دولة الإحتلال

كيف تبتزّ إسرائيل طالبي اللجوء الأفارقة لتزجّهم في الحرب؟

منظمات يهودية ومسيحية يمينية أوروبية تقوم بتنظيم هؤلاء المرتزقة للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، ومن بينها منظمة "رابطة الدفاع اليهودية الفرنسية"، ومنظمة "ماحال"، ومقرها في لندن، التي نجحت في تجنيد المرتزقة من حوالي 40 دولة في العالم

حتى اللحظة، كلّف عام من حرب الإبادة على قطاع غزة، إسرائيل نحو 300 مليار شيكل (80 مليون دولار). لكن خسائر إسرائيل لا تتوقّف عند العنصر الماديّ، فللحرب المستمرة أثر بالغ على القوة البشرية للجيش. فعلى الرغم من اعتماده على التكنولوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي- أو كما وُصف دائماً بـ”جيش صغير وذكي” بسبب تفضيله التكنولوجيا على القوة البشرية- فإنّ هذا الشعار، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، أصبح بالياً”. إذ استُنزف الجيش بسبب طول فترة القتال والإصابات التي تعرّض لها أكثر من 4500 جندي، بحسب المصادر الإسرائيلية.

فضلاً عن انسحاب جنود من الاحتياط وإحجامهم عن المشاركة في العمليات العسكرية نظراً لإنهاكهم، أضف إلى ذلك تعدد جبهات القتال في غزّة والضفة الغربية والاستعدادات السابقة للسيناريوهات المحتملة على الجبهة الشماليّة، التي دفعت إسرائيل إلى التفكير، على ما يبدو، بحلول تعيد الاعتبار لإستراتيجية الاعتماد على العنصر البشري.

وفي ظل فشل الحكومة الإسرائيلية في التوصل إلى حل جذري يتجاوز مشكلة تجنيد “الحريديم” (اليهود الأرثوذكس المتشدّدين)، التي أثيرت خلال الحرب الحالية على غزة، لجأت إسرائيل إلى البحث عن جنود جدد لدى فئات أخرى. هذه المرة، كان الهدف هو طالبي اللجوء الأفارقة، إذ بدأت بتجنيدهم مقابل تسوية أوضاعهم القانونية في الإقامة في إسرائيل.

أزمة التجنيد

يبلغ تعداد الجيش الإسرائيلي نحو 170 ألف جندي نظامي. لكن “يدور الحديث في الوقت الراهن عن حاجته إلى حوالي 7500 جندي إضافي، وعلى المدى المتوسط إلى حوالي 17500 جندي. وبالإمكان تقدير النقص البشري الذي يواجهه الجيش، أولاً بسبب أن الحريديم يشكلون 17% من المجتمع الإسرائيلي، في حين يتجنّد منهم نحو 1% فقط. فضلاً عن فئات أخرى في المجتمع حصلت على إعفاء من الخدمة كالعائلات ذات الابن الواحد”، يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد لرصيف22.

كما أن الأزمة تتجلى لدى جنود الاحتياط، الذين يقدّرون بنحو 350 ألف جندي، “تركوا زوجاتهم وأطفالهم ووظائفهم من أجل القتال في غزة وفي الجبهة الشمالية. إن ثقل المهام الملقاة على عاتقهم تكشف عن مدى معاناة إسرائيل في تعزيز صفوف قواتها”، بحسب تقرير بلومبيرغ. “بينما تسعى إسرائيل من جهة أخرى للحيلولة من دون أن يُحدث غيابهم عن السوق أزمة اقتصادية كارثية”.

ومنذ بداية الحرب على قطاع غزة، وتفادياً لهذه الأزمة، تحركت إسرائيل باتجاه الحلول. فقد انتشرت تقارير حول تجنيد المرتزقة، منها ما نشرته صحيفة “الموندو” الإسبانية، التي قابلت أحد الجنود المقاتلين في غزة، وهو إسباني خدم في قوات التحالف ضد داعش في العراق ثم في أوكرانيا ضد روسيا. وقال إن “شركة تجنيد جنّدته في إسرائيل ودفعت له مبلغ 3900 يورو في الأسبوع”.

“لقد بدأ الحديث عن المرتزقة منذ بداية الحرب على غزة. إنها مسألة تستخدمها إسرائيل بشكل واسع. وعلى اعتبار أن العقلية السياسية والأيدولوجية الإسرائيلية تستند إلى “الميكيافلية” (أي تبرير الوسيلة بالغاية)، فليس لديها أية مشكلة في ذلك”، يقول أبو عواد.

فلم تكتف إسرائيل بتجنيد المرتزقة وأعداد ممن يحملون جنسيات مزدوجة، أي جنسيات مختلفة من العالم بالإضافة إلى الإسرائيلية. بل ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يجند طالبي اللجوء الأفارقة مقابل وعود لتسوية مسائل إقامتهم القانونية.

