هل يقرب اغتيال نصرالله إسرائيل من تحقيق النصر؟
ما لم يعترف الإسرائيليون بأن أفعالهم ساهمت في تأجيج بعض المظالم التي تغذي الدعم الفلسطيني والشيعي اللبناني للهجمات عليهم، وما لم يعترف العرب بحق إسرائيل في الوجود ويخففوا من حدة معارضتهم لذلك، فمن المحتمل أن تظهر موجات جديدة من المقاومة بين الشباب الذين عانوا من آثار العنف الأخير وسفك الدماء نتيجة له
لم يكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ينهي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الجمعة الماضي، الذي أكد فيه أن “إسرائيل تتطلع إلى تحقيق السلام”، حتى نفذت القوات الجوية الإسرائيلية غارة مدمرة استهدفت مبنى كان يوجد فيه زعيم “حزب الله” حسن نصرالله. وقد أعلن الحزب أمس السبت أن نصرالله لقي حتفه إلى جانب قادة آخرين للجماعة، جراء الغارة.
وعلى عكس المبالغات التي قام بها “الجيش الجمهوري الإيرلندي” Irish Republican Army (IRA) في إطلاق لقب “هيئة الأركان العامة” على نفسه قبل نحو أربعة عقود من الزمن في إيرلندا الشمالية، فإن الإقرار بقوات “حزب الله” باعتبارها جيشاً منظماً هو أمر أكثر منطقية، حتى في وقت يبدو فيه أن قيادته العسكرية تواجه اضطرابات كبيرة وتخضع لعمليات تصفية.
كثيراً ما شكل حسن نصرالله رمزاً للكراهية بالنسبة إلى الإسرائيليين، وغالباً ما كان يقارن بـ”هتلر العصر الحديث” القابع في مخبئه. حتى الأيام الأخيرة، كان الإسرائيليون يتجنبون استهدافه بصورة مباشرة، ربما بسبب مخاوف من أن يؤدي اغتياله إلى إطلاق موجة انتقامية واسعة النطاق يقودها قادة “حزب الله” المتبقون عبر هجمات استشهادية ضد إسرائيل.
القضاء على زعيم “حزب الله” يمثل ضربة كبيرة أخرى من جانب الجيش الإسرائيلي لهذا التنظيم، خصوصاً بعد الهجمات السابقة التي استهدفت أجهزة الاتصال مثل الـ”بيجر” والـ”ووكي توكي” في بداية هذه الأزمة المتصاعدة. لكن الأسئلة المطروحة الآن هي: هل سيؤدي مقتل نصرالله إلى تفكيك المقاومة، على غرار انهيار القوات الألمانية بعد وفاة هتلر، هل يتهاوى بسرعة جيش عندما يفقد قيادته؟ هل يؤدي ذلك إلى تفكك “حزب الله” أم إنه سيعود إلى أساليب حرب العصابات التي شكلت جذوره؟ إن غزواً برياً للجيش الإسرائيلي هو وحده القادر على كشف هذه الإجابات وتوضيح المسألة.
كثيراً ما لجأ بنيامين نتنياهو إلى تشبيه حركة “حماس” و”حزب الله” بالنازيين. لا بل إنه ذهب به الأمر في إحدى المناسبات المشينة إلى حد الزعم بأن المفتي الأكبر للقدس في حينه (الحاج أمين الحسيني) كان له تأثير في أدولف هتلر، وأقنعه بتنفيذ المحرقة ضد اليهود في أوروبا المحتلة، وكأن الزعيم النازي المعروف بمعاداته للسامية يحتاج إلى نصيحة في هذا المجال.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يكون محقاً في تأكيده على أن المتشددين الإسلاميين ينكرون على دولته الحق في الوجود، وفي أنهم سيتخذون من الإجراءات العسكرية التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ذريعة لـ”إنكارهم” شرعية إسرائيل ووجودها. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يكون محقاً أيضاً في ما يتعلق برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي حض الأمم المتحدة على طرد إسرائيل من عضويتها، الأمر الذي يجعل التزامه اتفاق السلام القائم على مبدأ “الدولتين” أمراً مثيراً للسخرية.
لكن المقارنة بين النازيين قبل نحو 80 عاماً وأعداء إسرائيل الإسلاميين المتشددين اليوم تتلاشى في ضوء الواقع القاسي، وهو أنه بعد استسلام ألمانيا النازية على أنقاض الرايخ الذي أسسه أدولف هتلر، اعترف معظم الألمان، حتى لو بصمت، بأن نظامهم السابق كان السبب في جلب الحرب والدمار على أنفسهم (وكذلك على الآخرين جميعاً).
وعلى نقيض ذلك، لا يقبل الفلسطينيون خصوصاً والعرب على وجه العموم بمن فيهم القادة السياسيون، كما انعكس ذلك في تصريحات محمود عباس في الأمم المتحدة المصالحة مع الإسرائيليين، لأنهم يرون أنفسهم ضحايا 75 عاماً من الاحتلال والتشريد.
لا يزال بإمكان الذين ينتقدون الاستخدام المفرط والعشوائي للقوة العسكرية، من خارج الصراع، أن يتفقوا مع بنيامين نتنياهو في إدانة الهجمات الإرهابية كتلك التي وقعت في السابع من أكتوبر الماضي. لكن الفلسطينيين يرون في ذلك انتقاماً لعقود من القمع الذي تعرضوا له.
إلا أنه كما هي الحال مع أي عملية انتقام، فإن رد الفعل هذا يفشل في التمييز بين المسؤولين المباشرين عن الهجوم الذين ألحقوا الأذى بالمعتدى عليهم، وآخرين لمجرد ارتباطهم بالمعتدين بطريقة ما، حتى لو لم يكونوا متورطين في ما حصل. وفي المقابل غالباً ما تردد وسائل إعلام مثل قناة “الجزيرة” وجهات نظر فلسطينية ولبنانية تصف الإسرائيليين في شمال البلاد، الذين يتعرضون لهجمات “حزب الله”، بـ”المستوطنين”، في محاولة لنزع الشرعية عنهم وكأنهم مماثلون للمستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية.
ما لم يعترف الإسرائيليون بأن أفعالهم أسهمت في تأجيج بعض المظالم التي تغذي الدعم الفلسطيني والشيعي اللبناني للهجمات عليهم، وما لم يعترف العرب بحق إسرائيل في الوجود ويخففوا من حدة معارضتهم لذلك، فمن المرجح أن تنشأ موجات جديدة من المقاومة في صفوف الشباب اليافعين الذين عانوا من آثار العنف الأخير ونزفوا الدماء نتيجة له.
لقد أثبتت إسرائيل باستمرار أنها تعرف كيف تتغلب على أعدائها، لكنها لم تظهر لهم بعد أنها تمتلك استراتيجية تقنعهم بقبول الهزيمة. وبمقدار ما يوحي خطاب الإسرائيليين بأنهم يعتقدون خلاف ذلك، فإن الوضع في السنة 2024 يختلف تماماً عن الوضع الذي كان قائماً في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.