المسيحية في إفريقيا: تكلفة الولاء للصهيونية
إن الأهمية الديمغرافية للمسيحيين في إفريقيا جنوب الصحراء توفّر فرصة لتبادل مساعدات التنمية، والصفقات التجارية والاتفاقيات العسكرية، مقابل الحصول على أصوات دول المنطقة في المنتديات العالمية.
يشرح المؤلف في هذه المقالة، فكرة إسرائيل كشريك دبلوماسي موثوق للدول الإفريقية؛ وذلك من خلال النظر في تأثير الصهيونية على وجهات النظر المسيحية. مستعينًا بمراجع مختلفة للحصول على أمثلة للمبادرات مع الدول الإفريقية، وعلى التقارير والدعوات ومحاضر الهيئات العالمية للتفكير في الهويات الكنسية والروحية.
وعلى النقيض من التصور السائد بين المسيحيين في إفريقيا؛ لا يمكن ربط الصهيونية بلاهوت التحرير؛ حيث إن الولاء للصهيونية يُقوِّض المفاهيم الروحية الأصلية؛ كالهوية الإفريقية الأصيلة، والمسيحية نفسها. مشيرًا إلى أن هناك حاجة مُلحَّة للمدارس اللاهوتية وقادة الكنيسة ورجال الدين للتعرُّف على الواقع، وتولّي زمام المبادرة في تقييم ومراجعة أيّ تأويلات ومعتقدات تُشكّل دعمًا للصهيونية ([1]).
مساهمة المقالة:
تُسلّط المقالة الضوء على التهديد الذي تُشكّله الدبلوماسية الإسرائيلية في إفريقيا على الهوية الدينية والنزاهة والحرية. باعتبارها مساهمة متعددة التخصصات وسياقية في علم اجتماع الدين، وتكشف أن الولاء لإسرائيل، الدولة الصهيونية، يُعرِّض رسالة المسيح المتمثلة في الرحمة الشاملة والعدالة والمساواة للخطر.
مقدمة:
إن صوت كل دولة له أهميته في الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، شرعت إسرائيل في البحث عن حلفاء سياسيين في القارة الإفريقية التي تضمّ أكبر عدد من الدول في العالم. ولها تاريخ في إدانة الطبيعة العنصرية للصهيونية. فمثلاً: أصبح تركيز منظمة الوحدة الإفريقية على العنصرية في فلسطين وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، في قرارها 77 (XII) الصادر في أغسطس 1975م، المتّخذ إطارًا مرجعيًّا حاسمًا لقرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر في نوفمبر 1975م، والذي قرَّر أن الصهيونية تُعزِّز التمييز العنصري.
واليوم، يتآكل تضامن إفريقيا مع النضال الفلسطيني؛ بسبب الجهود المتزايدة التي تبذلها إسرائيل لتعزيز التحالفات في القارة. فعند افتتاح سفارة إسرائيلية في رواندا، أعلنت صحيفة تايمز أوف إسرائيل (2019م) أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “جعل توسيع العلاقات الدبلوماسية في إفريقيا أحد أهدافه الرئيسية في السياسة الخارجية”.
وفي نفس العام أقامت إسرائيل علاقات في شرق إفريقيا، ولا سيما في أوغندا وكينيا، مع خطط لتوسيع وجودها الدبلوماسي إلى تشاد ومالي والنيجر. وكما أكد Yuval Rotem المدير العام للشؤون الخارجية الإسرائيلية: “نحن نعود إلى إفريقيا”.
وفي هذا الدافع الإستراتيجي؛ تدّعي إسرائيل القرابة القائمة على تاريخ مشترك من المعاناة. ففي اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في العاصمة الليبيرية “مونروفيا”، تحدَّث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن “قرابة طبيعية” بين إسرائيل وإفريقيا، قائلاً: “لدينا، في كثير من النواحي، تاريخ متشابه. لقد عانت دولكم تحت الحكم الأجنبي. لقد عانيتم من حروب ومذابح مروعة. هذا هو تاريخنا إلى حد كبير”.
وفي افتتاح السفارة الرواندية في كيغالي، أشار المسؤول الإسرائيلي Rotem أيضًا إلى العلاقة بين البلدين من حيث الروابط الأسرية والبطولة: “نحن بلدان صغيران عانَا كثيرًا. أعتقد أنه من العدل أن نقول: إننا نهضنا من الرماد في كل تاريخنا”.
