غزة

آخر حلول لغزة يحتاج لعجيبة

سيطرة "حماس" على القطاع وارتباطها بإيران إنما هو مشروع حرب متجدد دائماً.

تركز الحلقات المهتمة بالشرق الأوسط في واشنطن والعواصم الأوروبية على حلول بإمكانها أن تنهي الحرب القائمة في غزة بين إسرائيل و”حماس” والمنظمات القتالية الإسلامية الأخرى. وقد كتبنا في مقالات سابقة على مدى الأشهر الـ10 السابقة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حول محاولات دبلوماسية وسياسية عدة لفك الاشتباك في غزة وإيجاد حل دائم لهذه المواجهة. وقد استمر استطلاع كل الاحتمالات الممكنة والحواجز من أمامها وما قد يسهل تنفيذها، إلا أن الهوة القائمة بين “حماس” وإسرائيل، وبصورة عامة بين الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية، لا يمكن ردمها في المعادلات القائمة إقليمياً ودولياً. وقد وصلت الأمور منذ بضعة أشهر إلى مواجهة مباشرة صاروخية بين طهران وتل أبيب، ورأينا كيف أن الطرفين، أي إسرائيل والنظام الإسلامي في طهران، فضلا ألا يدخلا في الوقت نفسه بمواجهة عسكرية شاملة لأنهما غير مستعدين لها.

ونرى كيف أن إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية تقريباً، ومعها المعسكر الديمقراطي الذي تترأسه الآن المرشحة كامالا هاريس وحلفاؤه وشركاؤه داخل الولايات المتحدة، وفي أوروبا والغرب بصورة عامة، كيف أنهم حاولوا، وما زالوا، أن يصلوا إلى نقطة تفاهم تشمل إسرائيل والفلسطينيين والعرب، وتدعو أولاً إلى وقف لإطلاق النار، وثانياً لفك أسر الرهائن الإسرائيليين والأميركيين في غزة والدخول إلى طاولة مفاوضات تؤدي إلى حوار ينتج حل الدولتين.

ورأينا أيضاً أن هناك اختلافاً شديداً بين الإدارة والكونغرس حول الموقف الأميركي في حد ذاته من هذه الحلول. فالإدارة تنتقد حكومة بنيامين نتنياهو، بينما الكونغرس يمد يده إلى أبعد الحدود إلى إسرائيل. وفي ظل معركة الانتخابات الشرسة القائمة في الولايات المتحدة الآن، فإن إيجاد وحدة وطنية حول السياسية الخارجية لإيجاد حل نهائي بين إسرائيل وغزة أمر يصعب التحقيق، بالتالي ونحن على مسافة شهرين من الانتخابات الرئاسية الأميركية، سنركز على الحلول التي كان بإمكانها أن تصل بالمنطقة إلى وضع مقبول يصعب تنفيذه الآن، ولكن الإدارة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات، قد تجد نفسها أمامها حلول ممكنة ولو صعبة.

فما هي تلك المبادئ التي تنتج المستحيل وتمنع الالتفاف حولها، والتي يجب أن تمهد للحلول الكبرى قبل الانتخابات، ولكن بخاصة بعدها؟ هذه هي الوقائع والمبادئ التي نستخلصها في هذه المرحلة، وهي مرحلة متبقية قصيرة قبل الانتخابات، أو تلك التي تأتي بعدها، وهي التي ستبدأ بالحلول المرحلية.

للوصول إلى الحلول المبدأ الأول وهو أنه ليس هناك داخل إسرائيل رأي عام يدعم حلولاً للعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، أي أن تتوقف العمليات ضد “حماس”، وأن تخرج القوات الإسرائيلية ويتم تحرير الرهائن من دون أن تكون هناك أية نتائج لهذا العملية، وتبقى “حماس” مسيطرة على هذا القطاع. هذا تصور، وهو الذي تتخذه واشنطن وعواصم أخرى، وقد تقبل به الحركة، وليس له قبول داخل إسرائيل. صحيح أن المعارضة الإسرائيلية تريد تحرير الرهائن ووقف إطلاق نار فوق أي اعتبار، ولكن هذه التظاهرات بحسب إعدادها انتخابياً، لن تأتي بأكثرية داخل إسرائيل، لذلك نرى أن نتنياهو يشعر بأنه متمكن من هذه الأكثرية التي تدعمها، بالتالي فإن المبدأ الأول هو عدم العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر في الأقل من الطرف الإسرائيلي.

المبدأ الثاني، إذ يصعب أيضاً تصور استمرار احتلال عسكري إسرائيلي ثابت ودائم لقطاع غزة لأنه سيقابل برفض عربي تقوده المملكة العربية السعودية ومصر وأكثرية في مجلس الأمن، إذ إن هناك رفضاً ضد احتلال إسرائيلي عسكري جديد من دون خطوات تؤدي إلى وجود حل مقبول من الطرفين.

ما يبقى من خيارات لأجل حل المعضلة الأمنية هو ربما أصعب الخيارات، ولكن لا نرى الآن بديلاً لذلك، ألا وهو تشكيل تحالف عسكري أمني عربي – دولي – إقليمي لكي يدخل القطاع تحت موجب إنقاذ المدنيين الفلسطينيين وحماية المجتمع الغزاوي من الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية، أم بموجب قرار دولي، أم بموجب تحالف للذين يريدون إنقاذ غزة بما يسمى الإنجليزية Coalition of the willing، وقرار كهذا بتقديرنا لن يمر عبر مجلس الأمن في الأمم المتحدة بسبب “الفيتو” الروسي والصيني، ولكن قراراً كهذا بإمكانه أن ينفذ تحت مظلة القرارات الدولية الإنساني.

بالتالي، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً إذا قررت واشنطن أن تدخل هذا المعترك، هو أن تتم الدعوة إلى مؤتمر “لتحالف إنقاذي” يضم بالطبع، إضافة إلى الولايات المتحدة عدداً من الدول الأوروبية المهتمة بالوضع الإنساني في غزة، والأهم من ذلك أنه يضم عدداً من الدول العربية، بخاصة السعودية ومصر والإمارات والأردن والبحرين والمغرب وغيرها. ومن الممكن أن يشكل أولاً مبادرة سياسية دبلوماسية إنقاذية، ومن ثم يتم تشكيل قوة سلام عربية دولية خاصة بهذه الدول، ومدعومة من قبل المؤسسات العسكرية والإنسانية للغرب، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وتحالف كهذا عليه أن ينسق مع القوى الموجودة داخل غزة، وهي إسرائيل، والتفاوض معها على التسلم والتسليم، ولكن أهم من ذلك، على دخول المنطقة، والمكون الآخر هو فلسطينيون متطوعون لمهمة كهذه.

إقرأ أيضا : التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يُقسِّم الشعب الأمريكي

أما “حماس” فعلى هذه الدول العربية أن تستدعي ممثليها إلى قمة في شرم الشيخ أو في أي مكان آخر، ويتم إبلاغها بأنه يجب عليها أن تنتقل من حال الميليشيات إلى حال حزب سياسي، وأن تخلي دستورها من العنف العسكري وتلتزم بمبادئ عديدة، ومنها الهدنة التي وقعت عام 1949، إضافة إلى كل الاتفاقات التي التزمت بها السلطة الفلسطينية منذ “كامب ديفيد”، وعلى هذا الأساس يقوم التحالف العربي العسكري بالدخول إلى غزة، ولكن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، ويتم تسليم مواقع “حماس” إلى التحالف العربي العسكري وبالتنسيق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويعمل على إقامة مساحة آمنة للأهالي الفلسطينيين من دون وجود ميليشيات أكانت “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” وغيرهما، وحتى السلطة الفلسطينية يجب أن تحصل على قبول من قبل التحالف العربي وإسرائيل بصورة مشتركة.

مشروع السلام العربي الدولي يلزم كل هذه الدول أن تنفذ تطبيق السلام عملياً على الأرض، وهنا يعتقد أن “حماس” لن تتمكن من مواجهة تحالف دولي – عربي كهذا، ولا سيما إذا دخلت الجيوش العربية هذا الجيب الجغرافي مع بقاء القوات الإسرائيلية قبل أن يتم الاتفاق على خطة أمنية. أما السلطة الفلسطينية فعليها أن ترسل وحداتها إلى الدول العربية لتتم إعادة تأهيلها وتدريبها وإقامه حلقات تثقيفية مشتركة بين السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية من أجل بناء ثقة تسمح للسلطة الجديدة داخل غزة بأن تلتزم بمبادئ الأمن والسلامة الموقع عليها.

عندها يعاد تأهيل البلديات، وبعد سنة من هذا التأهيل يتم تنظيم انتخابات بلدية، ومجموع هذه البلديات قد يؤلف المجلس التشريعي الانتقالي في غزة، ويوقع هذا المجلس الانتقالي على وثيقة مع إسرائيل ودول معاهدة “أبراهام” لتثبيت العلاقات السلمية وإنهاء أي حالة حرب بين غزة وإسرائيل.

سيناريو كهذا قد يبدو مستحيلاً قبل الانتخابات الأميركية، لكن طرحه الآن إنما يعمم على كل الأطراف الممكن أن تشارك به، بخاصة الأطراف العربية والإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وبغض النظر من سينتصر في الانتخابات الأميركية، فإن مشروعاً كهذا يستمر بكونه الوحيد القادر على تأمين الاستقرار والأمن والسلام بين إسرائيل وغزة والفلسطينيين بصورة عامة.

وإن سيطرة “حماس” على القطاع وارتباطها بإيران إنما هو مشروع حرب متجدد دائماً.

واحتلال عسكري إسرائيلي في غزة من دون آفاق إيجابية معينة هو أيضاً مشروع صدامات مستقبلية. لذلك فهذا الطرح الذي درسناه كأساس مواقف الأطراف المتعددة باستثناء النظام الإيراني والمجموعات التكفيرية، هو الطرح الوحيد، أياً كانت السياسة الأميركية، القادر على إنهاء حالة الحرب والصراع، وبدء عملية دبلوماسية طويلة الأمد، وتسليم مفاتيح مستقبل الشعب الفلسطيني في غزة إلى أهل غزة، ولا سيما هؤلاء المقتنعين بضرورة بناء السلام ليس فقط بين القطاع وإسرائيل، وبين إسرائيل والدولة الفلسطينية فحسب، ولكن في عموم المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى