إغتيال نصر الله بين مبالغة نتنياهو وأكاذيب إيران
إيران تخسر قوة الردع الإستراتيجي الوقائي الذي مارسته ضد إسرائيل من على الجبهة اللبنانية خدمة لمصالحها البعيدة المدى
انتهى الأسبوع الأول من التصعيد على لبنان بمقتل الرجل الأول في ميليشيا حزب الله، حسن نصرالله، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كفيلاً بتغيير موازين القوى في المنطقة. وليس من الغرابة أن يبالغ “بيبي” في تعليقه على الحدث، كون هذا “الصيد الثمين” يمنحه لبعض الوقت ما يرفع من أسهم شعبيته في الداخل الإسرائيلي ويساعده نوعًا ما في خفض الاحتقان الشعبي ضد حكومته، وما يغطي على جملة الإخفاقات مع دخول الحرب في غزة عامها الأول واستمرار أزمة الرهائن مع الفشل في القضاء فعليًا على حركة حماس. لكن المؤكد أن اغتيال نصرالله قد أحدث ارتباكًا كبيرًا على مستوى القيادة في حزب الله وهي على أعتاب اجتياح بري.
قائمة الاغتيالات الإسرائيلية مليئة بالأسماء الثقيلة، ومع ذلك لم تتمكن إستراتيجيتها من صنع الفارق في معادلة الصراع ما دامت أيديولوجيات الحركات التي تواجهها لا تتأثر بالتغيير الذي يطرأ على قيادتها. لذلك، فإن تصفية حسن نصرالله الذي أتى في الأصل خليفة لسلفه عباس الموسوي المغتال في غارة جوية، لا تعدو كونها محاولة لاستعراض القدرات الاستخباراتية والقدرات العالية في اختراق المنظومات التقليدية والمتطورة في الاتصال داخل الدائرة الداخلية للقيادات التي تواجهها. وهي بالتالي عمليات انتقامية محدودة لا تصل إلى مستوى الردع الحقيقي، بما أن الحركات التي تواجهها تنجح في استنساخ قيادة لا تحيد عن مبادئ القيادة التي جاءت خلفًا لها، وإن فعلت فإن مصيرها التصفية.
يطلق المرشد الإيراني علي خامنئي تهديدات بالثأر والرد على اغتيال حسن نصرالله، ومع ذلك لن يكون الرد بمستوى الصدمة التي تعرض لها حزب الله، وقد يكون ردًا باهتًا سرعان ما تتجاوزه الأحداث، تمامًا كما كان الحال مع عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية. والحقيقة أن محدودية الرد الإيراني لن تفاجئنا لأنه سيدرج بعد أيام قليلة في خانة “ضبط النفس”.
أن تستمر إسرائيل في نفس إستراتيجيتها خلال الأيام القادمة وأن تطيح بعدد آخر من الرؤوس فهذا أمر وارد بالنظر إلى المستوى الاستخباراتي أو اللوجيستي الذي كشفت عنه منذ عملية ترصد واستهداف أبرز قادة حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، أين كان يفترض أن تكون درجة الاحترازات الأمنية عالية المستوى. وأن تستمر في المزيد من الاختراقات داخل الدائرة الداخلية لقيادات حزب الله فهذا أمر غير مستبعد وقد يتكرر في أي لحظة. لكن أن تستمر إيران في بث خطابات الوعيد والتهديد عبر خامنئي من طهران ورسائل السلام والأمن من نيويورك عبر رئيسها مسعود بزشكيان، وبينما تترجم ردود الفعل الإيرانية العجز عن فعل أي شيء، يتحول هذا العجز إلى ضرر كبير يهدد نفوذها ويضعف قوتها في المنطقة. وقد تصاب بسهام الانتقادات والتشكيك من داخل أذرعها، ما يخلق حالة أشبه بالتمرد تنادي بمراجعة جدوى العلاقة مع مؤطر “وحدة الساحات” وحدودها بعد أن باتت محل شبهة ودون فائدة تذكر.
إقرأ أيضا :الصراع الإيراني الإسرائيلي المباشر.. إلى أين؟
تدعي إيران أنها تمارس سياسة ضبط النفس في محاولة منها لعدم الوقوع في فخ توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، والذي سيمكن نتنياهو من مواصلة حرب غزة دون خسارة الدعم غير المشروط من القوى الغربية. ومع ذلك، لا تتوانى عن تحريك ذراعها الصغيرة في اليمن تفاديًا للإحراج الكبير الذي يلاحقها منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وعن غياب دورها الذي كان يفترض به أن يكون أعلى نسقًا وأكثر فاعلية في مواجهة مصيرية قد تخرج قطاع غزة من معادلة محور المقاومة السائر في طريق القدس. لكن في حقيقة الأمر، تضع طهران حدودًا لتصرفاتها تمامًا كما فعلت في المواجهات السابقة بما يضمن أن تبقى حساباتها قائمة في ما يتعلق بملفها النووي، وبما يضمن أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة مع حلفاء إسرائيل وفي مقدمتهم أميركا.
بداية الحرب البرية في جنوب لبنان واحتمال نهايتها حسب ما يلبي أهداف إسرائيل الأمنية قد يعنيان الكثير؛ خسارة قوة الردع الإستراتيجي الوقائي الذي مارسته ضد إسرائيل من على الجبهة اللبنانية خدمة لمصالحها بعيدة المدى. أما لبنانيّا، فانحسار هيمنة حزب الله عن المشهد قد يفتح الباب لعهد جديد يسمى “عهد الخلاص” الذي قد يعيد إلى الدولة دورها لتعيد بناء ما دمرته الحسابات الإيرانية الضيقة.