لم تتحرك المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل خطوة للأمام، بل يتعقد المشهد كل يوم، بعد التعنت الواضح من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو «ذو الوجهين»، الذي يتبنى موقفًا خبيثًا، يُظهر موافقته على المفاوضات من ناحية، ومن جهة أخرى يواصل جيشه قتل المدنيين، ويعطل التقدم في المفاوضات، لرغبته في استمرار الحرب، لتنفيذ المخطط الإسرائيلي بالسيطرة على قطاع غزة ومناطق عدة من الأراضي الفلسطينية.
بعض المؤشرات قد تشير إلى تدخل الهند في الوساطة بين حماس وإسرائيل، خاصة بعد قيام مبعوث فلسطيني بدعم الهند للتوسط بين الطرفين، لمحاولة وقف إطلاق النار، وإيجاد حل للمشهد المعقد في فلسطين بوجه عام وقطاع غزة على وجه الخصوص.
وإذا عدنا إلى موقف الهند من العدوان على غزة، سنجد أن السياسة الهندية اعتمدت على توثيق الصلات مع دولة الاحتلال على كافة المستويات، والاحتفاظ بعلاقات شكلية ومحدودة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وجعلت مدخلها إلى القضية الفلسطينية عبر بوابة منظمة التحرير الفلسطينية. فلم تحذُ الهند حذو روسيا والصين اللتين أقامتا علاقات مع حركة حماس، واستضافتا وفودًا فلسطينية تحت عنوان المصالحة، بل هناك خلط متعمد في الصحافة الهندية بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب، مع أن الهند لم تصنف أي من الحركات الفلسطينية كمنظمات إرهابية.
لا شك أن وقف إطلاق النار وفق شروط ومعايير ترضاها إسرائيل، وترى الهند أنه قد ينجم عنها التخلص من «الصداع الفلسطيني»، سوف ينسجم مع سياسة الحكومة الهندية الحالية، ولا يبدو أن لديها أي مانع من الوصول إلى أي حل تُقره الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وبذلك يمكن للهند أن تتابع شراكتها مع إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.
أما ما يتصل بإمكانية أن تحذو الهند حذو كل من روسيا والصين بإقامة علاقات معلنة مع حركات المقاومة الفلسطينية، فلا يبدو سهل التحقق، لأن الهند جعلت مدخلها إلى العالم العربي عن طريق الدول العربية التي تقف موقفًا سلبيًا من حركات المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الهند قد لا تريد إغضاب الأمريكيين.
على مدى عقود من الزمن، كانت الهند من بين أقوى الدول الداعمة والمدافعة عن القضية الفلسطينية، وحتى بعد أن أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1992، ونمت العلاقات الأمنية والاقتصادية الثنائية بينهما، واصلت نيودلهي التعبير عن دعمها للقضية الفلسطينية، لكن حدث تحول نوعي ولافت في موقف الهند تجاه القضية، منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة بعد عملية «طوفان الأقصى»، التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، فقد كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أوائل زعماء العالم الذين أدانوا بشدة الهجوم على إسرائيل، ووصفه بأنه عمل إرهابي، إذ تعتبر الهند العدوان الإسرائيلي على غزة بمثابة عملية لمكافحة الإرهاب في تبني واضح لسردية إسرائيل بشأن الصراع.
وجاء هذا الموقف في سياق متغيرات هندية تتعلق بالدرجة الأولى بصعود القومية الهندوسية في الهند، لاسيما منذ تولي رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي للسلطة في عام 2014، وتماهيها الأيديولوجي مع الصهيونية الدينية في إسرائيل، وهو ما عزز التقارب بين البلدين على نحو لافت خلال العقد الماضي، على الأقل، بيد أن هذا الموقف الهندي من حرب غزة ينطوي علي مخاطر وتهديدات داخلية تتعلق باحتمال نشوب اضطرابات دينية في الهند، لاسيما بين المسلمين والهندوس، فضلا عن تضرر سمعة الهند في الجنوب العالمي، وتعقد استراتيجيتها وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط.
يمكن أن يمثل الهند بمظهر نزيه ومستقل في السعي إلى حل منصف ودائم من خلال الاحتفاظ بمبادئها في عدم التحيز والدبلوماسية، يمكن للهند التعبير عن عزمها لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل سلمي مستدام. وسيكون تبني الهند لموقف متوازن وحساس في الصراع «الإسرائيلي-الفلسطيني» دليلاً على التزامها بمبادئ نهرو للسلام والعدالة.
