تبرأت إيران من حرب أشعلتها
كان واضحا ليس الآن، بل ومنذ سنوات أن إيران ما أن يكون لها موقع قدم في دولة حتى تحولها إلى دولة فاشلة
في الوقت الذي ظلت إيران تؤكد أن لا علاقة لها بما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 صرح وزير خارجيتها عباس عراقجي بأن على دول المنطقة أن تشكر إيران لأنها أنقذتها من حرب شاملة.
ينطوي الموقفان على نفاق سياسي هو صفة إيرانية بامتياز.
فلولا إيران ما كانت هناك حرب في غزة ولولاها ما كان حزب الله يضع لبنان في خدمة جهده الحربي من أجل نصرة غزة. وإذا ما كان علينا أن نغض النظر عن واقعة مقتل زعيم حماس في طهران وهي موقع إلهامه العقائدي فإن مقتل حسن نصرالله في معقله لا يمكن سوى أن يكون جزءا من الحرب التي تديرها إيران بشكل مباشر. فالرجل لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها أنه جندي في خدمة الولي الفقيه. فهل يُعقل أن الولي الفقيه ترك جنديه لهواه لكي يُقتل؟
حتى عبارة “نصرة غزة” التي كانت شعارا لحرب حزب الله فيجب أن لا تؤخذ على ما هي عليه. فهي في حقيقتها “نصرة إيران في غزة”. ولا يتعلق الأمر بأهل غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة منذ أكثر من سنة.
لم تخف حركة حماس من جانبها ما تبرأت إيران منه.
في كل مرة تقع فيها الحرب في غزة كان هنية يتوجه بالشكر إلى الولي الفقيه. كانت رسائل الشكر في الجزء الخفي منها تنطوي على شماتة بالعرب الذين نجحت حركته في فك ارتباطهم بغزة.
في الحرب الحالية استمر هنية في نهجه إلى أن وصل إلى قناعة الذهاب إلى طهران من غير أن تطرأ على باله فكرة الفخ الذي قد ينصب له هناك.
الغريب أن هنية لم يستغرب نأي إيران بنفسها عما يتعرض له أهل غزة من عدوان همجي. كانت إيران تكذب وهي تردد مقولتها “دول المنطقة قادرة على الدفاع عن نفسها ولا تحتاج إلى دعم إيراني”. تُرى ما هي تلك الدول وليس هناك مَن يقاتل إسرائيل سوى الميليشيات التي كلفتها إيران بإلهاء إسرائيل إلى أن تتمكن من الانتهاء من برنامجها النووي؟ ليس ذلك افتراضا. ما يجري في المنطقة من عبث دموي طرفاه إسرائيل وما يُسمى بمحور المقاومة الذي تديره وتموله وتشرف عليه إيران يؤكد ذلك.
هل تضحك إيران على أتباعها حين تزعم أن لا علاقة لها بحرب غزة؟ مقتل هنية في طهران دليل فاضح. ولكن زج حزب الله بلبنان هو مأساة أكبر من أن يكون فضيحة. مليون نازح لبناني من أجل أن تؤكد إيران قدرتها على التحايل على إسرائيل للفت أنظارها.
إقرأ أيضا : إنهاء الصراع في أوكرانيا وفق “النموذج الألماني”
كل هذا وتنتظر إيران من دول المنطقة أن تشكرها. ألأنها نجت حتى اللحظة من حرب أشعلتها في المنطقة أم لأنها لم تكلف ميليشياتها حتى الآن من ضرب الدول العربية التي لا مصلحة لها بتلك الحرب؟
كان واضحا ليس الآن، بل ومنذ سنوات أن إيران ما أن يكون لها موقع قدم في دولة حتى تحولها إلى دولة فاشلة. العراق وسوريا ولبنان واليمن هي دول أقل ما يُقال عنها إنها دول فاشلة. تلك دول صارت مسرحا لمحور المقاومة الذي تم اختراعه من أجل أن تكون إيران آمنة. ليست المقاومة سوى كذبة. فالميليشيات الشيعية في العراق على سبيل المثال لم تقاوم القوات الأميركية يوم كانت تحتل العراق، بل أن أصحاب العمائم شهد لهم بأنهم تعاونوا مع المحتل وكانت موائدهم مفتوحة بكرم لضباط الاحتلال في الوقت الذي كانت القوات الأميركية ترتكب أبشع المجازر في مختلف مناطق العراق. أما الحوثيون الذين انقلبوا على الشرعية فإنهم ذهبوا باليمن إلى أقصى درجات عزلته وهم إذ يذكرون به من خلال القرصنة التي يمارسونها في البحر الأحمر فإنهم يعرضون شعبه لخطر ليس هو على استعداد لمواجهته.
كان حسن نصرالله يعتقد أنه أكثر المقاومين فطنة. وبما أنه وضع دولة لبنان تحت إبطه فإن إسرائيل ستعامله باعتباره رئيس دولة وأكثر. ما حدث أن العالم كله وليس إسرائيل وحدها قد تعامل معه حين مقتله باعتباره زعيم ميليشيا إيرانية.
تاريخيا فإن هذه الحرب ستُدرس باعتبارها الحرب التي أشعلتها إيران ووجدت إسرائيل فيها فرصتها للتنكيل بالفلسطينيين واللبنانيين من غير أن تكون لهم مصلحة فيها. تعرف إيران أنها لن تُلام في حرب تبرأت منها.