دولة الإحتلال

نتنياهو ولعبة الابـتزاز

صحيح أن حزب الليكود قد اقترب من مرحلة الشيخوخة، وما بعد نتنياهو سيكون أقرب إلى التفكك، لكن التاريخ يشهد أن حماس ونتنياهو عند كل أزمة كان أحدهما ينقذ الآخر، مع مفارقة كبيرة، أن السنوار دمر غزة، بينما نتنياهو استغل اللعبة جيداً خلال سنوات حكمه المتقطعة

تنياهو هو حزب الليكود وحزب الليكود هو نتنياهو، معادلة معقدة، فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول مدة في هذا المنصب الذي تكررت ولايته عليه عدة مرات، لم يجلس في بيته بعد كل خسارة، وحاملاً معه أزمات العقود الماضية، ويرى أن لديه مهمة أساسية تتمثل بمنع قيام دولة فلسطينية. وهي المهمة التي بقيت تجعل اليمين الإسرائيلي بأطيافه يقف إلى جانبه في أزماته كلها، وهو في النهاية المراوغ الذي ينتقل من أزمة إلى أزمة، دون أن ينظر للخلف، مع إصرار كبير للذهاب نحو أزمة جديدة، ولو لم تكن هناك نافذة للحلول، وهو أيضاً على نقيض القيادات الإسرائيلية التاريخية، التي كانت تذهب إلى الحرب مع حساب زمني للخروج منها، غير أن نتنياهو حالة تبدو اليوم مختلفة، فهو يرسل كل من حوله للحرب دون خطة زمنية للخلاص منها، ولا ينسى بالطبع أن يلتقط الصور التذكارية التي تظهره وسط الجنود.

كان دائماً يريد أن يرتدي ثياب شارون الذي يعتبره الجمهور الإسرائيلي آخر الزعماء التاريخيين، والذي بدوره، أي شارون عندما أراد إدارة لعبته السياسية تخلى عن حزب الليكود وأسس حزب “كاديما” قبل الذهاب نحو خطة الانفصال سنة 2005 إذ لم يكن بمقدور شارون إقناع اليمين آنذاك بخطته التي تقتضي الانسحاب من محور نتساريم. بينما على نقيضه يمسك نتنياهو بالليكود ويحتضن اليمين المتطرف وتحتضنه كافة القوى اليمينية، في مهمة هي تعطيل قيام الدولة الفلسطينية، سواء من خلال جدل المفاوضات العقيم، أو من خلال عامل الزمن والذي لا يحدث فيه أي تغيير يذكر في الملف الفلسطيني.

ثم كانت ذروة التعطيل في مسألة الانقسام الفلسطيني، وهي النعمة التي رآها نتنياهو سقطت على رأسه فأدار ظهره للسلطة الفلسطينية، وغازل حماس، حتى أوشكت حماس أن تقتنع أن هناك توجهاً دولياً لاستيعابها في المنطقة كحركة إسلامية لامتصاص الشارع الإسلامي، وازداد هذا الوهم في عقول حماس عندما جاءت دولة طالبان، ولعل صورة الوهم تجلت ما بعد السابع من أكتوبر بيوم واحد عندما قال موسى أبو مرزوق إن إسرائيل لا تستطيع خوض معركة برية مع حماس، مؤكداً أن إسرائيل لن تفعل ذلك.

بالتالي هنا الإشكالية الثانية في العقل الحمساوي الذي أنجز في عقله الباطني مخيلة سياسية شبيهة بالمخيلة الحزبية في حركة حماس، والتي ظلت تقوم طوال العقود الماضية على افتراضات لا تصلح في عالم السياسة أبدا.

نتنياهو ذهب إلى الحرب في غزة معلناً العودة برأس كليب، بينما احتضنت حماس خطاب البطولات الوهمية، ثم مع الأسابيع الأولى بدأت حماس تتجه نحو البحث عن مزيد من الوقت لكي تحصل على متغيرات جديدة تدخلها في مفاوضات جديدة لإيقاف الحرب كما كان يحدث في الحروب السابقة. وفيما تذهب نحو خطاب شعبوي بهدف تصدير الأزمة الداخلية، كان نتنياهو في الجانب الأول يستفيد من بطولات حماس الوهمية ليقدم نفسه كضحية أمام العالم وخصوصاً أمريكا، والتي كان رئيسها بايدن قد رفض استقبال نتنياهو قبل الحرب بسبب تصدع الشارع الإسرائيلي على إثر التظاهرات التي اجتاحت إسرائيل بسبب التعديلات القضائية التي اقترحتها حكومة نتنياهو والتي عملياً توقفت في السابع من أكتوبر، وبالتالي ما حدث أنه بعد 12 يوماً من الحرب فقط كان بايدن هو بنفسه في زيارة لإسرائيل، وهي واحدة من مفارقات أوهام حماس، ثم الأكثر من ذلك، عندما يذهب نتنياهو إلى منطق الابتزاز للإدارة الأمريكية، وليحصد مكاسب سياسية ومساعدات عسكرية هائلة لم يكن ليحصل عليه قبل الحرب، ثم ستكتشف الإدارة الامريكية أن حرب نتنياهو مع إضافة حرب حزب الله الإعلامية آنذاك قد استنزفت مخزون الذخائر الذي كان موجها إلى أوكرانيا، ما يعني أن نتنياهو لم يذهب إلى غزة فقط، بل فتح الطريق للروس ليفشلوا هجوم الربيع الاوكراني المعاكس، لكي يعيد ابتزاز إدارة بايدن، وربما يكون هذا التوجه، هو الذي أضعف من صورة نتنياهو في مختلف الدول الأوروبية التي رفضت استمرار الحرب على طريقة نتنياهو.

ومع بروز الدور الإيراني من الحوثي إلى حزب الله، واتضاح الدور الإيراني في المسألة الأوكرانية، كان نتنياهو يسعى للحصول على المزيد من الإدارة الأمريكية، فهو على المستوى العسكري حصل على كل ما يريد من الأمريكان، وهو على المستوى السياسي لديه حاضنة لدى بايدن، لكنه على المستوى الشخصي خاطب الأمريكان في الكونغرس على شاكلة مخاطبة الزعماء الأمريكيين لشعبهم وهذا ما لم يفعله رئيس وزراء إسرائيلي سابق.

إقرأ أيضا : قبل من يحكم غزة..من سيعمر غزة..؟

ما الذي يريده نتنياهو بعد، خصوصاً خلال الفترة القريبة المتبقية للانتخابات الأمريكية، فهو لا يريد الخلاص من غزة، بل ويريد الذهاب شمالاً نحو حرب مفتوحة بلا أفق، ولو اختلف مع الجيش ولو اختلف مع رؤساء البلديات في شمال إسرائيل، فمن هو الذي سيقنع نتنياهو بالتوقف عن الحرب، إذا كان الشارع الداخلي لم يستطع تغيير هذه المعادلة.

صحيح أن حزب الليكود قد اقترب من مرحلة الشيخوخة، وما بعد نتنياهو سيكون أقرب إلى التفكك، لكن التاريخ يشهد أن حماس ونتنياهو عند كل أزمة كان أحدهما ينقذ الآخر، مع مفارقة كبيرة، أن السنوار دمر غزة، بينما نتنياهو استغل اللعبة جيداً خلال سنوات حكمه المتقطعة، وراح ينتقل اليوم من مرحلة هضم الضفة، إلى مرحلة البناء في محور نيتساريم في غزة، حيث سيبني …. المستوطنات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى