أمريكا

8 معادلات أمريكية جديدة في الشرق الأوسط

الواضح أن الولايات المتحدة ترى في الحروب الحالية في الشرق الأوسط “فرصة” لاستعادة “مكانتها” التي تراجعت كثيرًا على جميع المستويات في العقدين الأخيرين

ظل “الخداع السياسي” القائم على الجمع بين الدعم الثابت والمطلق لإسرائيل من جانب، والدعوة أمام وسائل الإعلام لضبط النفس من جانب آخر، ظل “عنوانًا للإستراتيجية الأمريكية” في الشرق الأوسط، سواء قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أو بعده، لكن هذا كله تغير مع “النشوة السياسية” لواشنطن بعد قتل إسرائيل المئات في 17 سبتمبر (أيلول) من خلال تفجيرات البيجر واللاسلكي في لبنان، واغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وصولًا إلى الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على سوريا، واليمن، ولبنان، وغزة، والضفة الغربية، وباتت هناك أصوات في واشنطن تدعو البيت الأبيض إلى عدم تفويت فرصة -لم تُتح منذ 50 عامًا- لتقليم أظفار النظام الإيراني بحسب شبكة “سي إن إن”.

وشهد يوم الثلاثاء الماضي واقعة جديدة عندما رفض جيك سولفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الطلب إلى حكومة تل أبيب “بضبط النفس” بعد نحو ساعتين من الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، ومنذ هذا الهجوم بدأت الولايات المتحدة تتحدث عن “العواقب” التي يجب أن تلحق بإيران عقابًا على هجومها بـ200 صاروخ باليستي على إسرائيل، لكن الأغرب أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين بعد ذلك كانت تتحدث عن ضرورة “تنسيق” الرد الإسرائيلي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلًا من تبني البيت الأبيض خطابًا دبلوماسيًّا، أو الدعوة إلى وقف دائرة الهجوم، والهجوم المضاد.

راحت الإدارة الأمريكية تشجع إسرائيل -علنًا هذه المرة- على الرد والانتقام من إيران، وكان السقف -هذه المرة- هو فقط عدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية، رغم تأكيد كل وسائل الإعلام الأمريكية أن حقول النفط والغاز والمصالح الاقتصادية الحيوية، بل الشخصيات الإيرانية الكبيرة، يمكن أن تكون في مرمى “الهجوم الإسرائيلي” الجديد، وزاد على كل ذلك أن الرئيس الأمريكي تحدث علانية عن ضرب المنشآت النفطية الإيرانية، وهو ما أدى إلى رفع أسعار برميل النفط فورًا بنسبة 4%، وكل هذا يقول إننا أمام حسابات ومعادلات أمريكية جديدة؛ إذ ترى واشنطن أنها تستطيع -مع تل أبيب- أن تعيد “هندسة الشرق الأوسط” من جديد، بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية فقط من خلال “احتواء إيران” ومجموعات المقاومة في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وفلسطين، فما “المعادلات الجديدة” التي سوف تصبغ سياسة الولايات المتحدة في قابل الأيام؟ وإلى أي مدى تستطيع واشنطن فرض هذه المعادلة على مصالح القوى الإقليمية والدولية الأخرى في المنطقة؟

أولًا: إعادة ترميم “دبلوماسية القوة” الأمريكية

خلال السنوات الماضية تراجعت صورة “دبلوماسية القوة الأمريكية” في المنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم، وخير دليل على هذا التراجع عدم قدرة الولايات المتحدة على إقناع إسرائيل أو حماس بالموافقة على مقترحات وقف إطلاق النار منذ نهاية الهدنة بين إسرائيل وحماس في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتكرر الأمر نفسه عندما اضطرت الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقية مع الحكومة العراقية لإنهاء وجودها العسكري في بلاد الرافدين بنهاية عام 2026، لكن في الوقت الحالي ترى واشنطن أن ما تسميه “التفوق الإسرائيلي” المدعوم أمريكيًّا يمكن أن يعيد “قوة الدبلوماسية الأمريكية” من جديد بعد أن تصور بعضهم أن الطائرات المسيرة الصغيرة التي تمتلكها قوى المقاومة يمكن أن تنال من هيبة الولايات المتحدة وقوتها في البحر الأحمر على سبيل المثال؛ ومن ثم تراجع أو تآكل مفهوم “قوة الدبلوماسية” الأمريكية؛ ولهذا هناك من يقول في واشنطن إن الفرصة مواتية لاستعادة “قوة الدبلوماسية” الأمريكية التي “تآكلت” كثيرًا في العقدين الماضين، وإن ما يجري الآن من أحداث في الشرق الأوسط يصب في صالح الحضور والزخم، بل الضغط الأمريكي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل في المنطقة.

ثانيًا: الاستدارة إلى الشرق الأوسط

منذ عام 2010، ساد مبدأ “الاستدارة شرقًا”، الذي كان يقول إن الشرق الأوسط بات عبئًا كبيرًا على الولايات المتحدة الأمريكية. وبسبب تنامي القوة العسكرية والاقتصادية الصينية فإن الولايات المتحدة -منذ عهد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون- بدأت بنقل بعض الأصول العسكرية من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا وجنوب شرقها، لكن ما جرى في الأسبوعين الأخيرين رسم معادلة أمريكية جديدة من وجهة نظر واشنطن تقول إنها قادرة على تحقيق “كل المغانم” في الشرق الأوسط دون أي مغارم.

ثالثًا: محور التفاعلات السياسية

ترى واشنطن أن التحديات القائمة في الشرق الأوسط وفرت لها “فرصًا غير مسبوقة” لتكون واشنطن وحدها -وليس غيرها- هي “محور التفاعلات” السياسية والعسكرية والاستخبارية، من خلال دعمها غير المتناهي لإسرائيل، وتوصيل رسالة “لموسكو وبيجين” بأن إقليم الشرق الأوسط يدور حول واشنطن، التي أصبحت -من وجهة نظر البيت الأبيض- “مصنع القرارات” التي تؤثر في جميع مسارات الشرق الأوسط.

اقرأ أيضا.. كيف ترى كامالا هاريس ودونالد ترمب الولايات المتحدة؟

رابعًا: التسويق للأسلحة الأمريكية

القصة الخبرية التي تسيطر على لسان المسؤولين والإعلام الأمريكي منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تركز على مدى “دقة الأسلحة الأمريكية وقوتها”، من خلال تأكيد أن الذخيرة والطائرات المستخدمة في جميع الهجمات الإسرائيلية على لبنان واليمن وسوريا، التي يمكن أن تصل إلى كل مكان في الشرق الأوسط، هي “تصنيع أمريكي”، وليس تصنيعًا إسرائيليًّا، وهي بذلك تحاول رسم “صورة نمطية زاهية” عن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية. حتى بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، حاولت الولايات المتحدة عقد مقارنة بين “قوة التفجير” للصواريخ الإيرانية، و”قوة تفجير” الذخيرة الأمريكية، والقنابل التي تزن نحو ألف كيلوجرام، والتي استخدمتها إسرائيل لاغتيال حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية، لكن هذا الأمر يراه البعض تضليلًا؛ لأن كل من تستهدفهم إسرائيل، وخاصة في لبنان واليمن، لا يوجد لديهم دفاعات جوية قوية، وهو السبب وراء مرح طائرات مثل “أف 16” في الأجواء اللبنانية، لكن هذه الطائرات نفسها أُسقطت في أوكرانيا أكثر من مرة منذ تسلم كييف هذه الطائرات في بداية الصيف الماضي.

خامسًا: إعادة تموضع القوات الأمريكية

تنظر الولايات المتحدة إلى ما يجري من إعادة حسابات في الشرق الأوسط على أنه سوف يساعدها في “إعادة تموضع” نحو 42 ألف جندي أمريكي في إقليم الشرق الأوسط، بحيث تحافظ الولايات المتحدة على مصالحها، عن طريق “الهيبة والردع الأمريكي”، وليس عن طريق عدد الجنود والمعدات، وهذا يوفر لواشنطن استغلال الأصول العسكرية هذه في مناطق أخرى، سواء شرق أوروبا ضد روسيا، أو جنوب آسيا وجنوب شرقها ضد الصين، دون أن تتأثر مصالحها في الشرق الأوسط.

سادسًا: استخبارات “الرقم الصعب”

الاستخبارات هي “الرقم الصعب” في كل المعارك التي تدور بين إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما الغربيين من جانب، وإيران وأنصارها الإقليميين من جانب آخر، وخلال الأسابيع الماضية ركزت واشنطن على رسالة مفادها أن ما توفره الاستخبارات الأمريكية لحلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل، من معلومات، هو “كنز ثمين” لا يمكن لأي قوة أخرى في العالم أن توفره، فمعروف أن فرقة “دلتا الأمريكية” موجودة في إسرائيل، وهي التي تزود تل أبيب بكثير من المعلومات الدقيقة، ومن وجهة نظر المؤسسات الأمريكية فإن هذا يفيد الولايات المتحدة؛ لأنها تصبح “الوجهة الاستخبارية” التي يبحث عنها العالم، ويسهم في تعزيز شراكاتها الاستخبارية والمعلوماتية مع دول المنطقة، وباقي دول العالم، على غرار “نموذج العيون الخمس” الذي يضم مع الولايات المتحدة بريطانيا، وكندا، وأستراليا.

سابعًا: رسالة إلى الحلفاء

لا تخفي التصريحات والمواقف الأمريكية بعد سلسلة النجاحات الإسرائيلية الأخيرة “سعادة واشنطن” بما حققته إسرائيل، خاصة أن خصوم الولايات المتحدة وأصدقاءها يرجعون الفضل في كل النجاحات الإسرائيلية الى الدعم الأمريكي السياسي والعسكري والاستخباراتي، وأنه ما كان لإسرائيل أن تحقق كل هذا بدون الدعم الأمريكي المطلق وغير المشروط في تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي، والقضاء على جميع عناصر الصف الأول من قيادة حزب الله، فضلًا عن الدعم الأمريكي لكل هجمات إسرائيل على اليمن، ومشاركة واشنطن -على نحو مباشر- في التصدي للصواريخ الإيرانية، حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس عقدا اجتماعًا لمجلس الأمن القومي في أثناء إطلاق إيران الصواريخ على إسرائيل، وتحاول واشنطن استغلال هذه الحالة لتقول لحلفائها في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط إنها لا تزال “الشريك والحليف الموثوق به” بعد تراجع ثقة الحلفاء في الشراكة مع واشنطن في العقد الأخير، وتوجه كثير من الدول العربية وإيران إلى بناء علاقات إستراتيجية مع كل من روسيا والصين.

ثامنًا: هيمنة القطب الواحد

المعادلة الأهم التي تحاول واشنطن ترسيخها لمنافستيها الإستراتيجيتين “روسيا والصين” هي تأكيد هيمنتها الدولية، وقدرتها على المنافسة الإستراتيجية مع موسكو وبيجين، فهي تعتقد أن دعمها لإسرائيل، والهيمنة على الشرق الأوسط، يضمنان لها استمرار ما يسميه الرئيس بايدن “النظام القائم على القواعد”، الذي تأسس عام 1945 مع قيام إسرائيل في مايو (أيار) 1948، وهو النظام السياسي والاقتصادي الذي يحافظ للولايات المتحدة على بقائها على قمة هرم القيادة العالمية.

الواضح أن الولايات المتحدة ترى في الحروب الحالية في الشرق الأوسط “فرصة” لاستعادة “مكانتها” التي تراجعت كثيرًا على جميع المستويات في العقدين الأخيرين، لكن على الجانب الآخر، ينبغي للبيت الأبيض الانتظار بعض الوقت قبل أن يحكم على ما يجري في الشرق الأوسط، فلا يمكن التسليم بأن حليفة واشنطن “إسرائيل” حققت كل شيء، فقبل 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، كان الفشل الإستراتيجي هو العامل الوحيد والمؤكد لكل خطط واشنطن وتل أبيب وخطواتهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى