بمناسبة مرور عام على طوفان حماس المشؤوم، لم يطل علينا رئيس حركة حماس، القائد العسكري ومهندس الطوفان، الذي لا يزال مختبئًا منذ بداية الحرب، فهو لا يجد غضاضة في ألا يخاطب من وضعهم في تلك المأساة، وألا يقيم لهم وزنًا، المهم أن يكون هو بأمان. أعتقد أنه من الممكن أن يكون قد غرق في طوفانه. ولكن، أطل علينا ثلاثة متحدثين باسم حركة حماس، في دلالة على أن الحركة ليست موحدة وأن هناك انقسامًا داخلها ومحاور عدة. تمنيت وأنا أستمع للناطقين باسم حماس بمختلف محاورها أن أسمع قولًا مختلفًا يعتمد على حصاد عام من الجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا في كل أماكن تواجده.
كنت أتمنى أن أسمع خطابًا عن الوحدة وتعزيز لحمة شعبنا، خطابًا عن الرؤية والتحرك في قادم الأيام، خطابًا عن معاناة شعبنا وكيفية الخروج من هذا المستنقع، خطابًا يقول لنا أين أصبنا وأين أخطأنا، خطابًا يحدد معالم الطريق للفترة المقبلة، خطابًا يتحدث عن ضرورة وقف الحرب وبأيّ ثمن، خطابًا يتحدث بواقعية عن اليوم التالي وكيف سنعيد بناء قطاع غزة ومعالجة معاناة أهله، خطابًا يحدّد المسار السياسي والهدف الذي يجب أن نجتمع عليه، وأخيرًا خطابًا عن فلسطين! ولكن للأسف، استمعت إلى خطاب لا يزال يعيش في الأوهام، ومن كتبه لم يكلف نفسه النظر لما آلت إليه الأمور والمتغيرات من حولنا. خطاب لا يزال يعتمد على المحاور وجبهات الإسناد ولا يعتمد على الذات، خطاب لا يزال يعتمد على تحرك الأمة الإسلامية والعربية التي لم تتحرّك ولن تتحرّك، خطاب ديني يستقى من آيات الذكر ما يتناسب مع ما يطرح ويعيش في واقع افتراضي.
أطل علينا خالد مشعل مرة أخرى وأيضًا بنقاط سبع، كان مرتجفًا في خطابه وتائهًا بين المفردات، لا يستطيع أن يأتي بجمل مفيدة أو يربطها ببعضها لنستطيع أن نفهم ماذا يريد وإلى أين نحن ذاهبون؟ احتوت كلمته على الكثير من الشعارات المستهلكة التي تعودنا عليها مثل النصر الكبير وهزيمة جيش العدو، والتفوق في معركة العقول أمنيًا وعسكريًا! ورأى في ضحايا شعبنا الذين تجاوزوا 42 ألفًا وحتى في اغتيال قيادات حركته خسائر تكتيكية، وثمنًا طبيعيًا دفعته كل الشعوب التي تحررت من الاستعمار. ناهيك عن تدمير كل شيء في قطاع غزة ومحاولات التدمير المستمرة في الضفة الغربية. تحدث مشعل عن الكثير في خطابه والذي أرى أنه لا يستحق النقاش، وتحدث عن كل شيء وخاطب كل الناس إلا الشعب الفلسطيني!
أرى أن هذا الخطاب قد تجاوزه الزمن، وأن من كتبه أصبح يعيش حالة من الهلوسة السياسية، وقد تفاقمت حالة الوهم والإنكار لديه لدرجة أنه أصبح لا يستطيع أن يصدق أنهم بطوفانهم تسببوا في إذلال شعبهم ودمّروا بلادهم وأيضًا حركتهم التي استثمروا فيها الكثير على مدار ما يقارب الثلاثة عقود ولا يزالون يصرون على أن ذلك نصر! وكيف يمكن أن نتعرض لإبادة جماعية وفي نفس الوقت نحن منتصرون؟ أعتقد أن بعض الأشخاص أصبحوا في حاجة ماسة إلى العلاج والراحة.
