فتح وحماس بين جدلية المصالحة ولاءات نتنياهو
حماس تقول إن المفاوضات التي انطلقت في مدريد بعد انتهاء حرب الخليج الثانية إلى يومنا هذا لم تحقق شيئا على الأرض، لهذا اختلفت مع فتح ورئيسها محمود عباس في هذا الجانب، بينما يرى الرئيس محمود عباس أن عسكرة الانتفاضة لا تقود إلى حل يفضي إلى دولة فلسطينية.
حسب تصريحات أسامة حمدان، فإن لقاء مرتقبا بين الفصائل الفلسطينية سوف يلتئم في القاهرة في الأيام المقبلة، في مسعى لرأب الصدع بين حركة فتح وحماس، والبت في مسألة إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب. تبدو لافتة في هذا الإطار رسالة خالد مشعل: “حماس تنتصر في الحرب وستلعب دورا حاسما في مستقبل غزة، ولها اليد العليا. لقد ظلت صامدة وأدخلت الجيش الإسرائيلي في حالة من الاستنزاف”.
دعونا نكن واضحين، لا تبدو الأمور كما تتوقع الفصائل، وهو تسليم غزة للسلطة الوطنية سهلا في ظل تصلب بنيامين نتنياهو، علما أن هناك إجماعا أمميا على أن السلطة الوطنية هي من تقوم بهذا الدور. التشدد الإسرائيلي حاضر، بجانب رفض رئيس وزراء إسرائيل البت النهائي في اليوم التالي للحرب، يجعل أي اتفاق بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية يراوح مكانه.
ثمة رؤية فلسطينية عربية مشتركة لإدارة الحكم في غزة بعد الحرب بالتوافق مع حماس رغم تصريحات خالد مشعل، في الوقت الذي تعارض فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي دور لحماس في حكم قطاع غزة بعد الحرب. إضافة إلى ذلك، إسرائيل مصرة على البقاء في محور فيلادلفيا ونتساريم، وهذا بحد ذاته عقبة كؤود يصعب تجاوزها.
في اتصال سابق للوزير يوآف غالانت أكد فيه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إصرار الحكومة الإسرائيلية على تفكيك حكم حركة حماس ووجودها كسلطة عسكرية في إطار أي اتفاق لإنهاء الحرب في قطاع غزة. حسب هذا التصريح، لم يتطرق وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الحكم المدني، وإنما إلى إنهاء حماس عسكريا. العالم برمته يتوجه إلى تسليم السلطة الوطنية إدارة غزة بعد أن يسكن غبار الحرب، وأن تكون غزة منطقة آمنة، لا تهدد إسرائيل في المستقبل. هكذا يُفهم من التصريحات الإسرائيلية والأميركية وغيرها.
حماس في برنامجها السياسي المعدل وحسب الوثيقة المحسنة مع إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، وهو البرنامج الذي تنادي به السلطة الوطنية. إذن، هناك توحيد في الخطاب السياسي بين قطبي الرحى في الساحة الفلسطينية متعلق بالدولة الفلسطينية، لكن يعود الخلاف إلى الطريقة والنهج التفاوضي.
حماس تقول إن المفاوضات التي انطلقت في مدريد بعد انتهاء حرب الخليج الثانية إلى يومنا هذا لم تحقق شيئا على الأرض، لهذا اختلفت مع فتح ورئيسها محمود عباس في هذا الجانب، بينما يرى الرئيس محمود عباس أن عسكرة الانتفاضة لا تقود إلى حل يفضي إلى دولة فلسطينية. بين هاتين الرؤيتين يبقى الخلاف قائما. في المقابل، إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية معترفا بها على حدود السابع من يونيو – حزيران، فهي تماطل كثيرا وتراوغ والهدف هو إحكام سيطرتها على الضفة الغربية وتهويدها.
اقرأ أيضا| خطاب الرئيس عباس وتسوية الصراع عبر بوابة القانون الدولي
لقد جاء 7 أكتوبر حسب تصريحات حماس كرد فعل على ما يجري في المسجد الأقصى من التضييق على المصلين، وما يجري في السجون الإسرائيلية من تنكيل واضطهاد بحق الأسرى. فأصبحت القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر في وضع ضبابي، والمشهد ملتبس. هذا يقودنا إلى السؤال التالي: في ظل عدم تحديد ملامح اليوم التالي للحرب، ما هو مصير القضية الفلسطينية برمتها؟ نستطيع أن ندرك المغزى من خلال النظر في واقع برنامج يميني ديني متطرف في إسرائيل يجثم على صدورنا، ومن الطبيعي مع تنامي هذا التيار المتشدد، أن يعلنها مدوية بضم الضفة الغربية وتهويد القدس.
المعضلة هنا ليست في توحيد الأهداف بين الفصائل، فالكل الفلسطيني يجمع على دولة كاملة السيادة على حدود عام 67 كحل عادل للقضية الفلسطينية. في المقابل، يرى المتطرفون الدينيون في إسرائيل أن الضفة الغربية هي جزء من توراتهم المزيفة، وهذا يعني أن الأصوات المتطرفة في إسرائيل قتلت حلم الدولة الفلسطينية.
بقي أن نشير إلى أن الخروج من هذا المأزق يتطلب قرارات جريئة من رحم الولايات المتحدة والغرب ومؤسسات الأمم المتحدة، لوضع حل فوري للقضية الفلسطينية وتسويتها حسب قرارات الأمم المتحدة. لقد لاحظنا وشاهدنا ماذا جرى في الإقليم بعد السابع من أكتوبر، اشتعلت جبهة الشمال وجبهة اليمن. بدون تسوية القضية الفلسطينية سوف تبقى المنطقة على صفيح ساخن، فإسرائيل وضعت على رأس أهدافها القضاء على حماس في غزة، وعينها على الضفة الغربية، حيث تتزايد الدعوات إلى ضم الضفة، ما يعني القضاء على السلطة الفلسطينية. وهي تعول على فوز ترامب الذي سوف يحقق هدفها المنشود في ضم الضفة الغربية.
الخلاصة نحن بحاجة إلى رؤية وإستراتيجية شاملة للخروج من عنق الزجاجة وهذا ما تدركه الفصائل الفلسطينية جيدا، لأن المرحلة القادمة وفي حال عاد الديمقراطيون إلى حكم البيت الأبيض ستكون فيها القضية الفلسطينية في وضع حرج.. المزيد من قضم الأراضي، وتقزيم القضية، وهذا ما يريده نتنياهو.