سياسات نتنياهو التوسعية: طموحات إقليمية أم استراتيجية بقاء؟
واجه نتنياهو قضايا فساد ومحاكمات قانونية ألقت بظلالها على مشواره السياسي، ما دفعه إلى تعزيز الدعم الشعبي من خلال استمالة اليمين المتطرف وكسب تأييد المستوطنين. مثلت هذه السياسات أداة سياسية قوية.
هذا ملخص محاضرة افتراضية القيتها قبل أيام بجامعة مرموقة للدفاع في أوروبا، حيث استعرضت مخاوف عدد من دول الشرق الأوسط من عنجهية وغوغائية سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوسعية في الضفة الغربية ولبنان وعلى الصعيد الإقليمي. وقد ركزت المناقشة على تحليل استراتيجيات نتنياهو في ظل الظروف السياسية والأمنية الحالية، بالإضافة إلى تداعيات هذه السياسات على استقرار المنطقة والضغوط الدولية المتزايدة.
أولاً: الطموحات التوسعية وتحقيق الهيمنة الإقليمية
مشروع “إسرائيل الكبرى” لتشمل مناطق استراتيجية:
ركزت المحاضرة على رؤية نتنياهو تجاه “إسرائيل الكبرى”، بما يشمل السيطرة على القدس الشرقية والضفة الغربية، حيث تعتبر هذه المناطق جوهرية ضمن استراتيجيته لتحقيق استقرار طويل الأمد لإسرائيل من خلال ضمها رسميا لتصبح جزءا من السيادة الإسرائيلية. يشكل هذا المشروع ركيزة لفكر نتنياهو السياسي والإستراتيجي لأن السيطرة الكاملة على هذه الأراضي ستضع إسرائيل في موقع قوة يصعب تجاوزه.
سياسة فرض الواقع الجديد:
تطرقت المحاضرة إلى كيفية فرض إسرائيل لأمر واقع جديد من خلال توسعة مستوطناتها في الضفة الغربية، إذ تُمثل هذه المستوطنات جزءا من استراتيجيات أمنية وعسكرية مدروسة، تعزز السيطرة على المناطق الحساسة وتجعل من الصعب إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. يُنظر إلى هذه السياسة كخطوة تصعيدية تهدف إلى تغيير الواقع الجيوسياسي والديموغرافي في المنطقة.
التأثيرات الاستراتيجية للتوسع الجغرافي:
ركزت المحاضرة على التأثيرات العميقة لهذا التوسع على الأوضاع الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل لأن توسع المستوطنات وتثبيت نقاط السيطرة يسهم في تقوية النفوذ الإسرائيلي على الأرض، حيث يمكن للجيش الإسرائيلي إنشاء مراكز مراقبة استراتيجية جديدة توفر له نفوذا أمنيا محوريا يضعف الناحية الأمنية لدول الطوق.
ثانيا: دوافع نتنياهو الداخلية والخارجية
مواجهة التحديات السياسية الداخلية
واجه نتنياهو قضايا فساد ومحاكمات قانونية ألقت بظلالها على مشواره السياسي، ما دفعه إلى تعزيز الدعم الشعبي من خلال استمالة اليمين المتطرف وكسب تأييد المستوطنين. مثلت هذه السياسات أداة سياسية قوية، ليس فقط لإعادة توجيه الانتباه بعيدا عن تحدياته الشخصية ولكن أيضا لتوحيد الجبهة الداخلية من حوله في مواجهة أي انتقادات.
التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد:
من التحديات التي يراها نتنياهو ضرورية هي مواجهة توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة عبر الجماعات الحليفة لإيران في لبنان والعراق وسوريا إذ تسعى إسرائيل تحت قيادة نتنياهو إلى تقليل هذا النفوذ عبر الضربات الاستباقية، بما في ذلك عمليات ضد حزب الله والضربات الجوية الموجهة في سوريا والعراق. هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على توازن قوى إقليمي يخدم مصالح إسرائيل.
استغلال الدعم الأميركي لبناء توازن جديد:
مع أن الدعم الأميركي لإسرائيل كان دائما حاضرا، فقد شهد عهد نتنياهو تحولات كبيرة في مستوى هذا الدعم، خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد أتاح هذا الدعم فرصة لنتنياهو للتحرك بشكل أكثر جرأة على صعيد السياسات التوسعية، ما شكل توازنا جديدا ساعد في رسم قواعد جديدة للعلاقات الدولية في المنطقة.
ثالثًا: الأبعاد الأيديولوجية والتاريخية لسياسات نتنياهو
التأثيرات الدينية والقومية:
تعتبر الضفة الغربية جزءا من “إسرائيل التوراتية” وفق الفكر الذي يروج له نتنياهو، حيث يرى في هذه المناطق “حقا تاريخيا” يسعى لإعادته. هذا البعد الأيديولوجي يلعب دورًا هاما في سياسات نتنياهو، ويستهدف من خلاله استقطاب اليمين المتشدد في إسرائيل وتعزيز سيطرته على السلطة من خلال دعم الحركات الدينية والقومية.
اقرأ أيضا| اليونيفيل بعد الأونروا.. جرائم إسرائيلية بلا حدود!
الاعتبارات الأمنية ودورها في تشكيل الهوية الإسرائيلية الجديدة:
تهدف سياسات التوسع إلى جعل الضفة الغربية والقدس الشرقية بمثابة درع أمني يُعزز من قدرة إسرائيل على مواجهة التهديدات الخارجية. تُعتبر هذه المناطق خطوط دفاعية مهمة تحيط بالحدود، ما يعطي إسرائيل قدرة أفضل على التصدي لأي تهديدات من الجهات الفاعلة غير الحكومية القريبة.
رابعا: التحديات المترتبة على سياسات نتنياهو التوسعية
توسيع دائرة الصراع الإقليمي وتهديد الاستقرار الداخلي:
ركزت المحاضرة على كيفية توسع دائرة الصراع عبر تكثيف عمليات الاستيطان وكيف يهدد ذلك بانفجار الأوضاع داخل إسرائيل نفسها، إذ أن هذه السياسات تُفاقم من العداء مع الفلسطينيين وتزيد من احتمالات الصراع الإقليمي، ما يشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي الذي يسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
تصاعد العزلة الدولية وزيادة الانتقادات:
تتعرض إسرائيل لضغوط دولية مستمرة نتيجة للسياسات التوسعية، إذ يعتبر المجتمع الدولي المستوطنات غير قانونية ويعارض توسعها. فالعزلة الدبلوماسية قد تؤثر بشكل مباشر على إسرائيل، ما يضطرها مستقبلاً إلى إيجاد آليات لتخفيف حدة الانتقادات.
إضعاف حل الدولتين وزيادة فرص الصراعات طويلة الأمد:
تشكل السياسات التوسعية عقبة حقيقية أمام إمكانية الوصول لحل الدولتين، حيث يزداد شعور الفلسطينيين بأن حل الدولة المستقلة يبتعد شيئا فشيئا. هذا الواقع يُعمق من جذور الصراع ويجعل من احتمالية تحقيق سلام مستدام أمرا بعيد المنال، ما يُبقي المنطقة في حالة عدم استقرار دائمة.
وفي الختام، برزت سياسات نتنياهو كإحدى أهم محاور السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، في ظل تشدده على “استراتيجية البقاء” السياسي ولأول مرة في منذ تأسيس دول إسرائيل تتغير العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي حيث لم يعد يهتم بعدد قتلاه من اليهود في المواجهات الدامية في جنوب لبنان وغزة والضفة الغربية.