حماس

عام على دمار غزة.. ماذا سيقول «السنوار»؟

فضّلت حماس نهج حركة الإخوان المسلمين المنبوذ عالميا على نهج منظمة التحرير الفلسطينية المتكئ على الشرعية الدولية، كما فضّلت السير في ركاب دول إقليمية تستخدم القضية الفلسطينية خدمة لمصالحها الخاصة.

من المتوقع أن يلقي قائد حركة حماس يحيى السنوار في قادم الأيام كلمةً بمناسبة مرور عام على عملية طوفان الأقصى والذي سيوافق يوم غد الاثنين، ذاك الطوفان الذي أغرق الشعب الفلسطيني، وقدم الذريعة المناسبة لإسرائيل كي تنهي وتنتهي من أيّ حركة مناوئة ومقاومة لها في المنطقة بدءا من حماس وحزب الله وانتهاءً بالفصائل العراقية وأنصارالله الحوثيين في اليمن وحتى ضرب إيران ذاتها.

من المؤكد أنها ستكون كلمة مسجّلة، سيخاطب فيها القائد أبوإبراهيم عناصر حركته والشعب الفلسطيني يحيي بطولات هذا الشعب الرازح في الخيام، ويقدم تعازيه لمحور المقاومة بالقادة الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرا، وكالعادة سيخص إيران بالشكر على ما قدمته من دعم لحركته وللمقاومة بشكل عام.

ومن المتوقع أن يؤكد كذلك على التزام حماس بالشرعية الدولية والقانون الدولي وسيتحدث عن الجرائم الإسرائيلية، على غرار رسالة حركته إلى أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة. كما سيتطرق للحديث عن المصالحة الفلسطينية ويؤكد تمسكه بها والعمل على تحقيقها.

تأتي هذه الكلمة في الوقت الذي خسرت فيه حركة حماس قائدا مهما كان يعتبر الذراع اليمنى للسنوار ألا وهو روحي المشتهى وعدد من قيادات الحركة تم استهدافهم في ما يسمى نفق القيادة.

خسرت حماس في هذه الحرب تقريبا كل شيء، خسرت عسكريا وسياسيا و اقتصاديا وشعبيا وهذه هي النقطة الأهم، لكنها كانت محصّنة داخليا ولهذا تفوّقت على إسرائيل استخباريا ولوجستيا، لو تمت مقارنتها بما حلّ بحزب الله وما خسره خلال شهر واحد، فبعد مرور عام كامل على الحرب، فإن عدد المرات التي تمكنت فيها إسرائيل من تحقيق اختراق استخباري وأمني حقيقي لا يكاد يذكر، ولعل أشهر هذا الاختراق، هو عملية تحرير الأسرى في مخيم النصيرات، تلك العملية التي ارتكبت فيها إسرائيل مجزرة راح ضحيتها أكثر من ثلاثمئة شهيد لتتمكن من تنفيذها بنجاح.

إن الوقائع على الأرض والأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ستجبر حركة حماس وأخواتها في المنطقة على القبول الفعلي بما لم يقبلوا به مسبقا، وبمعنى أوضح تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه عمليا وعلى أرض الواقع دون تهرّب أو مماطلة أو تسويف.

غني عن البيان أن الانهماك الإسرائيلي اليومي في عملية إبادة كل أشكال الحياة الفلسطينية وعناصرها ومظاهرها في قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس أدى إلى تقليص الفجوة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، حيث برزت رغبة واضحة في البحث عن الهوامش المشتركة بين الطرفين.

هذا التقارب النظري والتقرّب من قبل حماس نحو السلطة الوطنية، في حاجة إلى إثبات فعلي على أرض الواقع وترجمة بالأفعال لا بالأقوال. فهناك فرق بين أيّ دعوة سياسية وبين إمكانية تحقيقها، وبين الاتفاق المطروح وبين فرص فرضه على أرض الواقع كي يلمسه الشعب الفلسطيني وتحديدا في غزة.

حماس اليوم في ورطة تاريخية كونها تدفع ثمن خياراتها الخاطئة التي لم تؤثر عليها هي سلبا فقط، بل على كل القضية الفلسطينية ولذلك هي تتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة إزاء ما حدث وسيحدث في قادم الأيام المغمسة بالدم.

فضّلت حماس نهج حركة الإخوان المسلمين المنبوذ عالميا على نهج منظمة التحرير الفلسطينية المتكئ على الشرعية الدولية، كما فضّلت السير في ركاب دول إقليمية تستخدم القضية الفلسطينية خدمة لمصالحها الخاصة على الدول العربية الشقيقة التي تضع مصالحها في خدمة القضية الفلسطينية.

داخليا، زادت مظاهر تسلط حركة حماس على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وضاق الناس ذرعا بهذه السلوكيات والتصرفات المشينة وعلى الخصوص بمظاهر الفساد وغياب سلطة القانون.

اقرأ أيضا| عام على جرائم الاحتلال.. أرقام مفزعة

زادت فضائح عناصر التأمين التابعين لحركة حماس وهم مجموعة من عناصر الشرطة خاصتها، مع أن الغاية المعلنة من تشكيل هذه المجموعات “حماية وتأمين المساعدات من عمليات السرقة والنهب والسطو المسلح”. لكن وكما يقول المثل الشعبي الدارج “حاميها حراميها”، حيث أن مجموعات التأمين تتفق في ما بينها على سرقة المساعدات من الشاحنات. ويعلم جميع أهالي قطاع غزة تمام العلم أن الكم الأكبر من المساعدات يتم الاستيلاء عليه وبيعه لهم بأسعار عالية جداً. في ظل غياب تام لوزارة الداخلية والاقتصاد والمالية بل وتواطئها غالبا. يحدث هذا في ظل انعدام تام لرفض حركة حماس لما يحدث من سرقة ونهب ولو إعلاميا بالحد الأدنى.

أما وحشية حماس فلم تعد تحتمل، فقد اغتال عناصر من حماس بأكثر من تسعين رصاصة، مديرة مؤسسة شفاء فلسطين الناشطة إسلام حجازي. وعندما راجعت عائلتها الحركة بهذا الأمر أبلغوهم أن الحادث وقع نتيجة خطأ في تشخيص سيارة الجيب التي كانت تقودها ابنتهم وأن المقصود كان شخصا آخر، وهذا الجواب الغريب أوقع العائلة في صدمة أكبر مما دفعها لمطالبة الجهات الحكومية بسرعة إصدار بيان توضيحي لكل ما حدث.

وبالعودة إلى خطاب السنوار المتوقع، سيكون من المفيد التذكير بخطابه الأشهر الذي تحدث فيه عن استعداده للتضحية بكل الشعب الفلسطيني، وشبههم بأصحاب الأخدود، مقابل قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفعلا يتم اليوم التضحية بالشعب الفلسطيني، ولكن دون أن تكون النتيجة ما أراده السنوار.

وتأسيسا على ما سبق، ألقى السنوار كلمة أم لم يلقِ، فحركة حماس تمر اليوم بأصعب ظروفها الوجودية، بعدما غرقت وأغرقت الشعب الفلسطيني في مستنقع خياراتها الخاطئة وعنترياتها، وهي لا تفتقد الشجاعة والبسالة، وإنما تفتقد الحكمة والرأي السديد والحليف الموثوق.

وتوجه حماس نحو المصالحة الوطنية وقبولها بعودة سيادة السلطة الوطنية على المعابر سببه نبذ المجتمع الدولي لها وفقدها لأوراق قوتها وليس حبا بالوحدة الوطنية ولا إيمانا منها بضرورة إنهاء الانقسام، فالورقة الأخيرة التي تبقت بيدها هي الأسرى فقط، وبعد صفقة التبادل، ماذا سيتبقى بيدها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى