ثلاثة أمور غابت عن الورقة التي قدّمتها حركة حماس شارحة فيها ظروف عملية طوفان الأقصى التي حصلت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) تحت عنوان “لماذا طوفان الأقصى؟”:
1- توحيد الساحة الوطنية الفلسطينية ورؤيتها لإعادة إنتاج السلطة الفلسطينية القادرة على استيعاب الجميع، وحمل هموم وطموح الشعب الفلسطيني الذي لا يبدو متاحاً خارج مظلّة منظمة التحرير الفلسطينية لأسباب داخلية وخارجية لا مجال لحصرها الآن.
2- ترميم العلاقات الفلسطينية العربية والخروج من لعبة المحاور والأجندات غير العربية وتكريس استقلالية القرار الوطني الفلسطيني العروبي.
3- خطة “اليوم التالي” ما بعد العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة إن على صعيد إعادة إعمار غزّة، وقبل كلّ ذلك خطة إيواء لسكّان غزّة بانتظار إعادة الإعمار.
دويلة غزّة
لقد بدت ورقة حماس “لماذا طوفان الأقصى؟” أسيرة لما قبل السابع من أكتوبر وكأنّها ورقة “دويلة غزّة” التي كانت تسيطر عليها حماس وحكومتها.
هي محاكاة واضحة لما قبل السابع من أكتوبر، وتحديداً للوضع الذي كان قائماً في غزّة من سيطرة حمساوية على كلّ مفاصل القطاع سياسياً وإدارياً وأمنيّاً. هو مشروع محاولة من قيادة حماس في الداخل والخارج للقفز فوق الطوفان وتداعياته. فيما المنطق والعقل يقولان إنّ ما بعد الطوفان ليس كما قبله، ليس للفلسطينيين وحسب، بل لكلّ العالم وإسرائيل والعالمين العربي والغربي.
تمكّنت حماس في عملية 7 أكتوبر ثمّ عبر الضربات الموجعة التي وجّهتها للجيش الإسرائيلي خلال توغّلاته في القطاع من إلحاق الهزيمة العسكرية بهذا الجيش. بعيداً عن المزايدات والتحليلات، إلا أنّ النصر السياسي يختلف عن إلحاق الهزيمة العسكرية، وهذا ما يجب أن تدركه حماس. هي قادرة على هزيمة الجيش الإسرائيلي وتشويه صورته، إلا أنّها قاصرة عن الانتصار السياسي بمفردها. لا قدرة على تحقيق الانتصار السياسي دون الشعب الفلسطيني ودون الوحدة الوطنية والخطاب الموحّد للفلسطينيين.
اليوم التالي
في وثيقة حماس “لماذا طوفان الأقصى؟” وتحت عنوان “ما هو المطلوب؟” وضعت حماس ثمانية مطالب أنهت بها الوثيقة تحدّثت فيها عن وقف العدوان وإدخال المساعدات، ومعاقبة الاحتلال أمام القضاء الدولي. إلا أنّ اللافت هو ما جاء في البند الخامس الذي يقول: “رفض أيّ مشاريع دولية وإسرائيلية تسعى إلى تحديد مستقبل قطاع غزّة، بما يتناسب مع معايير الاحتلال وبما يكرّس استمراره…..”.
هذه الكلمات الواردة في البند الخامس من فقرة “ما هو المطلوب؟” تثير القلق الكبير. لا يمكن لمعركة حملت اسم الأقصى أن تنحصر مطالبها بحرّية تقرير مستقبل قطاع غزّة. فما كانت القضية يوماً اسمها غزّة بل كانت دوماً وأبداً تُدعى “فلسطين”.
بعض الأخبار المتواترة من داخل غزّة تثير القلق الكبير ممّا جرى من لقاء بين حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية، ورفض حماس لتكريس الوحدة الوطنية واللقاء مع حركة فتح تحت مظلّة منظمة التحرير. مسارات كهذه إن لم تستطع إسرائيل الانتصار العسكري فيها فستمكّنها حتماً من الانتصار السياسي لتضيع تضحيات عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
قريباً أو بعيداً سيأتي اليوم الذي سيحتفل فيه الفلسطينيون بانتصار غزّة على المحتلّ. سيخرج الفلسطينيون في ذاك اليوم شيوخاً ورجالاً ونساء وأطفالاً فوق ركام منازلهم وجامعاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم لرفع شارة النصر مهلّلين فرحين أنّ العدوّ الإسرائيلي لم يستطع القضاء عليهم وعلى تمسّكهم بأرضهم وقضيّتهم. لكن يبقى السؤال: ماذا عن “اليوم التالي”؟ هل نعود إلى ترميم الأنفاق وإعادة تجهيزها لمعركة مقبلة بعد خمسة أو عشرة أو عشرين عاماً؟ هل نُبقي مستشفى الشفاء مدمّراً رمزاً للعدوان كما هي الحال في القرى الحدودية في دول الصمود والتصدّي؟ هل نُبقي حيّ الرمال من دون عماراته لنضع لافتة “هذا ما فعلته إسرائيل”؟ هل نُعيّن وائل الدحدوح سفيراً في قطر، فعائلته استشهدت بأكملها فلا حاجة إلى عودته إلى غزّة أو إلى مخيّم جنين؟ أم نذهب جميعاً موحّدين لإعادة بناء غزّة ومعها إعادة بناء الموقف الفلسطيني الموحّد القادر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات الدولية الآتية مهما يكابر الإسرائيليون، موقف فلسطيني موحّد يصون ويحمي دماء عشرات الآلاف الذين قضوا في الطوفان وتداعياته، وحينها يحقّ رفع شارة النصر للجميع.
في آخر الكلام رواية حماس “لماذا طوفان الأقصى؟” وضعت الحركة صورة على غلافه دبّابة إسرائيلية محترقة وفوقها رجل فلسطيني يحمل بيده علم فلسطين، وليس علم حماس، وهذا أمر أصابت به تلك الوثيقة في التعبير.