أفريقيا

زيادة دور الأفارقة في البريكس.. الصعوبات وآفاق التعددية القطبية

قد يكون التعاون بين الاتحاد الإفريقي ومجموعة البريكس مثيرًا للاهتمام، لأنه بفضل الوصول إلى التكنولوجيات والبنية التحتية الجديدة، يمكن أن يساعد في حل المشكلة الطويلة الأمد المتمثلة في الافتقار إلى التكامل في القارة.

مما لا شك فيه أن توسع مجموعة البريكس في عام 2024 أدى إلى زيادة ثقل إفريقيا في الشؤون الدولية وساهم في استمرار النقاش حول تعقيدات التعددية القطبية، ويعكس تطور العلاقات الاستراتيجية والتجارية بين مجموعة البريكس وإفريقيا أيضاً الاهتمام العملي بالقارة من جانب القوى الكبرى والأعضاء القدامى في المجموعة – الصين والهند والبرازيل وروسيا.

داريا زيلينوفا  رئيسة مركز دراسة الاستراتيجية الإفريقية لدول البريكس، معهد الدراسات الإفريقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، كتبت عن كيفية ارتباط التعزيز الموضوعي للمكانة العالمية للقارة بهذه المطالب العملية، وما إذا كان هناك مجال للمزيد من أصوات إفريقيا في البريكس.

فمع انضمام مصر وإثيوبيا إلى البريكس، تمتد الدول الإفريقية في التحالف الآن من جنوب القارة إلى شمال شرقها، مما يفتح الفرص لعلاقات أعمق بين الدول، واتفاقيات مالية جديدة وطرق لوجستية. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقليل مخاطر الاستثمار واستثمارات كبيرة في المنطقة، ويبدو أن توسيع الوجود الإفريقي مفيد لكل عضو من أعضاء البريكس على حدة: بالنسبة للصين والهند – باعتبارهما أكبر مستثمرين في إفريقيا، ولروسيا – كقوة سياسية مهتمة بتحريك العالم نحو التعددية القطبية، وبالنسبة للبرازيل – كدولة ذات علاقة تاريخية خاصة مع إفريقيا.

موقف إثيوبيا في البريكس يثير تساؤلات:

إن إلقاء نظرة فاحصة على موقف إثيوبيا في البريكس يثير تساؤلات حول ما إذا كانت العضوية في المجموعة ستحدث تحولا في بلد يعيش 27٪ من سكانه البالغ عددهم 126 مليون نسمة تحت خط الفقر، فهل سيفتح هذا فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي ويساهم في الاستقرار الإقليمي وزيادة نفوذ أديس أبابا على المسرح العالمي؟

إقرأ أيضا : فرص كامالا هاريس في الفوز بالرئاسة

من وجهة نظر تاريخية، يبدو انضمام إثيوبيا إلى البريكس أمرًا طبيعيًا تمامًا، حيث دعمت إثيوبيا حركات التحرر الوطني في إفريقيا وبعد استقلال العديد من البلدان الإفريقية في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، ظلت إثيوبيا مركزًا مهمًا للنضال من أجل إنهاء الاستعمار، وقد تلقى نيلسون مانديلا ومجموعة صغيرة من ثوار المؤتمر الوطني الإفريقي الأوائل تدريبًا عسكريًا هنا.

وفي عام 1963، بعد إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية ومقرها الرئيسي في أديس أبابا، أصبحت المدينة العاصمة الرمزية لإفريقيا المستقلة حديثاً بأكملها. وفي هذا السياق، تتمتع إثيوبيا بإمكانيات كبيرة لتجديد دورها باعتبارها “صوتًا إفريقيًا” في البريكس، فهي ليست عضوًا في منظمة التجارة العالمية ولكن الآن تبحث عما يمكن تسميته بمسار بديل للتنمية.

فضلاً عن ذلك فإن موقف إثيوبيا على الساحة العالمية يتسم بعدم الانحياز، وقد أثبت تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يتصل بالأزمة الأوكرانية أنها تحتل واحدًا من أكثر المواقف ودية مع روسيا بين الدول الإفريقية.

وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، يظهر تحليل موجز للعلاقة بين الصين وإثيوبيا أن إثيوبيا هي الحلقة الرئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وفي عام 2023، شكل الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى إثيوبيا 39.1٪ من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.

