هل أنقذ طوفان الأقصى إسرائيل من لعنتها الثمانين؟
عام مرّ والإسرائيلي مازال يعربد في قتل الناس وتهجيرهم، حيث نقل آلة القتل من غزة إلى لبنان، وها هو يرفع مستوى تهديداته إلى إيران لتنفيذ ضربات بما يتناسب مع ردّها الصاروخي على إسرائيل الأربعاء 2 سبتمبر الماضي.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عام 2017 أنه يجب العمل على ضمان استمرارية إسرائيل لمدة 100 عام، لا بل أكثر، وأشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت دولة يهودية أكثر من 80 عامًا.
القلق حيال زوال إسرائيل يعتبر قضية حساسة بالنسبة إلى اليهود؛ إذ يثار الشك في مستقبل الدولة اليهودية نفسها. وما أثار قلقهم أكثر تلك التنبؤات التي خرجت إلى العلن، تحديدًا في أبريل من عام 1998، حيث أدلى الشيخ أحمد ياسين بتصريحات لقناة الجزيرة في برنامج “شاهد على العصر”، جاء فيها أن الكيان المبني على الظلم والاضطهاد سيواجه الهلاك.
لم يتوقف الأمر عند ما قاله الشيخ ياسين، بل استمرّت التنبؤات على ألسنة مسؤولين إسرائيليين وكتابهم، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، الذي عبر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بمناسبة الذكرى الـ74 لتأسيس إٍسرائيل عن تخوّفه من رسم نهاية الكيان عام 2027، أي ما يصادف مرور 80 عامًا على إعلان تأسيس إسرائيل عام 1947.
عام مرّ على عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر عام 2023 والتي أدت إلى مقتل أكثر من 1200 واحتجاز المئات في أنفاق حماس في قطاع غزة. للوهلة الأولى خرجت التحليلات التي ربطت بين العملية النوعية التي قامت بها حركة حماس وبين لعنة إسرائيل الثمانين، ليعتبر البعض أنها تؤشر على أن الكيان اقترب كثيرا من نهايته.
عام مرّ والإسرائيلي مازال يعربد في قتل الناس وتهجيرهم، حيث نقل آلة القتل من غزة إلى لبنان، وها هو يرفع مستوى تهديداته إلى إيران لتنفيذ ضربات بما يتناسب مع ردّها الصاروخي على إسرائيل الأربعاء 2 سبتمبر الماضي، والذي تمثّل في إطلاق المئات من الصواريخ التي طالت مختلف أراضي الكيان. ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجيش يستعد للهجوم على إيران وسيكون الأمر جديًا وكبيرًا وليس حدثًا ثانويًا. فبحسب الإذاعة سيكون الردّ قاسيًا ومؤلمًا للنظام الإيراني، حيث تعتبر بعض المصادر أن إسرائيل لا يسعها إلا أن ترد على إيران، لأن الثقة بدأت تتزعزع عند الإسرائيليين الذين يشعرون بعدم قدرة جيشهم على بناء معادلة الردع، هذا ما يدفع الكثيرين إلى التفكير في الهجرة من إسرائيل.
اقرأ أيضا| هل نهاية الصراع هو نهاية «حماس»؟
هل وحدت الحرب الانقسام الداخلي الإسرائيلي وأبعدت لعنة إسرائيل إلى ما بعد الثمانين؟ أم أن محور الممانعة ستكون له الكلمة الفصل في الميدان مع التلهي الأميركي الداخلي؟
تعود فكرة “لعنة العقد الثامن” إلى رواية يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي السياسي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.
ويشير المؤرخون الإسرائيليون في هذه الجدلية إلى مملكة داوود التي يرجعونها إلى حوالي عام 1000 قبل الميلاد، والتي استمرت أقل من ثمانين سنة تحت حكم الملكين “داوود وسليمان”. أما المملكة الثانية فقامت باسم “مملكة الحشمونائيم” حوالي سنة 140 قبل الميلاد، خلال فترة الحكم الروماني لفلسطين. ولكن هذه المملكة دخلت في العقد الثامن من عمرها كذلك في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها.
وجد نتنياهو في الحرب التي يشنها على لبنان وفي سعيه عبر توسيع نطاقها إلى المنطقة ككلّ، فرصة لتحقيق ما وعد به اليهود من استمرار عمر الكيان إلى أكثر من مئة عام، ما يكسر اللعنة ويبث الشعور بالطمأنينة. لهذا يعتبر أن الحرب تستجلب الدعم الغربي المطلق، وتوحد الصف الداخلي، وأن استهداف إيران بات أكثر من حاجة لأنّها تدعم وكلاءها في المنطقة. ويعتبر أن الولايات المتحدة من خلال إعلانها منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر أنها لن تسمح بإنهاء وجود إسرائيل عبر الدفاع عنها ومساندتها دليل إضافي على أنّ إسرائيل لا يمكنها أن تنهار، عبر حرب خارجية عليها، لا بالعكس قد تستمد حضورها من الحروب. أما كيف ستتحقق اللعنة، فهذا مرتبط بعاملين.
العامل الأول داخلي، إذ عندما تبنى إيهود باراك نظرية لعنة إسرائيل، لم تكن الحرب قد بدأت وتوسعت، بل كانت إسرائيل تشهد على انقسامات في الداخل، وازدادت مع طلب حكومة نتنياهو تقديم اقتراح لإجراء تعديلات قضائية في مارس 2023.
العامل الثاني هو أن تعيش أميركا تلهيًا داخليًا وتغيب عن لعب دور الراعية الأساسية والحاضنة لاستمرار إسرائيل وبقائها. فالجميع بات على علم بأن الدعم الأميركي هو الذي يمدد الحرب في المنطقة من خلال المساعدات العسكرية. إن ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة 4 أكتوبر الجاري قد يشكل مؤشرًا على التلهي الداخلي، عندما ذكر أنه غير واثق من أن الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل ستكون سلمية، مشيرًا إلى تصريحات تحريضية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي لا يزال يرفض هزيمته في انتخابات 2020.
ولا تزال الحرب طويلة الأمد بحسب التقارير، والانقسام الداخلي الإسرائيلي انحصر بسبب الحرب القائمة، حيث قال نتنياهو في تصريحه الثلاثاء 1 أكتوبر الجاري “إننا في ذروة المواجهة مع المحور الإيراني وسنكون موحدين”. فهل وحدت الحرب الانقسام الداخلي الإسرائيلي وأبعدت لعنة إسرائيل إلى ما بعد الثمانين؟ أم أن محور الممانعة ستكون له الكلمة الفصل في الميدان مع التلهي الأميركي الداخلي؟