بوادر اشتداد التنافس بين إمام أوغلو وياواش
ياواش لا يقف مكتوف الأيدي أمام هجمات إمام أوغلو، بل يتبنى استراتيجية مبنية على الصمت والصبر وانتظار الوقت المناسب للتحرك، كي يظل بعيدا عن الصراعات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري، قدر المستطاع، تجنبا من الظهور كمن يشق صف الحزب
يتابع الرأي العام التركي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، والتكهنات المتعلقة بمستقبل المنطقة، إلى جانب متابعته للتطورات المحلية والنقاشات الساخنة التي تجري في الساحة السياسية التركية، في ظل بوادر أزمة داخلية في صفوف حزب الشعب الجمهوري بدأت تخرج إلى العلن، من خلال تصريحات الأطراف المتنافسة على الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة كمرشح أكبر أحزاب المعارضة.
هناك ثلاثة مرشحين محتملين في حزب الشعب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، أولهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وثانيهم رئيس بلدية العاصمة أنقرة منصور ياواش، كما يحلم رئيس الحزب أوزغور أوزل بأن تفتح التطورات والظروف طريقا أمام ترشحه للانتخابات الرئاسية. وأما سلفه، كمال كليتشدار أوغلو، فيسعى إلى الحفاظ على ما تبقى من نفوذه في حزب الشعب الجمهوري ليلعب على الأقل دورا في ترجيح كفة أحد المتنافسين في مقابل مكاسب لأنصاره.
إمام أوغلو، منذ أن نجح في إسقاط كليتشدار أوغلو من رئاسة حزب الشعب الجمهوري بالتعاون مع أوزل، يبذل جهودا حثيثة لإحكام سيطرته على الحزب، وإبعاد معارضيه ومنافسيه عنه، ليضمن ترشحه للانتخابات الرئاسية. وللوصول إلى هذه الأهداف، يسعى إلى إظهار نفسه كـ”الرجل الأقوى في حزب الشعب الجمهوري”، من أجل جذب الحالمين بمناصب عليا في قيادة الحزب إلى جانبه، وإضعاف أوزل كي يطيح به إن حاول منعه من الترشح. ويمكن القول بأنه قطع شوطا كبيرا في هذا المسار.
وبالتوازي مع تعزيز قوته في حزب الشعب الجمهوري، يقدم إمام أوغلو خطوات للتقرب من العلويين لضمان أصواتهم وتحجيم نفوذ كليتشدار أوغلو في صفوفهم، مثل تصنيف بلدية إسطنبول “بيوت الجمع” التابعة للطائفة العلوية كدور العبادة مثل المساجد والكنائس والكنس اليهودية، لتستفيد من الخدمات التي تقدمها البلدية إلى دور العبادة.
المنافس الأقوى لإمام أوغلو في حزب الشعب الجمهوري، هو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش. ومن المؤكد أن إمام أوغلو يفضل كسب دعم ياواش لترشيحه للانتخابات الرئاسية، ويقدم إليه جزرة “منصب نائب رئيس الجمهورية” في حال فوزه في الانتخابات، إلا أن رئيس بلدية أنقرة يبدو عازما على خوض السباق الديمقراطي ليجرب حظه في التنافس، ويرى نفسه الأولى بالجلوس على كرسي رئيس الجمهورية.
إمام أوغلو يستخدم أساليب عديدة لإزالة ياواش من طريقه، إن لم يتم استيعابه وكسب دعمه لترشحه. وتتنوع تلك الأساليب من محاولة تهميش رئيس بلدية أنقرة إلى استفزازه وإثارة غضبه لدفعه إلى الاستقالة من حزب الشعب الجمهوري. وفي مؤتمر الحزب الأخير، ألقى إمام أوغلو كلمة شاملة تطرق فيها إلى قضايا مختلفة وكأنه هو رئيس حزب الشعب الجمهوري. وكانت الكلمة تم إعدادها قبل أيام من المؤتمر، لأنه كان يعرف أنه سيلقي كلمة فيه، بخلاف ياواش الذي لم يتم إخباره إلا في اللحظة الأخيرة كيلا يلقي كلمة قوية، الأمر الذي دفع ياواش إلى انتقاد عدم منحه فرصة كافية لإعداد كلمة على غرار كلمة إمام أوغلو.
رئيس بلدية أنقرة كان ينتمي إلى حزب الحركة القومية قبل انضمامه إلى حزب الشعب الجمهوري. ويبث فريق إمام أوغلو إشاعات حول استعداد ياواش للاستقالة من حزب الشعب الجمهوري للانضمام إلى الحزب الجيد كي يترشح للانتخابات الرئاسية كمرشح ذاك الحزب، وتهدف تلك الإشاعات إلى ضرب تعاطف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري مع رئيس بلدية أنقرة. ومن المؤكد أن تجربة ياواش السياسية كافية ليدرك أن بقاءه في حزب الشعب الجمهوري ضروري ليبقى في دائرة التنافس، وأن الانضمام إلى الحزب الجيد الذي تراجعت شعبيته إلى حوالي 3 في المائة يعني الانسحاب من السباق الديمقراطي، إن لم يكن انتحارا سياسيا.
إقرأ ايضا : عام على الطوفان.. لحماس ونتنياهو مصالح مشتركة
ياواش لا يقف مكتوف الأيدي أمام هجمات إمام أوغلو، بل يتبنى استراتيجية مبنية على الصمت والصبر وانتظار الوقت المناسب للتحرك، كي يظل بعيدا عن الصراعات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري، قدر المستطاع، تجنبا من الظهور كمن يشق صف الحزب، ولكن ذلك لا يمنعه من تسجيل أهداف في مرمى منافسه كلما تتسنى له فرصة. ويرى ياواش أن نقطة ضعف إمام أوغلو هي تحالفه مع الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني.
النائب يوكسال أرسلان أحد أقرب المقربين من رئيس بلدية أنقرة، وكان أرسلان مدير مكتب ياواش، ثم تم تعيينه رئيسا لنادٍ رياضي تابع لبلدية أنقرة، كما تم ترشيحه في الانتخابات البرلمانية ضمن قوائم الحزب الجيد، بناء على طلب ياواش، وفاز بمقعد في البرلمان، إلا أنه استقال من الحزب الجيد حين وصفت ميرال آكشنار رئيس بلدية أنقرة بــ”الجبان”، بسبب عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية الأخيرة. ونشر يوكسال قبل أيام تغريدة طويلة في حسابه بمنصة “إكس” انتقد فيها إمام أوغلو بشدة، دون أن يذكر اسمه، واتهمه بالتحالف مع الخونة والانفصاليين والتنظيمات الإرهابية والعواصم الغربية من أجل الوصول إلى أهدافه.
ياواش استنكر تلك التغريدة ليحافظ على سمعته، وقال إنه لا يؤيد مثل هذه الأساليب في السياسة، وطلب من يوكسال أن يمسحها، إلا أن الأخير لم يفعل، مكتفيا بالاستقالة من منصب رئيس النادي الرياضي التابع لبلدية أنقرة، وذكر أنه لا يريد أن يتسبب في استهداف ياواش. ويمكن القول بأنه يكاد يستحيل أن ينشر يوكسال تلك التغريدة دون علم ياواش وموافقته، وهو ما يشير إلى أن المعركة التي تدور بين إمام أوغلو وياواش للظفر بالترشح للانتخابات الرئاسية ستشتد في الأيام القادمة.