جاء ذلك بعد حصول الجيش على استشارة قانونية من المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، ولكن حتى اللحظة لم تتم تسوية أيٍ وضع للأفارقة الذين شاركوا في العمليات العسكرية في قطاع غزة، ووفقاً للتقرير.

ويعيش في إسرائيل نحو 30 ألف طالب لجوء إفريقي معظمهم من الشباب، من بينهم 3500 سوداني حصلوا على إقامة مؤقتة بقرار من المحكمة، في ظل غياب قرار في موضوع إقامتهم.

وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تطوع عدد كبير من طالبي اللجوء الأفارقة في العمل في الزراعة والبناء بعد منع العمال الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل.فاستغلت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حاجتهم لإقامة دائمة وجندت عدداً منهم إلى الجيش.

وتذكر الصحيفة أن ثمة توجهاً عاماً لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية أن تقوم بتجنيد الجيل الثاني من أبناء المهاجرين الأفارقة، الذين تعلموا في منظومة التعليم الإسرائيلية.

ونقلت “هآرتس” شهادة أحد طالبي اللجوء الأفارقة، والذي وصل إلى إسرائيل في سن السادسة عشرة دون عائلته. حصل (أ) على إقامة لكن عليه أن يجددها كل ستة أشهر. وقد تلقى هذا اتصالاً هاتفياً في الأشهر الأولى من الحرب ودعي إلى عدد من اللقاءات في مقرات أمنية. عُرض عليه خلالها الانضمام إلى الجيش مقابل راتب يساوي راتبه في العمل. وحين سأل عن الجدوى من القتال مقابل نفس المبلغ، قيل له إنه سيحصل على وثائق دولة إسرائيل.

كيف بحثت إسرائيل عن غطاء قانوني لتجنيدهم؟

أكدت “هآرتس” أن هذه العملية تتم تحت إشراف قانوني من قبل المستشار القضائي للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إضافة إلى أنه جرى إبلاغ غالي بهارف ميارا، المستشارة القضائي للحكومة الإسرائيلية بهذا الأمر، لكنها لم تبد أي تحفظ.

“عندما يتعلق الأمر بالاعتبارات الأمنية، فإن المؤسسة القضائية الإسرائيلية تسير عادة وفق توصيات المؤسسة الأمنية، سواء تمثلت بالجيش أم بجهازيّ الشاباك والموساد، نظراً للمكانة الخاصة التي تحظى بها المؤسسة الأمنية والجيش في صناعة القرار.

يقول الباحث الفلسطيني في الشأن السياسي محمود الفروخ لرصيف22 إن “موقف المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية يدلل على مشاركتها في الجريمة. إنها عملية ابتزاز حقيقية لهؤلاء الفقراء من طالبي اللجوء الأفارقة، تتمثل في إجبارهم على الموافقة على الانخراط في الجيش والقتال في الصفوف الأمامية، مقابل الحصول على بعض الامتيازات والخدمات الصحية والمعيشية، ووعود بالحصول على الجنسية لمن يبقى على قيد الحياة بعد القتال”

ويردف الفروخ: “يريد الجيش أن يكون هؤلاء الأفارقة وقوداً للحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني واللبناني. ولا شك في أن هذا يعبر عن العقلية الإسرائيلية التي تتجند فيها جميع المؤسسات في حالة الحرب واللشعور بالخطر الخارجي”.

إقرأ أيضا : الصين في حسابات هاريس وترمب

ويأتي هذا الغطاء القانوني، بحسب الفروخ، على الرغم من التباين في مواقف المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية وحكومة بنيامين نتنياهو في العديد من القضايا. لكن تُنسى هذه الخلافات من أجل هدف خدمة المؤسسة العسكرية والحفاظ على أمن دولة إسرائيل.

امتيازات لمن لن يشكل تهديداً ديمغرافياً

يؤكد عادل شديد، الباحث في الشأن الإسرائيلي، في حديثه لرصيف22 أن “جميع طلبات الإقامة ولم الشمل وأذونات العمل للقادمين أو طالبي اللجوء، تتم من خلال مجموعة من المؤسسات وأهمها وزارة الداخلية الإسرائيلية، التي يتحكم بها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)”.

ويردف: “وتتمثل الوعود والمكافآت باتجاهين، الأول تحسين ظروف طالبي اللجوء المالية والمعيشية، والثاني بقوننة وجودهم في إسرائيل، إما بمنحهم هويات مؤقتة أو الجنسية”.

لا يرى شديد أن ثمة إشكالية في منح هؤلاء الجنسية الإسرائيلية لأنهم لا يشكلون مستقبلاً مشكلة ديمغرافية أو أمنية لإسرائيل، فعددهم قليل ولا يمكن أن يتحولوا إلى مركب من مركبات المجتمع الإسرائيلي، لا سيما أنهم ليسوا يهوداً أو مسلمين.

