يحيى السنوار: نهاية مرحلة تاريخية؟
لا يمكن تذكّر السنوار، اليوم ولاحقا، خارج الصراع مع سردية الحقبة الاستعمارية والعنصرية والإبادية للغرب وإسرائيل، ولكن الاختلاف، في استذكار إرثه، ضمن الفلسطينيين والعرب أنفسهم سيكون على قرار الهجوم على مستوطنات غلاف غزة.
في اليوم 377 من الحرب على غزة أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي قتل يحيى السنوار.
حسب رواية الإذاعة فإن الاشتباك مع رئيس حركة “حماس” وقع في تل السلطان في رفح وأنه كان يرتدي جعبة عسكرية ومعه قيادي ميداني آخر.
مع تأكد الخبر فإن السنوار سيكون قد ارتقى إلى بارئه بعد عشرة أيام من ذكرى اندلاع عملية غلاف غزة التي كان مهندسها الأول، وعشرة أيام أيضا على ولادته في اليوم نفسه (7 تشرين أول/ أكتوبر) قبل 62 عاما في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
جاء السنوار إلى العالم بعد 14 سنة من تأسيس إسرائيل، الدولة التي كانت ثمرة احتلال فلسطين واقتسام القوى الغربية لمنطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها كانت أكثر من شيء آخر، وكما يفترض أن يرى العالم جميعا الآن، وريثة نظام الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية.
لم يختر السنوار، ولا الفلسطينيون كلّهم، هذا المصير الشاق، ومن يدرس الحقبة التي قضاها على الأرض سيجد أن حياته كانت مزيجا من محاولة فهم هذا الظلم بالدراسة والنضال العنيد لتغييره، فبعد انتهاء دراسته في ثانوية المخيم للبنين، انتقل إلى الجامعة الإسلامية في غزة حيث تخرج من شعبة الدراسات العربية، ثم استغل 23 عاما أمضاها في سجون إسرائيل (أي أكثر من 37% من سنوات حياته حتى اليوم)، ليتعلم العبرية وليؤلف ويترجم كتبا، وليشارك، في الوقت نفسه، من داخل السجن وخارجه الكفاح للتحرر، بالمعنى الشخصي والعام، من ربقة الظلم التاريخي.
اقرأ أيضا| حماس أولا وفلسطين عاشرا
لا يمكن تذكّر السنوار، اليوم ولاحقا، خارج الصراع مع سردية الحقبة الاستعمارية والعنصرية والإبادية للغرب وإسرائيل، ولكن الاختلاف، في استذكار إرثه، ضمن الفلسطينيين والعرب أنفسهم سيكون على قرار الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، الذي أدى، من جهة، لديناميّة تاريخية كبرى أدخلت ما يسمى “محور المقاومة” في الحرب على إسرائيل.
غير أن هذا القرار، أدى نتيجة الظروف الدولية والعربية والمحلية لديناميّة أخرى مضادة قادتها إسرائيل، فارتكبت خلالها فظاعات كبرى تجتمع فيها إرادة التطهير العرقي والإبادة الجماعية مع أحلام التوسع والاستيطان، وساهم اندفاعها الإجراميّ الهائل الذي التحف بدعم غربي وعجز عربي فادح، في أكلاف كبرى للفلسطينيين، يمكن مقارنتها بنكبة عام 1948، كما فتح شهوة الدولة العبرية لضم مزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، ولتنفيذ خطط لـ”إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، بما في ذلك حرب تجرّ فيها الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب، لتدمير إيران.
سيتذكّر التاريخ السنوار كمسؤول رئيسي عن منحنى حادّ في فلسطين والشرق الأوسط والعالم، ومثل كل المنحنيات التاريخية فإن أعواما، وعقودا على الأغلب، ستمر حتى تظهر النتائج الحقيقية لقراراته، وفي الأثناء سيعود أبو إبراهيم السنوار إلى رحم الأرض التي قاتل لاستعادتها، وسيرتقي بروحه منها إلى بارئه، وسيتذكره الفلسطينيون كأحد قادتهم الكبار.