أما نائب رئيس الحركة خليل الحية، والذي يريد أن يقول إنه موجود، خصوصًا بعد اغتيال صالح العاروري وإسماعيل هنية واختباء يحيى السنوار الذي أصبح يطرح علامات استفهام كبيرة. فقد كان في خطابه مثل مشعل واستعمل نفس شعارات النصر المبين وهزيمة العدو، وعبور السابع من أكتوبر، وما إلى ذلك من شعارات لا تدعمها الحقائق على الأرض، ووضّح كيف تحولت القضية الفلسطينية من قضية منسية إلى القضية الأولى في العالم وكيف رأى العالم الوجه الحقيقي للاحتلال مرجعًا ذلك للمقاومة وليس لشعبنا المضرج بدمائه في غزة المدمرة.
عرّج على الكثير من المسائل حول محور المقاومة وإيران وما إلى ذلك من أمور في خطاب عبثي لا يرقى إلى حجم الكارثة التي يعاني منها شعبنا منذ عام ولا نعرف إلى متى. وكما فعل مشعل، فعل الحية في أنه خاطب العالم وتحدث عن كل شيء ولكن لم يخاطب الشعب الفلسطيني.
أما “المقنع”، وهو حالة خاصة تستحق الدراسة، والذي لا أدري لماذا هو مقنع والجميع يعرف شخصيته. وفي حين يرتدي الزي العسكري، تجد مقاتلي حماس وغيرهم من المقاومين يرتكبون جريمة في خوضهم المعارك باللباس المدني وتخفّيهم بين المدنيين.. هذا المقنع تحدث في كل شيء إلا الشأن العسكري، وأعاد تعريف طوفان حماس المشؤوم على أنه عبارة عن عملية كوماندوز استباقية (وليست معركة للتحرير كما ذكر القائد العام للقسام محمد الضيف).
اقرأ أيضا| «خطة الجنرال».. كارثة تنتظر قطاع غزة
تلا علينا آيات من الذكر الحكيم ليدلل ويبرر ويحفز، كما لو أنه في خطبة جمعة، ولم يقل لنا ما هو الموقف العسكري على الأرض ولماذا في يوم 7 أكتوبر 2023 أطلقت حماس ومن معها 4000 صاروخ على إسرائيل وفي 7 أكتوبر 2024 أطلقت 14 صاروخًا، وكم كتيبة تعمل وعن محاور القتال والخطط العسكرية وكيفية تحقيق النصر وما هي خسائر المقاومة في الوقت الذي تحدث فيه عن خسائر العدو، كما لو أن حماس والمقاومة ليست لديها خسائر أو من المعيب ذكرها، أو أنها تدخل في إطار الغموض الإستراتيجي. يقول المقنع إن المعركة غير متكافئة، وإن خيار حماس الآن هو الاستمرار في حرب استنزاف طويلة الأمد ومؤلمة. لا أعرف على أيّ أساس تم تبني مثل تلك الخيارات إذا كانت المعركة غير متكافئة بوجهة نظره، وهي استنزاف لمن بالتحديد؟
بعد عام على عملية الكوماندوز المشؤومة لحماس كما أعاد تسميتها (المقنع)، لا تزال حماس تكابر وترفض الاعتراف بالحقائق على الأرض وبأنها قد وقعت في فخ نصب لها بسبب غرورها بقدراتها وقوتها، والذي حقق بسببه بنيامين نتنياهو ويمينه المتطرف كل ما كانوا يصبون إليه من تدمير لقطاع غزة وتحويله إلى مكان غير قابل للحياة في محاولاتهم المستمرة لتهجير الشعب الفلسطيني وأيضًا الحصول على مبرر كان يبحث عنه ليعطيه شرعية لما قام به أمام العالم كما صرّح بنفسه.
ومع استمرار اختباء السنوار واستمرار التفاوض بشكله الحالي عبر الوسطاء إن كان هناك تفاوض، أرى أن الاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلى أيّ نتيجة بل تتحقق النتائج بوحدة شعبنا وقواه أمام هذا العدو ومن خلال تبني إستراتيجية موحدة تأخذ في الحسبان صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والذي يتطلب وقفًا فوريًا للحرب بأيّ ثمن وليس استمرارها.
حركة حماس تنفصل أكثر فأكثر عن الشعب الفلسطيني الذي ينتظر انتهاء الحرب ليحاسب قادتها على كل ما فعلوه بهم وأصبح شعارهم الآن هو “يجب أن يموت شعبنا ويضحي لتحيا المقاومة، بدلًا من أن نقاوم ونموت ليحيا شعبنا”. في النهاية أقول مر عام على النكبة الجديدة، فهل لا يزال هناك عام آخر أم هناك ضوء في نهاية نفق حماس؟