أمريكا

واشنطن.. لماذا تفشل في العالم العربي؟

منذ إدارات الرئيسين نيكسون وفورد قبل نصف قرن من الزمان، كان صانعو السياسات الأميركيون يصابون بالارتباك بسبب «المفاجآت» المضطربة التي لم يكن من المفترض أن تكون مفاجآت.

قبل أسبوع واحد من هجوم «حماس» في 7 أكتوبر على إسرائيل، نُقل عن مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن قوله: «الحرب في اليمن في شهرها التاسع عشر من الهدنة، وقد توقفت الهجمات الإيرانية ضد القوات الأميركية

في الوقت الحالي، ووجودنا في العراق مستقر، وأؤكد أن هذا هو الوضع الآن لأن كل ذلك يمكن أن يتغير.
منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءاً اليوم مما كانت عليه خلال عقدين. لا تزال هناك تحديات الآن… ولكن مقدار الوقت الذي يجب أن أمضيه في الانخراط في الأزمة والصراع في الشرق الأوسط قل بشكل كبير اليوم، مقارنة بما كان عليه خلال أسلافي، خلال فترات تعود إلى 11 سبتمبر».

وبعد مرور أربعة أشهر ونصف الشهر، تشن إسرائيل حرباً جماعية مدمرة ضد الفلسطينيين في غزة، ويشارك الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في عنف واسع النطاق، وغالباً لا يمكن السيطرة عليه في الضفة الغربية، وتنخرط ميليشيا «حزب الله» وإسرائيل في لبنان في قصف منخفض الكثافة، ولكنه مميت ويمكن رؤيته عبر الحدود، وتتحدى الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا القوات الأميركية في المنطقة، أما حركة «الحوثيين» في اليمن، وهي حليف آخر لإيران، فقد أحدثت حالة من الفوضى، من خلال مهاجمة السفن في البحر الأحمر. وغني عن القول، إن البيت الأبيض قد تحوّل من إهماله العالم العربي إلى جعله مصدر قلق طوال الوقت- قلق لم يتوقعه مسؤولو البيت الأبيض، ولم يعدوا له العدة.

منذ نهاية حرب فيتنام، على الرغم من بذل قصارى جهدهم، كان لكل رئيس أميركي مسار لفترة وجوده في منصبه، يشكله الصراع والأخطاء المتكررة في العالم العربي، خلال نصف القرن الماضي، أرسلت الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة، وأنفقت المزيد من المال، وألزمت المزيد من القوات، وفقدت المزيد من الأرواح، وأهدرت المزيد من رأس المال السياسي في العالم العربي أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك، فقد كانت تفشل مراراً وتكراراً.

إلى جانب الحروب وفقدان الأرواح والأموال والهيبة والثقة، فإننا لا نعترف أبداً بهذه الإخفاقات، أو نحن، ببساطة، غافلون عنها. والمرشحون الذين يتنافسون في الرئاسة لا يناقشون سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بجدية. ولم يسبق لهم تصحيح النهج الذي نسلكه تجاه المنطقة، ونادراً ما تدعوهم وسائل الإعلام إلى مراعاة السياسات غير الملائمة. نحن مستمرون في الفشل، ونمثّل أننا مندهشون أو غافلون عن إخفاقاتنا – لثلاثة أسباب مهمة.

أولاً، لا نعرف المنطقة وشعوبها. يرى الكثير من صانعي السياسات لدينا الشرق الأوسط من خلال عدسة إسرائيل، بدلاً من العالم العربي. كما أننا نفشل في إدراك المكانة المحورية لفلسطين بالنسبة للشعب العربي. فمنذ عام 1948، كانت فلسطين ومصير الفلسطينيين «الجرح في القلب العربي الذي لم يشف أبداً». ومراراً وتكراراً، يعلن صانعو السياسة، إما أن القضية ميتة، أو أنهم يبذلون جهوداً لتهميشها، فقط ليصابوا بالذهول عندما اندلع العنف في فلسطين ويعيد تأكيد مركزيتها في الوعي العربي.

ثانياً، نرفض الاعتراف بعواقب حدودنا التي فرضناها بأنفسنا على كيفية تعاملنا مع الشرق الأوسط. بسبب الاعتبارات السياسية المحلية، فإن الاهتمام بإسرائيل هو حجر الزاوية في الكثير من قرارات السياسة الأميركية. نحن لا نتحدى أو نعاقب إسرائيل بسبب سلوكها السيئ، ولضمان حمايتها، فإننا نصر على السيطرة على عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية، ونرفض مشاركة الشركاء الآخرين في صنع القرار. أخيراً، لم ندرك التأثير الكارثي لسياساتنا الفاشلة على الثقة اللازمة لمتابعة دور القيادة الذي نصر عليه، حيث نسعى إلى تشكيل مستقبل المنطقة.

منذ إدارات الرئيسين نيكسون وفورد قبل نصف قرن من الزمان، كان صانعو السياسات الأميركيون يصابون بالارتباك بسبب «المفاجآت» المضطربة التي لم يكن من المفترض أن تكون مفاجآت (على سبيل المثال، حرب،1973، الحرب وحظر النفط، وغزو إسرائيل للبنان في عام 1982، ونشأة حزب الله، والانتفاضة الفلسطينية، وغزو صدام حسين للكويت، وهجمات 11 سبتمبر، والمقاومة العراقية لغزونا، وجرأة إيران، والربيع العربي). لم نفهم الديناميكيات التي تتكشف في جميع أنحاء المنطقة، أو ما كان العرب يفكرون فيه في حياتهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم في المستقبل.

وقد شكلت هذه الأحداث المهمة رئاسة أولئك الذين حاولوا إدارتها. لقد فشلت إدارة بايدن في توقع هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر، والرد الإسرائيلي المبالغ فيه، والاستجابة العاطفية العميقة في العالم العربي، والتي لم تكن استثنائية. لقد مررنا بهذه المواقف عدة مرات، ولا يزال يقودها صانعو السياسة الذين فشلوا في الماضي، ولم يتعلموا، ويبدو أنهم مصممون على الفشل مرة أخرى.

جيمس زغبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى