نحو مقاربة جديدة للمقاومة الفلسطينية
جوهر المقاومة في الحقيقة هو نضال الشعب العربي برمته ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويمثل معارضة تاريخية وشعبية عميقة الجذور. وقد نشأت قبل فترة طويلة من قيام النظام الإيراني أو مشاركته في السياسة الإقليمية.
لقد كان مفهوم المقاومة الفلسطينية والعربية منذ فترة طويلة موضوعًا مهمًا في سياسات الشرق الأوسط، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي ونفوذه في المنطقة. ونظرًا إلى الانتكاسات التي تعرضت لها الحركات التحررية العربية، فقد نشأت المقاومة الإسلامية لسد الفراغ وكبديل للمقاومة الفلسطينية وظهيرها العربي.
وينظر البعض إلى هذه الحركة ابتداءً كمشروع إيراني، نظمته طهران لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة العربية. ويرى آخرون أن المقاومة على اختلاف تسمياتها متجذرة في التطلعات المحلية للشعوب العربية التي تسعى إلى التحرر من العدوان الإسرائيلي. وأصبحت شبكة معقدة من القوى الأيديولوجية والسياسية والتاريخية التي تشكل المنطقة.
لا يمكن استغفال الدور الذي لعبه نظام الولي الفقيه في إيران لتصدير ثورته إلى المنطقة العربية تحديدًا، والعالم الإسلامي عامة. وكانت محطته الأولى لتنفيذ هذا المشروع تبني حركات المقاومة في المنطقة العربية. وكثيرًا ما يُستشهد بتأسيس جماعات مثل حزب الله في لبنان في الثمانينات، والتي حظيت بدعم إيران لوجستيّا وعسكريّا وماليّا، كمثال واضح على تزايد النفوذ الإيراني من خلال حركات المقاومة. ثم وسّعت إيران دائرة نفوذها ليشمل ميليشيات موالية لها في العراق وسوريا واليمن، إضافة إلى حماس في غزة وغيرها من الفصائل.
وقد استخدمت طهران خطاب المقاومة الإسلامية ليس لمواجهة إسرائيل كما يبدو، بل لممارسة نفوذها على الحكومات والحركات العربية. وهو بمثابة جزء من إستراتيجية أوسع لوضع إيران كزعيم في العالم العربي والإسلامي.
وتسبب تشكيل محور المقاومة الإسلامية من الأذرع الإيرانية في المنطقة في توترات مع بعض الدول العربية، التي ترى في مشاريع طهران وسيلة لتوسيع هيمنتها الإقليمية تحت ستار دعم القضية الفلسطينية. وقد ساهمت هذه المنافسة الجيوسياسية في تشكيل تصور المقاومة الإسلامية باعتبارها مشروعًا إيرانيّا وليس حركات عربية حقيقية.
لكن جوهر المقاومة في الحقيقة هو نضال الشعب العربي برمته ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويمثل معارضة تاريخية وشعبية عميقة الجذور. وقد نشأت قبل فترة طويلة من قيام النظام الإيراني أو مشاركته في السياسة الإقليمية، وكانت المجتمعات العربية في مختلف أنحاء فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والعراق تقاوم الاحتلال الإسرائيلي والتوسع الإقليمي.
لقد استغلت إيران هذه الحقيقة لتركب موجة المقاومة الفلسطينية بهدف سحب البساط من بعدها القومي العربي إلى المسار الإسلامي لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة. واستطاعت من خلال الترغيب والتهديد والدعاية استقطاب الكثير من الأشخاص لهذا المشروع باعتباره البديل الفاعل لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا عدنا إلى الصراع العربي – الإسرائيلي، بدءًا من إنشاء إسرائيل عام 1948، سنجد أن قضية فلسطين كانت حاسمة بالنسبة إلى الشعوب العربية. ولم تظهر حركات المقاومة نتيجة التدخل الإيراني في المنطقة، ولكن بسبب المعارضة الشعبية للتصرفات الإسرائيلية، واحتلالها الأراضي العربية، والأعمال العسكرية الغاشمة. فمن منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات إلى أشكال المقاومة الأحدث في غزة والضفة الغربية، قاوم الشعب العربي ما اعتبره تهديدًا وجوديّا من إسرائيل.
اقرأ أيضا| حماس.. التورط والتوريط ولا مخرج
إن جذور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي متجذرة بعمق في تاريخ ونضالات الشعوب العربية. وإن الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي مضت عليه عقود من الزمن، تحركه المظالم المحلية والتطلعات الوطنية والرغبة في السيادة.
ونحن الآن بعد التدمير الممنهج لغزة والاعتداءات المستمرة في الضفة الغربية أصبحنا على أبواب مقاومة من نوعٍ جديد. ومن الواجب الخروج من مخطط التدجين واعتبار الفلسطينيين مجرد لاجئين بحاجة إلى مساعدات إنسانية أو التوطين في دول أخرى.
وفي ظل الانحسار الوطني والقومي في الوطن العربي، فإن المقاومة الفلسطينية مع حاضنتها العربية بحاجة إلى النهوض مجددًا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه في التوطين وقضم الأراضي، بعيدًا عن سياسات الولي الفقيه في طهران.
وعلى المقاومة الفلسطينية أن تعيد حساباتها وتعيد النظر في أفكارها وبرامجها بما يتناسب مع المرحلة الحالية الحرجة من نضال الشعب الفلسطيني إزاء القوة المفرطة للكيان الإسرائيلي. وسيكون لها دور مهم في المواجهة بعد سقوط وانفضاح شعار وحدة الساحات، والموقف الإيراني المتخاذل، مع محدودية المقاومة الإسلامية تحت ذريعة الالتزام بقواعد الاشتباك. ولو قامت حركات التحرر العالمية بالالتزام بقواعد الاشتباك مع أعدائها لما حققت أهدافها في الحرية والانعتاق على مر العصور.
نحن على أعتاب متغيرات جيوسياسية كبيرة، تتطلب التحرك الواسع، وإعادة فتح نقاش جاد وموضوعي حول مسألة المقاومة وإستراتيجيتها في ظل الظروف الإقليمية والدولية المعقدة. وأصبحت الحاجة ملحة لرؤية فلسطينية وطنية بعيدة عن التدخلات الإقليمية، والتحرر من النمطية وابتكار وسائل جديدة للصمود وتحشيد الرأي العام العالمي لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، الضمانة الوحيدة لأمن المنطقة واستقرارها.