وفقًا لـ AiData، بين عامي 2000 و2021، كان هناك 311 مشروعًا صينيًا عاملاً في البلاد، إن النمو الاقتصادي السريع في إثيوبيا لا يجذب الاستثمارات الصينية فحسب، بل يرتبط أيضًا ارتباطًا مباشرًا بعوامل خارجية، مما يخلق اعتمادًا كبيرًا على الصين.

ويمكن قول الشيء نفسه تقريبًا عن الهند، التى تعد ثاني أكبر شريك تجاري ومستثمر أجنبي لإثيوبيا. على الرغم من أن طرق التجارة في إثيوبيا لا تقع مباشرة ضمن النطاق الجغرافي لممر النقل بين الشمال والجنوب، إلا أن البلاد تستفيد بشكل غير مباشر من البنية التحتية الهندية على طول هذا الطريق التجاري وتعمل إثيوبيا أيضًا على تطوير التعاون في مجال البنية التحتية مع الإمارات العربية المتحدة، التي انضمت إلى البريكس هذا العام.

وبالتالي، يرى العديد من الخبراء أن إثيوبيا مندمجة اقتصاديًا بالفعل في البنية التحتية لدول البريكس، وتبدو دعوتها للمجموعة بمثابة خطوة طبيعية.

القيادة المصرية ومشاركتها في البريكس لأسباب اقتصادية:

لقد حفزت القيادة المصرية مشاركتها في البريكس لأسباب اقتصادية أكثر منها لأسباب سياسية وفي ظل معاناة البلاد من أزمة اقتصادية حادة، تباينت آراء وسائل الإعلام حول ما ستفعله هذه المشاركة بالاقتصاد المصري ومن المتوقع أن يساعد اقتراح العديد من المشاريع التكنولوجية من خلال بنك التنمية الجديد لدول البريكس، والذي أصبحت مصر عضوًا فيه منذ ديسمبر 2021، في تعزيز الصادرات المصرية بما يتماشى مع رغبتها في الوصول إلى التقنيات الجديدة داخل المجموعة.

كيف سيؤثر ضم مصر وإثيوبيا على الأمن الإقليمي؟

ولكن كيف سيؤثر ضم مصر وإثيوبيا على الأمن الإقليمي؟ فمن ناحية، ينبغي للتكامل داخل مجموعة البريكس أن يعزز الاستقرار في شرق وجنوب القارة. من ناحية أخرى، فإن تضارب المصالح بين إثيوبيا ومصر بشأن بناء سد على نهر النيل يمكن أن يزيد التوترات في شمال شرق إفريقيا، في حين يعلق بعض المراقبين آمالًا كبيرة على البريكس كوسيط لحل حالة الصراع هذه.

زيادة دور الأفارقة في البريكس:

ولزيادة دور الأفارقة في البريكس، هناك حاجة إلى مزيد من العمل على أدوات وآليات تمثيل الدول الإفريقية الصغيرة والمتوسطة الحجم داخل المجموعة، أحد السبل لحل هذه المشكلة هو التعاون مع الاتحاد الإفريقي، وقد تكون أشكال هذا التعاون مختلفة، فمن خلال العمل الوثيق مع الاتحاد الإفريقي، تستطيع مجموعة البريكس معالجة تحدي أكبر: كيفية البقاء ضمن الشكل المرن للنادي الدولي وتعزيز المصالح الإفريقية. وفي الوقت الحالي، أعربت 17 دولة إفريقية بالفعل عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس، لكن التحالف لا يتمتع بالقدرة المؤسسية الكافية لضم الجميع كأعضاء كاملي العضوية.

بالنسبة لإفريقيا، قد يكون التعاون بين الاتحاد الإفريقي ومجموعة البريكس مثيرًا للاهتمام، لأنه بفضل الوصول إلى التكنولوجيات والبنية التحتية الجديدة، يمكن أن يساعد في حل المشكلة الطويلة الأمد المتمثلة في الافتقار إلى التكامل في القارة.

وقد أثارت جنوب إفريقيا هذه القضية وانعكست في إعلان جوهانسبرج الثاني في الفقرة 34 وأكد من جديد الدعم المتبادل لأجندة 2063 وجهود التكامل الإفريقي، بما في ذلك تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

كما يؤكد الإعلان على “أهمية تعزيز الشراكة بين البريكس وإفريقيا لفتح فرص متبادلة المنفعة لتوسيع التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية”. ومن الممكن أن يساعد التكامل الأعمق في تقليل رسوم الاستيراد والحواجز غير الجمركية أمام الصادرات الإفريقية ضمن إطار مجموعة البريكس، وفي بعض دول البريكس، تصل رسوم الاستيراد على المنتجات الزراعية إلى 35٪ ومن المتوقع أن يؤدي تخفيض الرسوم الجمركية إلى زيادة التجارة بين الدول وزيادة القدرة التنافسية للدول الإفريقية.

القارة تبحث عن بديل في المجموعة:

وفي الوقت نفسه، يواصل المندوبون الأفارقة، الذين يحضرون بنشاط مختلف فعاليات مجموعة البريكس في روسيا، القول بأن القارة تبحث عن بديل في المجموعة، وهذا لا يعني المواقف المناهضة للغرب، بل مسارات اقتصادية مختلفة، وأساليب جديدة للابتكار والبحث وايجاد حلول حقيقية لمشاكل تغير المناخ، والطاقة الخضراء والسيادة الغذائية للناس، وتعزيز نظم المعرفة المحلية.

وتشكل كل هذه المواضيع أهمية بالغة بالنسبة لإفريقيا، ويمكن تتبع كيفية وإلى أي مدى تتعامل مجموعة البريكس مع هذه القضايا العالمية من خلال تحليل إعلانات المجموعة.

وأظهرت دراسة حديثة أجراها مركز دراسة استراتيجية البريكس الإفريقية في معهد الدراسات الإفريقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم أنه على الرغم من المجموعة المواضيعية الضخمة للقضايا العالمية المدرجة على جدول أعمال المجموعة، فإن الدول المضيفة للقمم تشمل ما يعتبرونه أولوياتهم الوطنية. على سبيل المثال، ظهر في الإعلان الروسي لعام 2020 موضوع الذاكرة التاريخية ومكافحة النازية وكانت مساهمة جنوب إفريقيا الفريدة في إعلان البريكس هي أفكار الوحدة الإفريقية وتغير المناخ، والتي كانت متسقة تمامًا مع الأولويات الوطنية لجنوب إفريقيا، كما سيكون من المثير للاهتمام للغاية أن نرى ما ستجلبه الدول الإفريقية الجديدة إلى جدول الأعمال عندما يحين دورها لاستضافة قمم مجموعة البريكس.

في الوقت الحالي، لم تعد جنوب إفريقيا العضو الإفريقي الوحيد في البريكس، وهي حقيقة من شأنها أن تغير موقف البلاد، حيث من المرجح أن تركز أكثر على مصالحها الإقليمية داخل المجموعة. وقد تقدمت جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي وأنجولا بطلبات للانضمام إلى المجموعة، وباعتبارها أعضاء في مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي إلى جانب جنوب لإفريقيا، فإن لديهم جميعا فرصة لتعزيز مواقفهم على المستوى المتعدد الأطراف ويعتبر هذا التعاون المحتمل الجديد مجالًا ذا أهمية استراتيجية حقيقية لجنوب إفريقيا.

وأخيرًا، فإن وجود ثلاثة عمالقة إقليميين إفريقيين في البريكس لا يجعل القارة ممثلة بشكل حقيقي وتمثل نيجيريا تحديًا آخر لأنها لم تقدم طلبًا رسميًا ولكنها أعربت في وقت ما عن رغبتها في أن تصبح جزءًا من مجموعة البريكس.

إن النظر إلى هذه الديناميكيات المعقدة يشير إلى أن التعاون المحتمل بين مجموعة البريكس والاتحاد الإفريقي يمكن أن يكون مفيدًا، ولكنه يأتي مع تحدياته الخاصة، مثل قضية التمويل الأجنبي للاتحاد الإفريقي وترتيباته المؤسسية الضعيفة وقد تثير نقاط الضعف هذه في الاتحاد الأفريقي تساؤلات حول فعالية التكامل بين البريكس والاتحاد الإفريقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى