مر عام كامل من الحرب دون أن يخفف الاحتلال الإسرائيلي قيوده الاقتصادية المفروضة على سكان الضفة الغربية ومع تجميد 80 ألف تصريح عمل بات الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني أساسا من حصار طويل الأمد أمام خطر الانهيار التام للأوضاع، وهذا بالنظر إلى مستويات التضخم العالية ونسب البطالة المرتفعة، والجذير بالذكر أنه وبعد توقف العمالة و تصاريح العمل بشكل كامل ومع عدم وجود بديل لتلك التصاريح بسبب شح الفرص في مدن الضفة اتسعت رقعة الفقر، لتبتلع مئات الأسر الفلسطينية.
والاقتصاد في الضفة الغربية وإسرائيل مترابط بشكل وثيق، حيث تعتمد إسرائيل على اليد العاملة الفلسطينية، خاصة في قطاعي البناء والزراعة، وقبل اندلاع النزاع الجديد مع القطاع، كانت الأجور الإسرائيلية تشكل نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية، وساهم هؤلاء العمال بنحو 3.81 مليار دولار أميركي في الاقتصاد الفلسطيني في عام 2022، أي ثلثي ميزانية السلطة الفلسطينية وفق تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
لكن بعد الهجمات التي شنتها حماس في 7 أكتوبر، علقت إسرائيل دخول حوالي 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، واستعانت بعمال من الهند لتعويض النقص كما عمدت إلى إغلاق الطرق بينها وبين الضفة، وحظر وإلغاء تصاريح العمل، ورغم تأثير هذا القرار على حياة العمال، إلا أنه يكلف إسرائيل نفسها خسارة بـ3 مليارات شيكل، أي حوالي 840 مليون دولار شهريا.
وتسعى إسرائيل جاهدة إلى استبدال عمال المزارع الفلسطينيين بأجانب، بعد أن فقد القطاع الزراعي في البلاد أكثر من ثلث قوته العاملة الأجنبية منذ السابع من أكتوبر، وواجهت المزارع “أزمة قوى عاملة”، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية في نوفمبر الماضي أنها ستسمح لما يصل إلى 5000 عامل في الخارج بدخول البلاد من خلال خطة هجرة جديدة، إلا أن العمال الجدد القادمون واجهوا بعض الانتهاكات والمخاوف من الموت، جراء استمرار الحرب، وقُتل بعضهم جراء هجمات جماعة حزب الله اللبنانية، على الحدود الشمالية لإسرائيل، وأيضا بسبب افتقار العديد من المزارع إلى البنية التحتية الكافية لإيواء العمال، نظرا لأن العمال الفلسطينيين السابقين في المزارع كانوا يتنقلون ببساطة من الضفة الغربية أو غزة، إلا أن دولة الاحتلال قد أعلنت عن إبرام اتفاق منفصل لجلب 10,000 عامل سريلانكي إلى إسرائيل خلال الأشهر المقبلة، ووفق “فورين بوليسي”، فإن إسرائيل ستبقي على استقدام العمال الجدد إلى البلاد حتى عام 2029، مما يعني أنه، على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل، لن يعود عمال المزارع الفلسطينيون إلى وظائفهم حتى لو تم رفع الحظر المفروض على العمالة الفلسطينية.
إقرأ أيضا:عام من الحرب.. هل أخفقت الدعوة لأنسنة القضية الفلسطينية؟
وتواصل الضفة الغربية المحتلة مواجهة تدهور مستمر في الوضع المالي منذ اندلاع الحرب. فقد أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل عائدات الرسوم الجمركية التي تجمعها لصالحها، وارتفعت نسبة البطالة مع الاقتحامات الإسرائيلية اليومية للمدن والقرى الفلسطينية، وانكمش اقتصاد الضفة بنسبة 6 بالمئة خلال عام 2024، وفقد أكثر من 300 ألف مواطن وظيفته منذ بدء الحرب، وارتفع معدل البطالة من 12.9% إلى 32%، وأُغلقت المحلات التجارية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما تفاقمت الأزمة بتجميد تصاريح عمال الضفة الغربية، مما تركهم بلا دخل، لكن يبقي الأمل الوحيد في التهدئة والتسوية السياسية بأن ترفع إسرائيل يدها عن الاقتصاد الفلسطيني وتفتح أبواب الحياة للفلسطينيين مرة أخرى.