اليونيفيل بعد الأونروا.. جرائم إسرائيلية بلا حدود!
لا تتوقف الجرائم الإسرائيلية على «الأونروا واليونيفيل»، ففي بداية حرب الإبادة على غزة، هاجمت إسرائيل بشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لمجرد انتقاده ممارسات قوات الاحتلال في القطاع، رفضت التصريح له بدخول القطاع قادماً من الأراضي المصرية.
الجرائم الإسرائيلية لا تقتصر على المنطقة، لا تتوقف على المواطنين العرب الرازحين تحت الاحتلال، أو حتى على دول المواجهة، امتدت الآن للمجتمع الدولي، للأمم المتحدة، لمنظمات الإغاثة وقوات حفظ السلام معاً، استهدفوا في البداية بالقتل والاعتقال أعضاء منظمة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة، أغلقوا مقرها الرئيسي في القدس المحتلة، طالبوا بوقف عملها الإنساني بالقطاع، الاثنين الماضي حظروا عملها تماماً في سابقة خطيرة تتحدى القوانين الدولية.
ها هُم يعاودون الكرّة في لبنان، باستهداف عناصر قوات الطوارئ الدولية لحفظ السلام «اليونيفيل»، أصابوا بعضهم بإطلاق النار، أجبروا البعض الآخر على مغادرة مواقعهم، الآن يطالبون بسحب هذه القوات، للاستيلاء على مواقعها بامتداد الحدود، أزمات وخروقات يومية من المنتظر أن تفضي في نهاية الأمر إلى سحب هذه القوات بالفعل، في سابقة أيضاً لم يألفها العالم من قبل.
منظمة «الأونروا» أسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، يعمل فيها نحو 30 ألف شخص، لتقديم الدعم والحماية لما يزيد على 5.6 مليون لاجي فلسطيني مسجلين لديها، في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، تعتمد في تمويلها على التبرعات الطوعية. أما قوات «اليونيفيل»، فهي قوات دولية متعددة الجنسيات من 49 دولة، تابعة للأمم المتحدة، بهدف حفظ السلام، تأسست عام 1978 للتأكد من انسحاب إسرائيل من لبنان، وتم تعزيزها بعد حرب 2006 لمراقبة وقف الاعتداءات الإسرائيلية.
لا تتوقف الجرائم الإسرائيلية على «الأونروا واليونيفيل»، ففي بداية حرب الإبادة على غزة، هاجمت إسرائيل بشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لمجرد انتقاده ممارسات قوات الاحتلال في القطاع، رفضت التصريح له بدخول القطاع قادماً من الأراضي المصرية، في الوقت الذي قام فيه مندوب الكيان لدى الأمم المتحدة بتمزيق ميثاق المنظمة الدولية، في ختام كلمة ألقاها من على المنصة، أمام جلسة علنية للجمعية العامة، معلناً عدم الاعتراف بالميثاق أو بالمنظمة ككل، في سابقة تؤكد الاستخفاف بالمجتمع الدولي بشكل عام.
بالتزامن مع كل ذلك، جاء استخفاف إسرائيل بمحكمتي العدل والجنائية الدوليتين، بعدما نظرت كل منهما في الدعاوى المرفوعة أمامها من عدد من الدول، فيما يتعلق بالتجاوزات الإسرائيلية بالقتل والإبادة في قطاع غزة، استغلت نفوذ الولايات المتحدة وبعض دول الغرب، في إجهاض قرارات المحكمتين، خصوصاً ما يتعلق بطلب مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بشأن رئيس وزراء الكيان، ووزير الجيش، وهو الطلب الصادر منذ شهر مايو الماضي دون جدوى، رغم قيام خان بتجديد طلبه أكثر من مرة، فيما يشير إلى أنه يرى تواطؤاً من المحكمة، بعد أن أقر بضغوط دولية وتهديدات طالته وأسرته أيضاً.
ليس خافياً، استخفاف إسرائيل، منذ إنشائها، وعلى مدى 76 عاماً، بكل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن احتلال الأراضي العربية، وفي مقدمتها قرارا مجلس الأمن رقمي 242 و338 بشأن الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وقرار المجلس رقم 496 الصادر بالإجماع، والذي يدعوها إلى إلغاء ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ثم قرار المجلس رقم 1701 الصادر بالإجماع أيضاً بشأن لبنان، ناهيك عن القرارات العديدة بشأن القدس المحتلة والمسجد الأقصى بشكل خاص، ثم ما يتعلق بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
الأكثر إجراماً، وتحدياً للقوانين الدولية، هو أن تتحكم سلطة الاحتلال في السماح أو منع المساعدات الغذائية والدوائية، إلى المواطنين القابعين تحت نير الاحتلال، بما يخالف كل الأعراف والمواثيق، تحت سمع وبصر العالم، بل اعتبار ذلك بنداً تتم المقايضة به على مائدة المفاوضات، وابتزاز العالم بتحديد حجم المساعدات، وكيفية توزيعها، وتحديد مستحقيها من عدمه، بما يؤكد أننا أمام كيان بغيض، لا ينتمي إلى السلوك البشري من قريب أو بعيد، وعلى مدى عام كامل، لا يستطيع المجتمع الدولي وضع حد لهذه المأساة، التي تكشف مدى التواطؤ من جهة، ومدى السقوط الأخلاقي والإنساني من جهة أخرى.