وإذا نظرنا إلى موقف الهند من إسرائيل، سنجد أن الهند زودت إسرائيل بطائرات «هيرميس 900» المسيرة والمصنعة في مدينة حيدر آباد، وفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي كشفت عن أن إسرائيل أنشأت مصنعاً في المدينة لتصنيع المسيرات لصالح الجيش الهندي، ثم حولت 20 طائرة منه للجيش الإسرائيلي الذي واجه نقصاً في هذا النوع خلال الحرب في غزة ولبنان.
اقرأ أيضا| حرب غزة.. وسياسة واشنطن لتبريد الأزمة
أنشئ المصنع كشراكة بين شركة «ألبيت» الإسرائيلية للصناعات الدفاعية وتحالف شركات يقوده الملياردير الهندي غوتام أداني، ليكون أول مصنع في العالم يصنع هذه المسيرات خارج إسرائيل. وهناك تقارير أخرى تتحدث عن تزويد الهند إسرائيل بأسلحة مختلفة وقذائف المدفعية منذ بدء الحرب في غزة.
ونشر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في الساعات الأولى عقب هجوم حركة «حماس» في السابع من أكتوبر عن دعمه لإسرائيل، وإدانته بـ«الإرهاب» بشكل لا لبس فيه.
وخلال الانتخابات التي عُقدت في بداية هذا الشهر، لم تسحب الحكومة دعمها لإسرائيل، ولكن أضافت بندين على سياستها المعلنة؛ الأول دعم حل الدولتين، خاصة أن الهند تعترف بدولة فلسطينية منذ سنوات، والعامل الثاني إرسال المساعدات لغزة والتشجيع على زيادتها. وامتنعت الحكومة الهندية عن انتقاد إسرائيل منذ بداية الحرب، بينما شنت المعارضة حملة هجوم قاسية، وشهدت مختلف مناطق الهند، خاصة في كيرالا، مظاهرات ضد إسرائيل.
وخلف الأبواب المغلقة، عطلت الهند أي قرار ضد إسرائيل في المحافل الدولية، مثل «حركة عدم الانحياز» ومجموعة «بريكس»، لكنها لم تعطل القرار الأخير ضد إسرائيل في «حركة عدم الانحياز»، لأنها خشيت أن تكون الدولة الوحيدة المعترضة.
وساد اعتقاد بين السياسيين الهنود عقب انهيار الاتحاد السوفييتي أن خير وسيلة للتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية هي البوابة الإسرائيلية، لذا سارعت الهند إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، وتطورت العلاقات بين الطرفين في كل المجالات، وخصوصاً في المجالين الأمني والعسكري، مما حول القضية الفلسطينية فعلياً إلى قضية هامشية على الاهتمامات الهندية. لكن هذه العلاقة أظهرت جوانب أثارت كثيراً من الانتباه في العالم العربي مع بداية «طوفان الأقصى».
ومن اللافت للانتباه أن السلطات الهندية خصوصاً في أكبر الولايات الهندية أتارا براديش، وضعت قيوداً بما في ذلك الاعتقال، على المتظاهرين المتعاطفين مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل الممنهج في قطاع غزة، وتكرر ذلك في ولايات متعددة من الهند بما في ذلك العاصمة نيودلهي، مما يعكس السياسة الرسمية تتبعها السلطات في الهند. في المقابل تم السماح لمتطرفي اليمين الهندوسي بالتعبير عن تأييدهم لحرب الإبادة الإسرائيلية، واتهام المتعاطفين مع فلسطين بأنهم جهاديين وغير وطنيين، على الرغم من أن التعاطف مع الفلسطينيين كان هو الغالب على منصات التواصل الاجتماعي.
المواقف التي سبق ذكرها تعكس الدعم الواضح من جانب الهند لإسرائيل، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتغير موقف الهند، وتتوسط بين حماس وإسرائيل، للتوصل لحل لوقف إطلاق النار؟. الإجابة على هذا السؤال ستظهر مؤشراته خلال الفترة المُقبلة، إذا تبنت الهند أي مبادرة لرأب الصدع بين طرفي النزال، وإيجاد حل لوقف نزيف المدنيين الأبرياء في فلسطين.