“وبالتالي، فإن اندماجهم لطرف من الأطراف هي مسألة صعبة التحقق”، يقول شديد، ويضيف: “سيظل هؤلاء في كانتونات أو جيوب خاصة بهم من دون مطالب سوى العمل والوجود الآمن في إسرائيل”.

ويتابع: “بطبيعة الحال، فإن الجهة التي تبتّ في أمر وجودهم الآمن وتصاريح عملهم، هو الشاباك”.

“وضمن المعايير السياسية والقانونية الإسرائيلية لمنح المواطنة أو الجنسية لطالبيها، هناك مادة قانونية يتم الاستناد إليها، وهي إمكانية تعرض حياتهم للخطر، كما الكثير من العملاء من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين حصلوا على الجنسية أو الهوية الإسرائيلية (لحمايتهم من قتل التنظيمات الفلسطينية لهم إن عادوا إلى الضفة أو غزة). وحين يشارك هؤلاء الأفارقة في الخدمة العسكرية في جبهات الجيش الحالية، ستعتبر حياتهم مهددة، وبالتالي يشكل هذا مدخلاً قانونياً لمنحهم الأوراق الثبوتية”، يؤكد شديد.

تجنيد المرتزقة منذ تأسيس الدولة

يشير الجنرال المتعاقد أليعازر إسحاق في دراسة بعنوان “المرتزقة في الجيش الإسرائيلي”، إلى الفوائد التي يقدمها المرتزقة للجيش في كثير من المستويات الأمنية والعسكرية، واستخدم الاحتلال الإسرائيلي المرتزقة في عام 1948 عندما قام عدد من اليهود الذي شاركوا في الحرب العالمية الثانية في جيوش دول الحلفاء بالقتال في العصابات الصهيونية مثل “البلماخ” و”الهاغاناة”.وقد بلغ عددهم في حينه نحو 494 مقاتلاً.

وكانت “البالماخ” أكثر العصابات التي تضم في صفوفها مرتزقة أجانب. وفي عام 1950، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون بتكريم هؤلاء عبر منح 84 منهم الجنسية الإسرائيلية تقديراً لجهودهم في الحرب.

ثم عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ ذلك الحين، بتخصيص ميزانية خاصة في الجيش للمرتزقة، بلغت عام 1996، في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حوالي 7 ملايين شيكل (1.9 مليون دولار).

وقد كشف تقرير للمركز الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، نشر في عام 2013، أن هناك المئات من المرتزقة الأوروبيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي شاركوا في قتل الفلسطينيين في الحرب التي شنت على قطاع غزة في عامي 2008 و2012.

وقال التقرير إن منظمات يهودية ومسيحية يمينية أوروبية تقوم بتنظيم هؤلاء المرتزقة للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، ومن بينها منظمة “رابطة الدفاع اليهودية الفرنسية”، ومنظمة “ماحال”، ومقرها في لندن، التي نجحت في تجنيد المرتزقة من حوالي 40 دولة في العالم.

جيش الرب بدل جيش الشعب

يقول عماد أبو عواد إن “إسرائيل تتحول الآن الى جيش الرب بدل جيش الشعب، ويعود ذلك لسببين، الأول أن المؤسسة الإسرائيلية العريقة التي تأسست منها الصهيونية الليبرالية العلمانية بدأت تفقد، شيئًا فشيئاً، سطوتها على مؤسسات الدولة، مقابل ذلك هنالك ارتفاع حاد في نسبة المنتمين إلى الصهيونية الدينية في الجيش، ونسبتهم في المجتمع الإسرائيلي حوالي 12%، ونسبتهم من ضباط الجيش حوالي 40%”.

ويضيف: “إن طبيعة وجودهم في المؤسسات الرسمية وتسلسلهم الهرمي، قد يوصلهم بعد سنوات إلى قيادة الجيش. وهذا بحد ذاته أمر بالغ الأهمية، ويعني أن المؤسسة الإسرائيلية التاريخية ستبدأ بالتفكير بطريقة مختلفة تعتمد، كما قال غيرشون هكوهين، على مبدأ “جيش الرب وليس جيش الشعب”.

يدور الحديث، بحسب عواد، حول أن “إسرائيل تعتمد بشكل دائم على شركات أمنية لتنفيذ مهام أمنية في الضفة الغربية. وقد ينسحب هذا على قطاع غزة أيضاً. ولعل هذا لا يدلل فقط على النقص العددي في الجيش، وإنما على نقص الرغبة في القتال وغياب الحافزية في المواجهة لدى الجيش النظامي أيضاً”.

ويختم عواد: “ربما هذا ما يدفع إسرائيل إلى اللجوء إلى حالة “الميليشيا”. هذا ما يحصل الآن لدى المستوطنين المنظمين في الضفة الغربية مثل “فتية التلال” وجماعات تدفيع الثمن. هذه ميليشيات مدعومة من الحكومة، لا سيّما من الأحزاب الصهيونية الدينية والعظمة اليهودية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى