انتخاباتنا المحلّيّة…
عيب أن نتمرجل على بعضنا بعضًا، في الوقت الّذي نعاني كلّنا من سلب حقوقنا بطريقة متعمدة وبتصريحات مسؤولين على منصّة الكنيست، إضافة إلى التحريض الدمويّ ضدّنا في وسائل الإعلام بدون رادع.
تجري هذه الانتخابات، رغم مطالب بتأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتهاء الحرب، وبعد رفض الاستئنافات، تقام في ظلّ الحرب والمشاهد المأساويّة في قطاع غزّة بشكل خاصّ، إضافة إلى الضفّة الغربيّة ومنطقة الحدود الشماليّة، ولهذا ليس من السهل على الناس الخروج إلى صناديق الاقتراع.
تجري هذه الانتخابات في ظلّ ما يجري لشعبنا من جرائم بحقّ الإنسانيّة، وفي ظلّ تهديدات أقطاب في حكومة إسرائيل بمعاقبتنا لكوننا عربًا وفلسطينيّين، ابتداء من الحرمان من الميزانيّات والمضايقات على مختلف ألوانها، وحتّى التهديد والوعيد بسحب الجنسيّة لأتفه الأسباب، ومحاكمة مئات الشبّان لمجرّد تعبيرهم عن مشاعرهم تجاه أبناء شعبهم المظلوم.
لهذا ولغيرها من أسباب، نحتاج إلى وحدتنا أكثر من أيّ وقت مضى، فهي أغلى ما نملك، وهذا يعني احترامنا بعضًا لبعض، واحترام الخيارات في التصويت، وقبول نتائج الانتخابات.
من العار أن نتشاجر ونؤذي بعضنا بعضًا بالأجساد والأنفس والممتلكات، بسبب رئاسة بلديّة أو مجلس بلديّ، وليس من حقّ أحد استعمال العنف أو التهديد به لثني أحد ما عن رأيه، أو لتخويف أحد بسبب خيار انتخابيّ.
فلتكن هذه الانتخابات مناسبة لإثبات قدرتنا على احترام التعدّديّة.
فلنبتعد عن التجريح الشخصيّ، ولنتذكّر أنّ التجريح الشخصيّ ليس حرّيّة تعبير، وخصوصًا أنّ منصّات التواصل الاجتماعيّ متاحة للجميع، ولهذا يجب عزل مثيري الفتن، وعدم التعامل معهم، وخصوصًا أصحاب الحسابات المجهولة.
واجب الفائزين احترام مشاعر من لم يحالفهم الحظّ، وتقع مسؤوليّة على من لم يحالفهم الحظّ بأن يعترفوا، وأن يهنّئوا الفائزين.
لقد أظهرت الحرب الجارية الآن مدى الوحشيّة الّتي يمكن للنظام في إسرائيل أن يصلها وأن يمارسها، وهو يستغلّ الخلافات والثغرات ليذكّيها ويبحث عن ضعفاء نفوس لتأجيج الخلافات وتعميقها.
فليكن أساس خياراتنا مبنيًّا على القناعة الداخليّة بهذا المرشّح أو ذاك، وأن تكون مصلحة الجمهور عمومًا هي بوصلتنا لاختيار من يستحقّ هذا المكان ليخدم الجمهور بأمانة، ومن غير تعصّبات على مختلف صورها.
كلّنا في نهاية المطاف جزء من شعب تهدّده العنصريّة في كلّ مجالات الحياة، ولا توجد حصانة لأحد، سواء في الميزانيّات أو المرافق العامّة، وفي الطرق الّتي باتت معضلة في معظم القرى بلداتنا العربيّة، وكلّما نرى الفرق بين بلدة عربيّة وأخرى يهوديّة.
تتحمّل إداراتنا جزءًا من المسؤوليّة، وإن كان النصيب الأكبر من مشاكلنا أساسه السلطة، فهي الّتي حوّلت قرانا ومدننا إلى مشاريع مخيّمات؛ بسبب سياسات منهجيّة نعرفها جميعًا، ولكن نتحمّل مسؤولية في الفوضى في التوظيفات والتعيينات من منطلقات حساب الأصوات وشراء الذمم. نتحمّل المسؤوليّة عندما نرى الفساد، ونتظاهر بأنّنا لا نعرف، بل وفي أحيان كثيرة نعتبر الفساد أمرًا مفروغًا منه ولا غنى عنه، حتّى صار الفساد وشراء الذمم ظاهرة اجتماعيّة مقلقة وغير منصفة.
لقد جرت انتخابات محلّيّة كثيرة منذ عقود، بعضها كان نموذجًا للسلّم البلديّ، وتقبل النتائج بروح رياضيّة، ومن غير استفزازات من الطرفين، ولبعضها كانت نتائج سلبيّة انتهت بالطوشات، وتطوّرت إلى عداوات ما زالت آثار بعضها السلبيّة مستمرّة، وتعكّر العلاقات بين أبناء البلد الواحد، الّذين تربطهم علاقات جيرة ونسب ووحدة معاناة.
لم يربح أحد من الشغب، ومن يسعى لإثارته متعمّدًا إنّما يسهم في تخريب المجتمع.
كلّ بلد وقع فيها شغب بسبب الانتخابات خسر فيها الجميع، ولنتذكّر أنّ صراعنا الأساسيّ هو مع سلطة مركزيّة تتوعّد بخفض الميزانيّات ورفض جسر الهوّة بين ميزانيّات العرب واليهود، وتعاملنا كمواطنين من الدرجة الثانية أو أقلّ.
التطرّف يتفاقم أكثر وأكثر، وسوف يتعاظم بعد الحرب، ولهذا فإنّ وحدتنا هي واجب وضرورة، وممنوع فتح الطريق للسلطة العنصريّة بأن ترقص على مآسينا وخلافاتنا الداخليّة، وأن نمنحها ذرائع جديدة لعنصريّتها في التعامل مع جرائم العنف والأزمات.
عيب أن نتمرجل على بعضنا بعضًا، في الوقت الّذي نعاني كلّنا من سلب حقوقنا بطريقة متعمدة وبتصريحات مسؤولين على منصّة الكنيست، إضافة إلى التحريض الدمويّ ضدّنا في وسائل الإعلام بدون رادع.
فلنرتقي إلى مستوى المسؤوليّة، ولنثبت أنّنا قادرون على إدارة شؤوننا الداخليّة بمسؤوليّة، ومن غير قلاقل وعنف، بل بصورة حضاريّة وبمسؤوليّة تليق بنا وبشعبنا.