غزة

مفاوضات غزة: مسار متعثر

أعلن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، أن «الولايات المتحدة لا تزال تبذل جهودًا في القاهرة من أجل التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار في غزة». وأضاف سوليفان في مؤتمر صحافي، إن «إدارة بايدن على اتصال مستمر مع إسرائيل بشأن الوضع الحالي مع «حزب الله» اللبناني».
وتأتي تصريحات المسؤول الأمريكي بعدما قال مصدران أمنيان مصريان لوكالة «رويترز» الأحد، إن المحادثات التي جرت بشأن غزة في القاهرة انتهت دون التوصّل إلى اتّفاق وإن وفديّ «حماس» وإسرائيل غادرا العاصمة المصرية.

الكثير من التجاذبات

تشهد المفاوضات الجارية بين الإسرائيلي وحركة «حماس» كثيرًا من التجاذبات لاسيما بعدما وافقت الحركة على ورقة المقترحات التي قدّمها الرئيس الأمريكي جو بايدن في 2 أيار/مايو الماضي، واتّهمت بعدها إسرائيل بعرقلة المفاوضات بسبب تعمّد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إضافات جديدة على المقترح تقدّم بها وهذا ما شكّل حالة من الرفض الفلسطيني.

هذا وكانت عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها حركة «حماس» على مستوطنات غلاف غزة بدأت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فدفعت بتدخّل أطراف مساندة لها من محور الممانعة من «حزب الله» إلى الفصائل في سوريا والعراق وصولًا إلى حركة الحوثي في اليمن مع مباركة من الحرس الثوري الإيراني، إذ تمّ تشكيل جبهة إسناد داعمة ل«حماس» في القطاع.

سبقت جولة المفاوضات في القاهرة التي يقودها كل من ممثلين عن قطر ومصر والولايات المتحدة، جولة سابقة في 15 و16 آب/ أغسطس في قطر، ولم تتوصل هذه الجولة إلى أي نتيجة بخصوص ملفّ المحتجزين ووقف الحرب في قطاع غزة.

لهذا قرأ البعض أنّ التوقيت في ردّ «حزب الله» على إسرائيل حول مقتل قائده العسكري فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية تحت عنوان «فؤاد 1» كان مدروسًا ويحمل رسائل ضغط إلى الجانب الإسرائيلي.

المرحلة الأولى

يثير إعلان «حزب الله» اللبناني، الذي أعلنه أمينه العام السيد حسن نصرالله عن انتهاء ما أسماه بـ»المرحلة الأولى» من هجومه على إسرائيل، مساء الأحد 25 آب/أغسطس الجاري، تساؤلات حول ما إذا كان هذا الهجوم المنتظر منذ أسابيع كـ»رد» على مقتل القيادي لديه، قد يستمرّ أو يتطوّر لحربٍ أوسع، أم أنه مجرد محاولة لـ»حفظ ماء الوجه» يكتفي بها، خاصة مع تجدّد الدعوات الدولية والإقليمية لوقف تصعيد الصراع.

اقرأ ايضا| النقطة الحرجة في الضفة الغربية

عملية الردّ كانت على مرحلتين: الأولى تشمل إطلاق 340 صاروخًا على الجولان وشمالي إسرائيل والحدود، والمرحلة الثانية هي عبور عشرات المسيرات في اتجاه أهداف وقواعد عسكرية.

يحمل ردّ «حزب الله» رسالتين؛ الأولى ميدانية، أي أن الحزب جاهز للردّ وخوض معركة كبرى مع الإسرائيلي، خصوصًا وأنه نفّذ عملية واسعة بعد نصف ساعة من انتهاء إسرائيل عمليتها الاستباقية.

والملفت في الردّ أنه لم يأتِ عشوائيا بل أصاب مواقع عسكرية ما يضيف الدقة والتركيز والجهوزية التامة رغم صعوبة الميدان.

أما الرسالة الثانية فهي سياسية، تصبّ في خانة تشكيل قوة ضغط واضحة على نتنياهو الذي يصرّ على عرقلة المفاوضات من خلال رفض كافة التسويات لغايات في نفس يعقوب.

كسب الأصوات

تصرّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إنجاح مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة لاعتبارات لها علاقة بالانتخابات الرئاسية التي ستحصل في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حيث تعمل إدارة بايدن على تمهيد الطريق للمرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، لهذا فهي بحاجة لكسب أصوات الأمريكيين المعترضين على الحرب، والرافضين لموقف إدارة بايدن بتمويل الحملة العسكرية الإسرائيلية.

بالمقابل، يعمد المرشّح الجمهوري (صديق نتنياهو) إلى إطالة أمد الحرب الدائرة في المنطقة، لاعتبار أن استمراريتها ستكون لها انعكاسات سلبية على حملة هاريس. لهذا يعمد نتنياهو إلى إفشال المفاوضات وتعسرها في هذه المرحلة التي يسعى فيها المرشّحَان إلى جذب أصوات الناخبين في القضايا الساخنة على رأسها قضية وقف الحرب في غزة.

حملت العملية عنوان «فؤاد 1» فهذا إن دلّ على شيء فعلى أنّ هناك ردًّا ثانيًا وربما أكثر، طالما إن مسار المفاوضات لم يزل متعثّرًا، وإن الطريق إلى الرئاسة الأمريكية تحتاج إلى أشهر لإتمامها. كما وإن العملية العسكرية على القطاع لا ترتبط فقط بأهداف ميدانية محصورة بين «حماس» وإسرائيل، بل تأخذ أبعادًا أخرى مرتبطة بمنافذ الممرات الاقتصادية العالمية، خصوصًا وإن حلم نتنياهو كما سائر الإسرائيليين يحتاج إلى فتح وتشغيل قناة بن غوريون لتربط البحر الأبيض مع البحر الأحمر وتكون قناةً بديلة عن قناة السويس.

لا ينذر المشهد في المنطقة أنه أمام حتمية التصعيد، فرغم تعقيداته وجهوزية المحور في الردّ على أيّ عدوان إسرائيلي إلا أنه واضح في أخذ مسار عدم التصعيد.

لقد صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأحد 25 آب/أغسطس أن الردّ الإيراني على إسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، سيكون «دقيقًا ومحسوبًا ولا مفرّ منه».

توسيع دائرة الحرب

«فؤاد 2» الردّ الذي قد يطول انتظاره وربما لن يأتي في ظلّ الإصرار على عدم توسيع دائرة الحرب، وعدم التصعيد في المنطقة، لاسيما وإن طرفي الصراع في الدائرة الأوسع، أعني الأمريكي والإيراني، مدركان تماماً أنّ أيّ حربٍ كبرى ستنعكس سلبًا على مصالحهما وطموحاتهما على حساب طموحات دولٍ أخرى على رأسها تركيا التي أعاد رئيسها رجب طيب اردوغان التذكير بالعصر الذهبي للمنطقة عندما حقّق فيها التركي انتصارات على أعدائه الطامعين فيها.

وجاء ذلك في سياق كلمته الأحد في احتفال في ولاية بتليس شرق البلاد بمناسبة الذكرى السنوية الـ953 لانتصار السلاجقة على بيزنطة في معركة ملاذكرد، داعيًا إلى الاعتبار من التاريخ وإلى التكاتف التركي والكردي والعربي والسني لدحر العدو، دون تحديد هوية هذا العدو، على اعتبار أنّ للمنطقة أعداء كثر هناك، فبالنسبة إليه قد يكون هذا العدو متمثّلًا بالحضور الإيراني أو المصالح الأمريكية والروسية أو كل من يسعى لفرض نفوذه في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى