تقارير

«أبطال بلا حماية».. كيف انتهكت إسرائيل حقوق المسعفين في لبنان؟

أقدمت إسرائيل، في سياق الحرب المستمرة مع حزب الله في لبنان والتي اندلعت في الثامن من أكتوبر 2023، على توسيع عملياتها العسكرية، ضاربةً عرض الحائط بكافة القوانين الدولية والشريعة الإنسانية.

لم تتوانَ القوات الإسرائيلية عن استهداف المواقع المدنية في مختلف المناطق اللبنانية، ولم يسلم من هجماتها البشر، ولا الحيوانات، ولا حتى الطبيعة والمباني.

وما يبرز من تلك الانتهاكات الصارخة كان في استهداف المنشآت الصحية والعاملين في القطاع الإغاثي والإسعافي على امتداد الجغرافيا اللبنانية، في تصعيد غير مسبوق.

استهداف المرافق الصحية

دمرت إسرائيل مركزًا للإسعاف في بلدة الهبارية الجنوبية بتاريخ 27 مارس 2024، وهو تابع لجهاز الإغاثة والطوارئ في جمعية الإسعاف اللبنانية.

اقرأ أيضا.. فرنسا توافق وبريطانيا تعترض.. خلاف أوروبي على حظر بيع الأسلحة لإسرائيل

وأدى هذا القصف إلى مقتل سبعة متطوعين، معظمهم من الطلبة الجامعيين، بالإضافة إلى تدمير المركز بالكامل وإحدى سيارات الإسعاف، مما ألحق ضررًا كبيرًا بعدد من المنازل المجاورة، وكانت هذه الضربة صادمة للمسعفين في مختلف أنحاء لبنان، وتركت أثرا كبيرا على مستوى التواجد الميداني لعناصر الإسعاف في تلك المناطق.

وكشف مسؤولون وشهود عيان حجم الألم والأثر العميق الذي تركته الضربات الإسرائيلية على لبنان، حيث أكد منسق العلاقات العامة في جمعية الإسعاف اللبنانية، فاروق عكاري، أن الجمعية لم تعد تفتح النقطة المستهدفة نظرًا لعدم وجود أي ضمانات لحمايتها.

وأضاف عكاري، في تصريحات لـ”جسور بوست”، أن الجمعية خفضت من أعداد المسعفين المداومين في مناطق المواجهات وحرصت على التزام المسعفين بتدابير الوقاية الصارمة بما في ذلك ارتداء الخوذ والدروع الواقية عند أداء مهامهم.

تأثيرات نفسية على المسعفين

وقال عكاري، إن جمعية الإسعاف اللبنانية، نظمت جلسات دعم نفسي للمسعفين خلال الفترة الماضية، وهدفت تلك الجلسات إلى تمكين المتطوعين من التعامل مع التحديات النفسية الناجمة عن القصف والاستهداف المتكرر، كما تضمنت محاضرات حول كيفية التصرف مع المرضى أثناء الحالات الطارئة.

وأضاف عكاري، أن هذا العمل النفسي المستمر يبرز حجم الضغط الذي يعيشه العاملون في المجال الإنساني، خاصة في ظل الأوضاع المتأزمة، مؤكدا أن استهداف النقطة الإسعافية يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على حماية العاملين في القطاع الصحي أثناء الحروب.

وتابع، أنه في الوقت الذي تقدمت فيه الدولة اللبنانية بشكاوى للأمم المتحدة حول الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسعفين، تراجعت عن رفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق رسمي في تلك الاعتداءات.

ضغوط العمل المتزايدة

وأوضح عكاري، أن الحرب زادت من الضغط على المسعفين، مشيرًا إلى أن غياب الأمان والضمانات أضعف قدرة الطواقم الطبية على أداء واجبها، وبالإضافة إلى ذلك، يعرقل القصف المستمر عمليات الإخلاء ونقل المصابين، مما يزيد من تعقيد الوضع الميداني.

وتواجه الفرق الإسعافية ضغطًا متزايدًا نتيجة ارتفاع أعداد النازحين بسبب الصراع، وهو ما يستنزف الموارد المتاحة للطواقم، سواء من آليات إسعاف أو معدات طبية أو كوادر بشرية.

تقارير حقوقية دولية

أكد تقرير صدر عن صحيفة “الغارديان” البريطانية في 6 مايو 2024 أن الهجوم الإسرائيلي على مركز الإسعاف في بلدة الهبارية يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي.

وأوضح التقرير أن القنبلة المستخدمة في القصف كانت تزن 500 رطل، ما أدى إلى تدمير المنشأة بالكامل، كما أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا بتاريخ 7 مايو، وصفت فيه الهجوم بأنه جريمة حرب، مشددة على ضرورة فتح تحقيق دولي في الواقعة وملاحقة المسؤولين عنها.

شهادات مؤثرة

روى سامي الشعار، صديق المسعفين السبعة الذين استشهدوا في الهجوم، قصصًا مؤثرة عنهم، مشيرًا إلى أنهم كانوا متطوعين شغوفين بمساعدة الآخرين دون انتظار أي مكافآت مادية أو امتيازات شخصية.

وأضاف الشعار في حديثه مع “جسور بوست” أن هؤلاء الشبان كانوا فخورين بعملهم الإنساني، ولم يترددوا لحظة في تقديم المساعدة رغم المخاطر الكبيرة التي واجهوها.

وأكد الشعار، أن ذكرى هؤلاء الشبان ستبقى حية في قلوب أصدقائهم وأهاليهم، مشيرًا إلى أهمية تسليط الضوء على حماية العاملين في القطاع الصحي.

دعوات لتحرك دولي

من جانبه، شدد باستيان فان بلوكلان، منسق الاتصالات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في لبنان، على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحماية العاملين في المجال الصحي خلال النزاعات المسلحة.

وأضاف بلوكلان أن الجمعيات الإنسانية تواصل الحوار مع الأطراف المتصارعة لضمان توفير الحماية المطلوبة للعاملين في المجال الطبي والمدنيين المتضررين.

وفي السياق، كشف رئيس دائرة المستشفيات في وزارة الصحة اللبنانية، هشام فواز، أن عدد القتلى في المجال الطبي جراء العدوان الإسرائيلي تجاوز 122 شهيدًا و140 جريحًا، مع تدمير عشرات المراكز الطبية وتعطيل 4 منها بالكامل.

الحاجة إلى تحرك دبلوماسي

من جانبه، دعا المركز اللبناني لحقوق الإنسان إلى ضرورة تحرك الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي فورًا للضغط على إسرائيل ووقف استهداف العاملين في القطاع الطبي.

وأوضح المركز أن استهداف الأطباء والممرضين يشكل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق المتضررة ويعطل الوصول إلى الرعاية الصحية الضرورية.

يذكر أن القوانين الدولية التي تحمي العاملين في المجال الطبي أثناء النزاعات تشمل عدة اتفاقيات وقرارات وأبرزها اتفاقيات جنيف (1949) وعلى وجه التحديد الاتفاقيتان الأولى والرابعة، اللتان تحميان الطواقم الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف، وتضمن حماية العاملين في المجال الطبي الذين يعالجون الجرحى والمرضى من الهجمات.

ومن ضمن الاتفاقيات الدولية، البروتوكول الإضافي الأول (1977)، والذي يعزز حماية الوحدات والعاملين في المجال الطبي أثناء النزاعات، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2286 (2016)، والذي يدين الهجمات على موظفي ومرافق الرعاية الصحية ويدعو إلى الامتثال للقانون الدولي الإنساني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى