هل يصمد العراق أمام شعار “النفط مقابل السلام”
“النفط مقابل السلام” الذي تريد الفصائل المسلحة استخدامه ضد إسرائيل يزيد من حرج حكومة محمد شياع السوداني والقوى المعتدلة التي تريد أن تحافظ على موقف التوازن والنأي بالعراق عن الدخول في حرب مباشرة ليس مع إسرائيل فقط، بل مع أميركا التي تريد أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية في المنطقة عن طريق الهيمنة على مقدرات الاقتصاد العراقي
“الطوفان قادم إلى العراق، وعلى العراقيين أن يستعدوا لسيناريو مشابه للبنان”، بهذه الكلمات وصف أحد السياسيين الواقع العراقي الذي يُخيّم عليه الترقّب والانتظار لما ستؤول إليه الأحداث في لبنان. فالمشهد السياسي في البلدين واحد: وضع اقتصادي مربك، سيادة مخترقة، منظومة سياسية متناحرة، وفساد ينخر جسد الدولة.
عاجلًا أم آجلًا سيدخل العراق الحرب، خصوصًا إذا قررت إسرائيل استهداف محطات الطاقة في إيران. ويبدو أن خيار “النفط مقابل السلام”، الشعار الذي بدأت ترفعه فصائل “المقاومة العراقية” في ضرب المنشآت النفطية بمنطقة الشرق الأوسط، يقارن الفعل بما فعلته روسيا بملف الغاز خلال الحرب الأوكرانية، وإمكانية خسارة العالم 12 مليون برميل نفط يوميّا، حسب تدوينة أبوعلي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله.
في خضم هذه المعادلة يُثار سؤال حول إمكانية صمود الاقتصاد العراقي أمام تلك التحديات في ما لو نفّذت الفصائل المسلحة تهديدها بضرب الأهداف النفطية في المنطقة. وهل يستطيع هذا البلد المنهك أن يوفّر الطاقة الكهربائية لمواطنيه في الوقت الذي يعتمد فيه على الغاز الإيراني المستورد لمحطاته، وأن يؤمّن رواتب موظفيه لشهرين متتاليين وهو يعتمد على تصدير النفط وبيعه لتوفير السيولة النقدية في تمشية أحواله الاقتصادية؟
حرب الطاقة التي تهدد بها الفصائل العراقية أو تهديدات جماعة الحوثيين باستهداف مجموعة من الكابلات البحرية التي تنقل خدمات الاتصالات بين أوروبا وآسيا تجعلان من الصعب التنبؤ بالخطوة القادمة في ظل تسارع الأحداث في المنطقة، وإمكانية الرد الإسرائيلي على قصف إيران لتل أبيب بـ180 صاروخًا.
“النفط مقابل السلام” الذي تريد الفصائل المسلحة استخدامه ضد إسرائيل يزيد من حرج حكومة محمد شياع السوداني والقوى المعتدلة التي تريد أن تحافظ على موقف التوازن والنأي بالعراق عن الدخول في حرب مباشرة ليس مع إسرائيل فقط، بل مع أميركا التي تريد أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية في المنطقة عن طريق الهيمنة على مقدرات الاقتصاد العراقي عبر التحكم بكميات الدولار الأميركي الذي يدخل إلى خزائن الحكومة العراقية.
إقرأ أيضا : الملكية الوطنية للحلول في السودان : “من فش غبينته خرب مدينته”
بالمحصلة، فإن الموقف العراقي يعبّر عن انقسام المواقف في كيفية التعامل مع التصعيد في لبنان واستغلال بعض القوى المسلحة لتوجيه ضربات ضد المصالح الأميركية في العراق، كان آخرها القصف الذي طال قاعدة فيكتوريا في مطار بغداد الدولي، خصوصًا بعد أن أدركت تلك الفصائل أن الانسحاب الأميركي من العراق قد يكون مجرد مناورة سياسية أو تلاعبا بالألفاظ من انسحاب إلى إعادة تموضع.
وفي ظل هذا الجو الملبّد بغيوم الأحداث يتساءل المراقبون عن الدور السوري الشريك في محور المقاومة، وعن سبب ذلك الصمت واستقبال كل تلك الضربات الإسرائيلية وعدم الرد عليها أو الثأر منها. وهل بات النظام السوري يدرك حجم السيناريو وضرورة عدم الانجرار إلى اللعبة التي قد تكلفه ثمنًا باهظًا قد يطال نظامه السياسي؟
ما بين لبنان والعراق وحتى سوريا، يعيش المواطنون في ظروف اقتصادية صعبة تفرضها جماعات مسلحة مستعدة لأن تراهن على مصير شعوبها من أجل عيون الآخرين. وذلك هو الاستعداد للطوفان الذي يبشرنا به ذلك المسؤول العراقي.