من الطبيعي القول إن الحروب تشن لتحقيق أهداف ما، ولا تتوقف إلا حين تحقيق هذه الأهداف، وإن سألنا قيادة حماس هل تحققت أهدافها التي شنّت لأجلها هجوم السابع من أكتوبر، لانعقد لسانها ولم تجد الجواب الشافي الذي يقنع الجمهور أو على الأقل يخدّره كما كانت تفعل من قبل.
فالمسجد الأقصى اليوم هو في أصعب حالاته بسبب الإغلاق منذ “طوفان الأقصى”، وهو شبه فارغ من المصلين والمعتكفين في جنباته، وعمليات هدم البيوت مازالت مستمرة على مرأى من العالم أجمع، بل وجد الاحتلال ضالته في هجوم السابع من أكتوبر، ليسخن أكثر ويوغل أكثر من خلال إرهابه في القدس، عبر خنق الحياة اليومية للمواطن المقدسي وقطع رزقه، ناهيك عن الاعتقال لأتفه الأسباب أو حتى دون أسباب.
أمّا المستوطنات فهي تتكاثر يوما إثر يوم، وتمتد في الجسد الفلسطيني كالسرطان الخبيث، فهي لم تُقتلع بل لم تتوقف أساسا وعلى العكس من ذلك تماما فهي تتزايد أكثر وأكثر.
أما تبييض السجون ومعادلة الكل مقابل الكل، فأضحت من أحلام اليقظة، وذلك بسبب تراجع حماس عن هذا الشرط كما أكدت الكثير من وسائل الإعلام لضعف موقفها التفاوضي، ولو اعتبرنا أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال قبل السابع من أكتوبر كان حوالي 6500 أسير، فهذا العدد اليوم قد تضاعف لثلاثة أو أربعة أضعاف، والسؤال المطروح كم عدد الأسرى الذي بمقدور حماس تحريره من سجون الاحتلال لو قدّرنا أن عددهم بات يقارب 20 ألف أسير؟
وأمّا إنهاء الاحتلال والتخلص منه، فقد حدث النقيض تماما، وينطبق عليه المثل الشعبي السائد “جاء ليكحلها فعماها”، فقد امتد هذا الاحتلال الذي تعهدت حماس بكنسه، إلى قطاع غزّة، بعدما كان مقصورا على الضفة الغربية والقدس، ومن الواضح وحسب تصريحات قادة الاحتلال أنهم ماكثون في قطاع غزّة إلى ما شاء الله، أي إلى حين الوصول إلى حل نهائي وهذا أمر قد يستغرق سنوات.
أمّا الهجوم البري على قطاع غزّة، فحدث ولا حرج، فقد وصلت دبابات الاحتلال إلى رفح في جنوب القطاع، وقتلت ودمرت في طريقها كل ما ينبض بالحياة، ومن الملاحظ أيضا أن إطلاق الصواريخ قلّ بشكل ظاهر، حتى إطلالات أبوعبيدة قلّت أيضا على الشاشات.
نعم، لقد دفع الاحتلال خسائر بشرية ومادية ومعنوية، وقدم المقاومون تضحيات تسطّر في سفر البطولات الحربية على مدى الدهور، ولكن ميزان القوى مختل تماما وبشكل واضح جدا، فالقذائف البرية والبحرية وأف – 16 وأخواتها تغلب الشجاعة.
ولعل الأمر أسوأ من ذلك، لقد فقد الشعب الفلسطيني ثقته بحركة حماس بشكل جلي، مع الأخذ بالحسبان أن حكمها لقطاع غزة كان قسرا وفرديا وسببا رئيسا في الوضع الاقتصادي السيء. وإن عادت حماس لحكم القطاع وحدها بعد أن تضع الحرب أوزارها، ما الذي يمنعها من إعادة الكرة بعد خمس أو عشر سنوات، ويعود الناس حينها إلى النزوح والتشرد وأكل علف الحيوانات ولحوم الكلاب والقطط والحمير والخيل والموت جوعا وبردا وقهرا.
قد لا يعجب كلامي بعض ثوار الفيسبوك، ولكن لو قمنا بعملية استبيان آراء للشارع الفلسطيني والغزّي حصرا، فمن سيؤيد منهم السابع من أكتوبر ومن سيعارض منهم ذلك ومن المنتسبين لحماس حصرا؟ هذا هو بيت القصيد.
أمّا سياسيا، فقد ارتفعت أسهم القضية الفلسطينية ككل وانخفضت أسهم حماس بشكل مدو، فهي مكرهة اليوم على القبول بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية، التي ما فتئت حماس تهاجمها منذ نعومة أظفارها؛ تبقت هي الملاذ الوحيد والأخير، وهذا قد يشكل ضربة في الصميم لفكر وأدبيات حركة، اسمها حركة المقاومة الإسلامية، لا مكان لفلسطين باسمها.