5 سيناريوهات تنتظر إسرائيل في لبنان
أكثر مظاهر الفشل في العدوان الإسرائيلي على لبنان هو عدم وجود أي أفق لعودة السكان الإسرائيليين إلى شمال فلسطين المحتلة، وهو ما يقول إن إسرائيل في طريقها إلى هزيمة إستراتيجية جديدة بعدم تحقيق أهدافها جنوب لبنان، على غرار فشلها في غزة!
السؤال الذي يطرحه الكثيرون بعد توسيع دائرة الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان: هل يمكن أن يتحول لبنان إلى “غزة أخرى”؟ وما السيناريوهات التي يمكن أن تكون في قابل الأيام بين الجيش الإسرائيلي من جانب، ونحو 50 ألف مقاتل من عناصر حزب الله من جانب أخر؟ وما مدى إمكانية وقوع الجيش الإسرائيلي في “فخ الحرب البرية” بالجنوب اللبناني المملوء بأنفاق تفوق في عمقها وتحصيناتها أنفاق قطاع غزة؟ وهل ما جرى منذ السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري من تفوق جوي، واستخباراتي، وسيبراني إسرائيلي، يقول إن المعركة حُسمت أم أن الأنباء التي تتحدث عن وصول نحو 40 ألف مقاتل من أفغانستان واليمن والعراق إلى الحدود اللبنانية مع الجولان السوري المحتل تقول إن “جراب المحاربين” على جبهتي الحدود اللبنانية الإسرائيلية ما زال فيه الكثير؟
الحقائق الخمس
التدقيق في الإستراتيجية العسكرية والسياسية والاستخباراتية الإسرائيلية تجاه لبنان وحزب الله تكشف 5 حقائق، هي:
أولًا: 18 عامًا من الاستعداد
المؤكد أنه على مدار 18 عامًا كاملة، ومنذ نهاية حرب “صيف 2006 “، كانت كل”الحسابات والمعادلات” الإسرائيلية تقوم على أن أقرب حرب سوف تأتي لها من “الجبهة الشمالية”، أي جبهة لبنان وحزب الله، وحتى سيناريو 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كان موجودًا في “العقل التكتيكي والإستراتيجي” الإسرائيلي، لكنه كان يتوقعه من حزب الله وجنوب لبنان، وليس من غزة وحركة حماس؛ لأن من يحلل شكل الأصول العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية وكثافتها في منطقة الجليل الأعلى، يتأكد له أن إسرائيل كانت تتوقع اجتياحًا من حزب الله للمستوطنات الإسرائيلية في الشمال، على غرار ما حدث لمستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليس هذا فقط؛ فخلال العقد الماضي قامت إسرائيل بنحو 5000 غارة جوية على أهداف في سوريا، ولبنان، والعراق، كان الهدف منها قطع “الشريان الحيوي” الذي يغذي مخازن حزب الله ومستودعاتها بالسلاح والذخيرة، وهذا يجيب عن السؤال الذي يقول: لماذا حققت إسرائيل نجاحًا كبيرًا في لبنان خلال أيام قليلة مقارنة بالفشل الكامل في قطاع غزة؟ بالتوازي مع ذلك، يقول الواقع أن إسرائيل فشلت حتى الآن في إنجاز “حرب سريعة وخاطفة” على لبنان، فرغم اختراقات أجهزة البيجر واللاسلكي، واغتيال عدد من قادة حزب الله، رغم كل ذلك، لم يرفع حزب الله “راية الاستسلام”، وما زال عناصر الحزب على “المسافة صفر” من الحدود الشمالية لإسرائيل؛ بمعنى أن مقاتلي حزب الله لم ينسحبوا من كل الأراضي جنوب نهر الليطاني بعمق من 18 كم حتى الحدود الإسرائيلية؛ بل على العكس، فإن “المنطقة العازلة” شمال إسرائيل، التي فرضها حزب الله منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على إسرائيل، بدأت هذه المنطقة تزداد وتتسع، وبدلًا من أن يعود نحو 100 ألف إسرائيلي إلى بيوتهم إذا أوقفت إسرائيل حربها على قطاع غزة، ها هم أكثر من 150 ألف إسرائيلي آخرين يعيشون في الملاجئ!
ثانيًا: أبعاد ومديات جديدة
تشهد الساعات الأخيرة تحول نوعي في طريقة رد حزب الله على الهجمات الإسرائيلية، فبعد هجمات إسرائيل عبر البيجر، واللاسلكي، والاغتيالات في الضاحية، حدث تحول في أداء حزب الله، الذي أخذ 3 مراحل حتى الآن، المرحلة الأولى كان يكتفي فيها باستخدام الكاتيوشا والطائرات المسيرة، ويستهدف فيها فقط الأهداف العسكرية في المناطق الحدودية، بعمق لا يزيد على 15 كم. وفي المرحلة الثانية بدأ باستخدام الصواريخ “المساحية”، مثل “فادي 1 و2 و3″، التي تعمل في شكل “قوس”، ويتم التعامل معها عبر صواريخ “تامير” بالقبة الحديدة الإسرائيلية، لكن استخدام “فادي 2 و3″، أضاف مساحات جديدة إلى “دائرة الاستهداف” في شمال إسرائيل، ووصلت هذه الصواريخ حتى حيفا، حيث توجد سفن الأسطول العسكري الإسرائيلي. وكان التحول الأكبر في المرحلة الثالثة؛ باستخدام صاروخ بالستيي “قادر 1″، الذي وصل إلى عمق العاصمة تل أبيب، وهو ما أجبر إسرائيل على استخدام منظومة “مقلاع داود” لإسقاطه.
ثالثًا: فشل ثلاثي
رغم الحديث الإسرائيلي بالقضاء على 50% من سلاح حزب الله، وتدمير قدرات الحزب التي ظل يبنيها طوال نحو عقدين من الزمان، تؤكد الوقائع على الأرض أن الهجمات الاسرائيلية الأولى دمرت بعض المخازن، لكن لا يمكن التسليم بالتصريحات الإسرائيلية، فكبرى الصحف الأمريكية نفسها شككت في التقديرات الإسرائيلية، ولعل حديث إسرائيل المتكرر منذ نحو 11 شهرًا عن القضاء على فصائل المقاومة في غزة خير شاهد على كذب تل أبيب واحتيالها، فالجميع يتذكر حديث إسرائيل في مايو (أيار) الماضي عن القضاء على حماس، وأن ما تبقى منها 4 كتائب فقط في رفح، وأنها ذاهبة للقضاء عليهم تمامًا، وفي النهاية تأكد أنها دعاية يستخدمها اليمين المتطرف للاستهلاك المحلي. وفي لبنان، فشلت إسرائيل في إحداث “خلل” في منظومة القيادة والسيطرة، مع أن الاغتيالات طالت قيادات من الصف الأول، ومن العيار الثقيل، في حزب الله، فإطلاق نحو 100 صاروخ في الرشقة الواحدة من لبنان على إسرائيل، ثم بعد ذلك إطلاق الصواريخ البالستية، يقول -بوضوح- إن حزب الله استعد لاحتمالية غياب عدد كبير من قادته، وأن كوادره من الجيل الثاني والثالث قادرون على إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بإسرائيل على غرار هزيمة عام 2006، فضلًا عن الفشل الإسرائيلي الواضح في ضرب العلاقة بين حزب الله وبيئته الحاضنة؛ فرغم تململ البعض فإن “الكتلة الصلبة” خلف الحزب لا تزال قوية ومستعدة لمزيد من التضحيات، خاصة أن هذه “البيئة الحاضنة” للحزب استمرت في هذا الاحتضان أكثر من 40 عامًا، رغم كل ما شهدته هذه العقود الأربعة من حروب واغتيالات، كما أن هناك حالة غير مسبوقة من “الالتفاف الوطني” يشهدها لبنان في الوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو دليل جديد على فشل إسرائيل في تفريق الشعب اللبناني.
رابعًا: استهداف كل اللبنانيين
تحليل خريطة الاستهدافات الإسرائيلية، خاصة خلال الساعات الماضية، يكشف أنها لا تستهدف حزب الله وبيئته الحاضنة فقط؛ فالغارات الإسرائيلية تستهدف مناطق بعيدة عن الضاحية الجنوبية، مثل منطقة الجبل وكسروان، ووصل الأمر إلى استهداف مناطق تقع في شمال بيروت بأكثر من 30 كم، كما أن تحليل أرقام الشهداء والجرحى يقول إن الأطفال والنساء يشكلون نسبة كبيرة منهم، وهو ما ينفي حرص الجيش الإسرائيلي -كما يدعي- على المدنيين، وأنه يستهدف الجميع، وليس حزب الله فقط.
خامسًا: عدم عودة السكان إلى الشمال
أكثر مظاهر الفشل في العدوان الإسرائيلي على لبنان هو عدم وجود أي أفق لعودة السكان الإسرائيليين إلى شمال فلسطين المحتلة، وهو ما يقول إن إسرائيل في طريقها إلى هزيمة إستراتيجية جديدة بعدم تحقيق أهدافها جنوب لبنان، على غرار فشلها في غزة!