نحن إذن أمام كيان خارج عن القانون، يمارس البلطجة على مدار الساعة، متجاوزاً في هذا الصدد حدود الجغرافيا الداخلية، إلى أخرى خارجية، لاستهداف الخصوم بالقتل، والاغتيالات ما جعل من استمرار وجوده بالمنطقة، سبباً رئيسياً في تأخرها عن ركب التقدم والتطور، مادامت الموازنات المالية يتم توجيهها للتسلح والحروب ومقاومة المؤامرات، على حساب المنظومات الصحية والتعليمية، والمرافق والخدمات والصناعة، إلى غير ذلك مما تتطلبه التنمية.
اقرأ أيضا| هل بدأ العد العكسي للعدوان الإسرائيلي؟
ممارسات الكيان الصهيوني بشكل عام تشير إلى أننا أمام مسجل خطر، لا يتورع عن فعل كل ما يخالف القانون، يعيث في الأرض فساداً، ما يبرهن على أهمية إزاحة هذا الكيان عن المنطقة بأي ثمن وبكل الوسائل، فخطط الكيان التوسعية واضحة ومعلنة، بما يعني أن المستقبل يحمل الكثير من المآسي والآلام.
في البدء كانت المجموعة العربية بالجمعية العامة للأمم المتحدة، دائمة الالتقاء للتنسيق، والتقدم بطلبات انعقاد عاجل لمناقشة العدوان الإسرائيلي هنا أو هناك، بموازاة طلب انعقاد مجلس الأمن، لإصدار قرارا بالإدانة على أقل تقدير، إلا أن الوضع اختلف كلياً الآن، فلم تعد هناك أي محاولات في هذا الشأن، بعد أن بدا الأمر على مدى أكثر من سبعة عقود، بمثابة تحصيل حاصل، ذلك أن «الفيتو» الأمريكي، بشكل خاص، كان حاضراً في مجلس الأمن، نحو 55 مرة، في مواجهة أي إدانة للكيان الصهيوني، بينما كانت قرارات الجمعية العامة لا تسمن ولا تغني من جوع، وعلى هذا يمكن القياس في كل المحافل الدولية.
وعلى الجانب الآخر، المتعلق بالمنظمات الإقليمية، سوف نكتشف أن جامعة الدول العربية، هي الأخرى، ليست أفضل حالاً من سابقتها، ذلك أنها لم تعد ظهيراً للقضايا العربية بشكل عام، وللقضية الفلسطينية بشكل خاص، والأسباب في ذلك واضحة، وهو ما ساعد على إطلاق سلطة الكيان الصهيوني العسكرية، إلى الحد الذي لم يعد يأبه معه بأية قوانين أو مواثيق، أو بيانات يعي عدم جديتها، في الوقت الذي كشفت فيه مجريات الأحداث الساخنة بشكل خاص.
التناقض الكبير بين ما يقال في الغرف المغلقة للقادة العرب، وما تسمعه الشعوب في الميكروفونات والمنتديات العامة، والمؤتمرات الصحافية، وهو أمر تجاوز النفاق السياسي، إلى الانبطاح والخيانة في بعض الأحيان. الغريب في الأمر، هو الموقف المخزي للمنظمات الدولية المستهدفة برصاص الكيان، خصوصاً منظمة الأمم المتحدة، التي كان يجب أن تبادر بشطب ذلك الكيان المارق من عضوية المنظمة، أو تعليق العضوية على أقل تقدير، وهو إجراء سوف يجد دعماً دولياً منقطع النظير، من عدد كبير من دول العالم، من كل القارات، إلا أن أحداً لم يتبن ذلك الطرح، خصوصاً دول المنطقة، ولو من خلال مندوب جامعة الدول العربية، التي كان يجب أن تثبت أنها مازالت على قيد الحياة، في هذه الظروف الضاغطة.
في كل الأحوال، يجب أن نتوقع المزيد من الجرائم مستقبلاً، كلما ضاق الخناق على الكيان، لحقت به الخسائر، وأيقن أنه إلى زوال، وسيمثل الصمت خسارة للجميع، صمت المنظمات الدولية، التي سوف تفقد هيبتها وأهميتها، وصمت العواصم العربية التي سوف تفقد شرعيتها واستقرارها، في الوقت الذي سترتفع فيه أصوات الشعوب شيئاً فشيئاً، بما تخرج معه عن السيطرة، وهو عقاب فادح لكل من أخفق في قراءة الواقع والمستقبل في آن واحد، خصوصاً أننا أمام قضية عادلة، بل ربما القضية الأكثر عدلاً في العالم الآن، لا يمكن القبول معها بأنصاف الحلول، أو بأنصاف المواقف، أو حتى بأنصاف الرجال، وإلا طالت الجرائم الصهيونية الجميع دون استثناء.