أوروبا

زيلينسكي و”خطة النصر”… هل من مقومات للنجاح؟

أوكرانيا لا تزال تخسر الأراضي في منطقة دونباس شرق البلاد، ومصير الاختراق الذي قامت به قوات كييف في منطقة كورسك الروسية لا يزال غير واضح

هل تذكرون كيف كان مجرد ظهور الرئيس الأوكراني ولو بصورة افتراضية أو على الواقع، الحدث الأكثر جاذبية من بين الأحداث الساخنة في العاصمة البريطانية لندن، عندما كان أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس اللوردات يتزاحمون من أجل الحصول على مكان خال حتى في الغرف المخصصة لمتابعة المجريات وقوفاً في البرلمان، لرؤيته وسماع ما يقوله؟ عندما كان الممثل التلفزيوني السابق الذي أصبح رئيساً منتخباً بصورة ديمقراطية ثم قائداً في زمن الحرب، يجذب الانتباه بتصميمه وشجاعته واستحضاره لتصرفات الزعيم البريطاني تشرشل؟حسناً، إن الوقت الذي شعرت فيه بريطانيا بإحساس قوي بالفخر والحنين من خلال دعم أوكرانيا وإجراء مقارنات بينها وبين “أفضل لحظاتها” [في إشارة إلى دورها في الحرب العالمية الثانية] قد انتهى.

 لم تكن هناك أية ضجة الخميس الماضي، وفي الواقع بالكاد كان هناك إعلان عن زيارة فلوديمير زيلينسكي الأخيرة إلى لندن. كانت هناك سجادة حمراء ومصافحة وعناق مع السير كير ستارمر على ذلك الباب الشهير لمقر رئاسة الحكومة، تلا ذلك الاستقبال نحو ساعتين من المحادثات خلف أبواب مغلقة، شارك فيها عسكريون ومسؤولون أمنيون من المملكة المتحدة والأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، وبعد الاجتماع والزيارة السريعتين غادر زيلينسكي متجهاً إلى فرنسا وإيطاليا قبل عودته للعاصمة الأوكرانية كييف.

من ناحية اهتمام وسائل الإعلام في المملكة المتحدة بالزيارة فقد تقدم على محطة زيلينسكي اللندنية على سلم الأولويات الصحافية إلى حد كبير التغطية المستمرة للإعصار في ولاية فلوريدا الذي بلغت قوته الدرجة الثالثة، ولم تنجح الزيارة في احتلال صفحات الصحف البريطانية الأولى سوى تصدرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الإخبارية الرئيسة ولفترة وجيزة.

لا أقصد من خلال كل ذلك القول بأنه لم يكن للزيارة أية أهمية أبداً، فهي منحت الرئيس زيلينسكي فرصة أخرى كي يقوم بتقديم ما أطلق عليه “خطة النصر” أمام جمهور ربما كان متعاطفاً معه، وهي شكلت مناسبة أخرى أيضاً كي تقوم حكومة المملكة المتحدة الجديدة نسبياً بتأكيد تضامنها مع أوكرانيا.

إقرأ أيضا : كيف يستفيد النظام السوري من التصعيد في المنطقة

لا أعتقد أن كل ذلك كان ضرورياً، فرئيس الوزراء ستارمر كان قد وعد، وحتى قبل تسلمه منصبه الجديد، بمواصلة تقديم الدعم البريطاني الكامل والقوي للرئيس زيلينسكي في مساعيه إلى طرد المحتل الروسي من الأراضي الأوكرانية، ووزير الدفاع البريطاني جون هيلي كان زار أيضاً منطقة أوديسا الأوكرانية بعد ساعات قليلة من تسلمه منصبه، أما ستارمر فكان قد عقد اجتماعاً ثنائياً مع الرئيس زيلينسكي خلال قمة الـ “ناتو” في واشنطن خلال يوليو (تموز) الماضي، وبعد ذلك بأيام قليلة اجتمع مع زيلينسكي [من جديد] بحضور أعضاء الحكومة البريطانية كافة في “داونينغ ستريت” مباشرة بعد قمة المجلس السياسي لأوروبا الذي انعقد في بلينهايم.

في الواقع فإن الاجتماع الأخير لم يسهم إلا في تأكيد المواقف السائدة، فهو أشار إلى أن دعم المملكة المتحدة الأخلاقي لأوكرانيا لا يزال على قوته، وأن حلف الأطلسي بقيادة أمينه العام الجديد مارك روته لا يزال ملتزماً تجاه أوكرانيا تماماً كما كان عليه الوضع في عهد سلفه يان ستولتنبيرغ، وأن منح العضوية لأوكرانيا في حلف الأطلسي لا تزال هدفاً تدعمه المملكة المتحدة، ومع ذلك فمن الصعب ألا نلاحظ أنه وخلال أشهر الصيف الماضي بدأت الحماسة البريطانية لدعم أوكرانيا بالتضاؤل، ليس لأن كير ستارمر هو ليس بوريس جونسون الذي يبدو أنه لا يزال يحتل ربما موقعاً صغيراً في قلب الرئيس زيلينسكي، ففي نهاية المطاف كان على الرئيس زيلينسكي التعامل مع عدد غير قليل من رؤساء الوزراء البريطانيين بعد جونسون، ولكن لأن زيلينسكي يواجه مزيداً من الصعوبات في مساعيه إلى الترويج لقضيته من أجل الحصول على مزيد من الدعم الغربي، من دون فرض مزيد من الشروط وتقييد ذلك الدعم.

ويرجع ذلك جزئياً لطبيعة تلك القضية، فخلال العامين ونصف العام الماضية من الحرب طالب زيلينسكي، وهو تلقى بالفعل، بمزيد من الأسلحة المتطورة جداً وبمدى أبعد بكثير بعد اعتراضات أوروبية سجلت في البداية، وطلبه الجديد هو السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ “ستورم شادو” التي قدمتها المملكة المتحدة من أجل ضرب أهداف في العمق الروسي، وهي خطوة حذرت موسكو من أنها ستنظر إليها بوصفها تدخلاً مباشراً للمملكة المتحدة في تلك الحرب، وحتى ولو بدا (وبصورة مذهلة جداً) أن هناك في المملكة المتحدة سياسيين كباراً ممن يرغبون بمواجهة مع روسيا، إلا أن في مقابلهم أعداداً أخرى من السياسيين في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ممن يعارضون تلك المواجهة تماماً.

سبب آخر لتراجع الحماسة تجاه أوكرانيا يتعلق أيضاً بأوضاع وسير تلك الحرب، فالأيام التي شهدت تسجيل الأوكرانيين أعمالاً بطولية حققوا من خلالها النصر تلو النصر في مواجهة معتد هو بمثابة قوة عظمى، أصبحت أقل وأقل، وأوكرانيا لا تزال تخسر الأراضي في منطقة دونباس شرق البلاد، ومصير الاختراق الذي قامت به قوات كييف في منطقة كورسك الروسية لا يزال غير واضح، وبشكل من الأشكال يبدو أن الأفضلية على ساحة المعركة تميل لمصلحة روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى