“البقاء في محوري فيلادلفيا ونيتسريم يعني مواصلة الاحتلال”
هليفي وغالانت يدركان مدى التكلفة الباهظة لبقاء الجيش الإسرائيليّ في قطاع غزّة، والّتي عبّر عنها الأخير عندما قال إنّها ستفضي إلى تمديد الخدمة العسكريّة الإلزاميّة إلى أربع سنوات، ناهيك عمّا تعنيه من دخول جيشهما في حرب استنزاف يوميّة قد تحوّل جنوده إلى "أسراب بطّ في حقل رماية" كما يقولون بالعبريّة.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” لفت المحامي الإسرائيليّ المعروف يوئيل زينغر إلى أنّ الاحتفاظ بسيطرة إسرائيليّة في قطاع غزّة في اليوم التالي للحرب، حتّى لو اقتصرت على محور “فيلادلفيا” و”محور نيتسريم” فقط تعني قانونيًّا بقاء قطاع غزّة بكامل مساحته تحت الاحتلال الإسرائيليّ، وذلك لأنّ الامتحان القانونيّ لاعتبار الأرض محتلّة يرتبط بسؤال واحد وهو وجود سيطرة فاعلة لجيش أجنبيّ (الإسرائيليّ في حالة غزّة) على الأرض.
ويأتي مقال زينغر وهو حقوقيّ معروف سبق أن شغل منصب رئيس القسم الدوليّ في النيابة العامّة والمستشار القضائيّ لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّ، وأنجز الصياغة القانونيّة لاتّفاقيّات أوسلو، يأتي في ظلّ الجدل الإسرائيليّ الّذي يثيره إصرار نتنياهو على التمسّك بإبقاء السيطرة الإسرائيليّة في محوري فيلادلفيا و”نيتسريم” والتوجيه الأخير الّذي أصدره للجيش الإسرائيليّ بتولّي توزيع المساعدات الإنسانيّة، وتزامن ذلك مع تعيين ما وصف بأنّه “حاكم عسكريّ” لغزّة تحت مسمّى “رئيس الجهود المدنيّة الإنسانيّة”، وهو منصب مواز لمنصب رئيس الإدارة المدنيّة التابع للاحتلال في الضفّة الغربيّة.
خطوات نتنياهو الّتي تترافق مع إيقاع دعوات اليمين الاستيطانيّ لعودة الاستيطان إلى “غوش قطيف” وشمال غزّة، و”خطّة الجنرالات” الّتي يقودها الجنرال احتياط غيورا آيلند الساعية إلى إخلاء شمال قطاع غزّة من سكّانه وتحويله بالمجمل إلى منطقة عازلة، وهي خطوات محطّ نقاش بين المؤسّستين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، حيث يتّسق موقف وزير الأمن يوآف غالانت الّذي صرّح في وقت مبكّر أنّه لا يريد إقامة حكم عسكريّ في قطاع غزّة، مع موقف قائد أركان الجيش هيرتسي هليفي الّذي لا يعتبر الاحتفاظ بمحوري “نيتسريم” و”فيلادلفيا” ذخرًا استراتيجيًّا، كما يدّعي نتنياهو.
هليفي وغالانت يدركان مدى التكلفة الباهظة لبقاء الجيش الإسرائيليّ في قطاع غزّة، والّتي عبّر عنها الأخير عندما قال إنّها ستفضي إلى تمديد الخدمة العسكريّة الإلزاميّة إلى أربع سنوات، ناهيك عمّا تعنيه من دخول جيشهما في حرب استنزاف يوميّة قد تحوّل جنوده إلى “أسراب بطّ في حقل رماية” كما يقولون بالعبريّة.
إقرأ أيضا : تزايد الإعتقالات بسبب ” التصريحات التحريضية ” في الضفة
وعودة إلى مقال زينغر قراءته زينغر لنصوص القانون الدوليّ المتعلّقة بالاحتلال، حيث يورد أنّه ليس بالضرورة أن يوجد الجيش المحتلّ في كلّ مكان من الأرض المحتلّة كي تعتبر كذلك، بل يكفي أن يسيطر جيشه على بعض المواقع الاستراتيجيّة في هذه الأرض أو حولها، ويمنع بذلك من أيّ قوّة عسكريّة أخرى من السيطرة عليها، منوّهًا أنّه في اللحظة الّتي تعتبر منطقة ما أرضًا محتلّة تسري عليها معاهدة جنيف الرابعة المتعلّقة بحماية المدنيّين خلال الحرب من عام 1949، والّتي بمركزها يتحمّل المحتلّ مسؤوليّة إعادة النظام العامّ إلى سابق عهده والاهتمام بالحاجات الإنسانيّة للسكّان المدنيّين في المنطقة المحتلّة.
وفي هذا السياق يشير زينغر إلى مثالين من سجلّ إسرائيل ذاتها، الأوّل احتلال الأراضي الفلسطينيّة عام 67، والّذي ورغم إنكارها أنّه احتلال تسري عليه نصوص اتّفاقيّة جنيف الرابعة؛ بسبب ادّعائها السيادة على هذه الأراضي، فإنّها تعهّدت أمام المجتمع الدوليّ السلوك بها وفق التعاليم الإنسانيّة للاتّفاقيّة (إقامة حكم عسكريّ)، والمثال الثاني، هو الاحتلال الإسرائيليّ لجنوب لبنان عام 1982، والّذي دام لمدّة 18 سنة لم تقم خلالها إسرائيل حكمًا عسكريًّا للاهتمام بحاجات السكّان المدنيّة، إلّا أنّها سمحت للحكومة اللبنانيّة بمواصلة تقديم هذه الخدمات لسكّان المنطقة المحتلّة دون عائق.
زينعر الّذي يطرق موضوع بقاء الجيش الإسرائيليّ أو انسحابه من محوري “فيلادلفيا” و”نيتسريم” من باب آخر، هو باب القانون الدوليّ وما يفرضه من مسؤوليّات وواجبات على القوّة القائمة بالاحتلال، يضع أمام إسرائيل التكلفة الباهظة للاحتفاظ بالسيطرة على هذه المحاور بما تعنيه من بقاء احتلال قطاع غزّة بكلّ ما يترتّب على ذلك من مسؤوليّات تجاه السكّان المدنيّين للمنطقة المحتلّة، إن كان ذلك بشكل مباشر عبر إقامة حكم عسكريّ، أو من خلال إيجاد بديل يعمل تحت رعايتها، وهو يضيف بذلك ادّعاء قويًّا آخر لجملة الادّعاءات الّتي يسوقها مناهضو نتنياهو الّذين يرفضون التمسّك بمحوري “فيلادلفيا” و”نيتسريم” بثمن حياة الأسرى المحتجزين في غزّة.
تعليق واحد