجابية في الأفق مع وجود ضغط تمارسه واشنطن على نتنياهو من جهة يتزامن معه ضغط من الدوحة على قادة حماس من جهة أخرى فإنه يمكن القول أن قطاع غزة يقترب من الخروج من عنق الزجاجة .
قادة حماس في الخارج أيقنوا مع مرور الأيام والأشهر بأن الأمور في داخل قطاع غزة قد خرجت عن السيطرة تماما وأن طوفان الأقصى أرتد بنتائج عكسية وسيناريوهات أخطر قد يسجلها التاريخ على الحركة، وأن حرب الشوارع مهما حصدت من دبابات وفرملت تقدم جيش الاحتلال بريا وعدلت خططه، لن تجبر اسرائيل على التراجع مادامت تملك القدرة على السيطرة على الأرض بسلاح الجو وتملك القدرة على الاستمرار بتفويض وفيتو أمريكي يعارض كل من يدعو الى وقف الحرب، وأن الدور الايراني في هذه الحرب كان أقل بكثير من سقف التوقعات وأن مناوشات حزب الله الحدودية لا يمكن أن تتحول الى حرب تفك الخناق على غزة، وأن أعداد الشهداء فاقت بكثير أعداد الأسرى في السجون الاسرائيلية وأن تحرير كل أسير يقابله مقتل شخص في غزة .
ايضا نتنياهو أيقن بأن الصبر الأمريكي قد نفذ، وأن المهلة التي قدمتها ادارة بايدن لحسم الحرب قد انتهت وأن استمرار الحرب يشوش على الرأي العام الأمريكي في خضم معركة انتخابية بدأت قبل وقتها بكثير، وأن الفيتو الأمريكي قد يغيب وتكون تداعيات ذلك أخطر مرتين من تداعيات طوفان الأقصى، وهو ما ستستغله المعارضة للقضاء عليه بما أنه سيصبح ضعيفا داخليا وخارجيا، يدرك نتنياهو بأن رأس الأفعى موجود في طهران وليس تحت أنفاق غزة وأن مسألة القضاء على ايديولوجية أشبه بمن يركض وراء سراب، لذلك فالأجدر أن يتجه الى هدنة تكون مقدمة لنهاية حرب .
بعد اتفاق الهدنة سيسوق نتنياهو لنجاحه في إستعادة الأسرى رغم الثمن الباهض الذي تكبذته وسيسوق لنجاحه في جعل ذكرى 7 أكتوبر يوما أسودا في تاريخ الفلسطينيين بدل أن يكون يوما للنصر، بينما ستسوق حماس لنصرها المبين على الإحتلال وعلى نجاحها في تغيير معادلة الصراع وستجعل من يوم 7 أكتوبر يوما وطنيا شأنه شأن يوم القدس العالمي أو مهرجان مهرجان “درع القدس”، حتى ايران وحزب الله والحوثييون سيسوقون لفوزهم ولاخضاعهم للعدو، لكن سيبقى الخاسر الأكبر هم سكان غزة وستستمر معاناتهم الى ما بعد الهدنة والحرب بعد أن يسمح لهم بالعودة من خيمهم الى ديارهم فلا يجدون مكانا للعودة ولا للعيش .
اظهار المرونة في المفاوضات من جانب حماس يعني أن يحي السنوار ومن معه من القيادات التي تدير المعركة في غزة، قد وافقو على أن يكونو جزءا من التفاهمات الكبرى التي ستحدث وتفضي بانتقال الهدنة الى مرحلة الاتفاق النهائي لوقف الحرب، لكن هل سيوافق السنوار على مقترح الممر الآمن الذي يعني خروجه من قطاع غزة كما خرج ياسر عرفات من بيروت عام 1982 ؟
من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل غزة وعن شكل ومضمون الحكومة التي ستتولى ضبط الأمور، لكن ثمة هنالك ايحاءات تشير الى أن السلطة الفلسطينية قد بدأت فعليا في الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب وأن لقاء موسكو ما بين الفصائل الفلسطينية قد يكون آخر فرصة لحماس لضمان بقاءها في المشهد السياسي الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وهو ما سيمكنها من الانسحاب من حكم غزة بحفظ ماء الوجه بدل أن يقال أنها هزمت.
فاضل المناصفة