5 سيناريوهات:
الأول: سيناريو حرب استنزاف طويلة
وهو أكثر السيناريوهات ترجيحًا في ظل “الحسابات الصفرية” للحكومة الإسرائيلية التي تطلب من حزب الله الانفصال عن جبهة غزة، والانسحاب من كل الأراضي اللبنانية جنوب نهر الليطاني، وإخلاء كل مناطق الجنوب والبقاع من السلاح والذخيرة، وهي شروط يستحيل على حزب الله القبول بها دون وقف إسرائيل لحربها على قطاع غزة، كما أن المخزون الضخم من الصواريخ والطائرات المسيرة يجعل حزب الله قادرًا على الحرب مدة أطول من الـ36 يومًا، التي كان الأمر عليها في حرب 2006، فطوال 36 يومًا من القتال عام 2006، أطلق حزب الله نحو 4600 صاروخ فقط، في حين أن كل التقديرات الغربية تقول إن لدى حزب الله صواريخ من مختلف المديات، يتراوح عددها ما بين 180 إلى 250 ألف صاروخ، وكلها معطيات تقول إن الطرفين أمام حرب استنزاف طويلة، يهدف من خلالها حزب الله استنزاف القدرات الإسرائيلية، فإسرائيل تحتاج إلى مليارات الدولارات لشراء مزيد من صواريخ المنظومات الدفاعية الثلاثية (القبة الحديدية- مقلاع داود- أرو)، كما أن ساعة طيران واحدة لكل طائرة من طرازات “إف 15 و16 و22 و35” تحتاج إلى نحو 45 ألف دولار، كما أن استدعاء إسرائيل مزيدًا من “ألوية الاحتياط” سوف يشكل عبئًا كبيرًا على الشركات وقطاع الإعمال الإسرائيلي، وهو ما يقول إننا أمام حرب استنزاف طويلة وفق هذا السيناريو. وفي تقديري، تصل نسبة هذا السيناريو إلى 40%.
الثاني: سيناريو الحرب البرية
وهو السيناريو الذي يتمناه حزب الله ويتحضر له منذ عام 2006، سواء بآلاف الصواريخ المضادة للدبابات، أو من خلال الأنفاق العملاقة والحصينة التي شاهد العالم أحدها عندما نشر حزب الله فيديو لأحد الأنفاق أطلق عليه “عماد 4″، لكن ربما ما لا تدركه إسرائيل أن لدى عناصر حزب الله “خبرة” في الحرب البرية أكثر من الجيش الإسرائيلي؛ لأن أطول حرب برية دخلها الجيش الإسرائيلي كانت في غزة، ولمدة عام واحد، في حين أن حزب الله تمرس في حروب برية سنوات طويلة في سوريا ضد كل أنواع الجماعات الإرهابية، وهو ما يجعل الجاهزية القتالية لعناصر حزب الله أعلى بكثير من عناصر وألوية الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، وتصل نسبة هذا السيناريو أيضًا إلى 40%.
الثالث: سيناريو “نصر دون اعتراف”
وهو سيناريو يتشابه مع ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة، فرغم الفشل الإستراتيجي الواضح للإسرائيليين قبل غيرهم، فإن اليمين المتطرف ما زال يروج لانتصارات من “بنات أفكاره” هو فقط، ويدعي أنه قضى على فصائل المقاومة، وكل يوم يبشر بأنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهداف الحرب، دون أن يحقق أي هدف، ويستطيع المتشددون في إسرائيل الترويج لأهمية الحرب على حزب الله وضرورة استمرارها أطول فترة ممكنة لإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، على غرار أن حربهم في قطاع غزة تهدف إلى استعادة الرهائن، ونسبة هذا السيناريو تصل إلى نحو 10%.
الرابع: الخيار الدبلوماسي والقرار 1701
وهو الخيار الذي يتمناه الجميع، من خلال وقف إسرائيل حربها على قطاع غزة، وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية المحتلة، ليكون المجال متاحًا لتطبيق القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن منذ عام 2006. ورغم المشاورات بشأن طرح صيغة توافقية بشأن هذا الحل الدبلوماسي، فإن التجربة مع التعنت الإسرائيلي في مفاوضات الهدنة في قطاع غزة تجعل منسوب التفاؤل بهذا السيناريو في حده الأدنى، ولا تزيد نسبة هذا السيناريو على 7%.
خامسًا: التخلي عن الأهداف
وهو أقل السيناريوهات التي يمكن أن تحدث، ويقوم على أن الضغوط الداخلية على طرفي الحرب، والخوف من توسع القتال إلى كل الإقليم، قد تدفع أيًّا من طرفي الحرب إلى التسليم، والتخلي عن أهدافه المعلنة، بما يسمح بوقف الحرب لصالح طرف من الطرفين. ونسبة هذا السيناريو لا يمكن أن تتجاوز 3%.
مركز الدراسات العربية الأوراسية