إن رد Richard Sezibera وزير خارجية رواندا، يخلق انطباعًا بأن تصوير إسرائيل كقوة من أجل الصالح العام للإنسانية سقط على أرض خصبة؛ حيث أفاد: “إن القوة والمرونة التي أظهرها كلا البلدين للتغلب على المأساة ستستمر في شعبينا وقادتنا معًا، وفي تصميمنا المشترك على بناء نظام عالمي أكثر عدالة” (3 مارس 2023م).
ولكن لا يمكن للمرء أن يفترض أن التجارب السابقة للظلم تضمن أجندة أو قِيمًا مستقبلية مشتركة بين الطرفين؛ فالمعاناة المذكورة لا تضمن علاقات قائمة على الاحترام، أو تعني بالضرورة الصدق أو العدالة أو المساواة أو التعاطف مع الآخرين؛ فلقد فشل نتنياهو في استحضار صورة إسرائيل على اعتبار أنها الطرف الأضعف، فهي القوة العسكرية العظمى، المموَّلة والمحمية مِن قِبَل الولايات المتحدة، ولم يقل شيئًا عن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وشرعنتها للتمييز على أساس العِرْق والدِّين. بل كما يلاحظ Baroud (2019م)، “حاول نتنياهو ليس فقط تغطية الوجه القبيح للاستعمار الصهيوني وخداع الأفارقة، بل سرق أيضًا تاريخ الفلسطينيين”.
إن الشراكة مع إسرائيل لا علاقة لها برؤية لنظام عالمي أكثر عدالة. ففي نفس الشهر الذي افتُتحت فيه السفارة الإسرائيلية في كيجالي، سحبت جنوب إفريقيا سفيرها من تل أبيب بشكل دائم كخطوة أولى لخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وجاء ذلك في أعقاب عدة محاولات فاشلة على مدى سنوات للتعامل مع إسرائيل في إطار قوانين حقوق الإنسان الدولية.
وبحسب Na’eem Jeenah من مركز الشرق الأوسط الإفريقي؛ فإن جنوب إفريقيا سئمت من عنف إسرائيل ضد المدنيين. ويزعم أن إسرائيل لم تأخذ تصرُّف جنوب إفريقيا على محمل الجد فحسب، بل إنها “استغلت تلك الجهود من أجل تحقيق أجندتها الخاصة المتمثلة في تعزيز الروابط التجارية، وما إلى ذلك”، بعدما رفضت المساعدة من جنوب إفريقيا في الوساطة.
منذ عام 2016م، عزَّزت إسرائيل علاقاتها مع الكاميرون وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا وجنوب السودان؛ من خلال مبيعات الأسلحة، وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية. كما تسعى إلى إقامة شراكات سياسية إفريقية في سياق دعم بعض الطبقات الحاكمة الفاسدة، وكينيا هي أحد انتصاراتها؛ ففي حين احتضن نتنياهو الرئيس الكيني Uhuru Kenyatta بحرارة كصديق في نوفمبر 2017م عند تنصيب الأخير، اعترض الكينيون على ادعائه بالحصول على 98% من الأصوات في الانتخابات، وادعائه أيضًا بشنّ حملة ضد رؤوس الفساد في البلاد.
كما تستخدم إسرائيل إستراتيجيتها المتمثلة في تعزيز الأنظمة المشكوك فيها؛ من خلال تقديم الأمن والتكنولوجيا العسكرية في مقابل الدعم الدبلوماسي من إفريقيا. فضلاً عن فرص الاستثمار والتجارة والسياحة الإسرائيلية، ومساعداتها المالية والفنية في شكل تكنولوجيا الطاقة الشمسية والمياه والزراعة.
إن إسرائيل تكذب أيضًا على مواطنيها اليهود وغير اليهود؛ ففي دراسة حاولت الوقوف حول ما يدفع اليهود من إسرائيل وجنوب إفريقيا للنضال من أجل حقوق الفلسطينيين، كانت إحدى الأفكار الرئيسية هي فهم الناشطين أن العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين لا يمكن وَصْفها بأنها صراع بين الأقران. فإسرائيل، القوة العظمى العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة، تضطهد الفلسطينيين بشكل منهجي ومن خلال وسائل مختلفة. مثلاً: عانَى الإسرائيليون اليهود من الصدمة والغضب والاضطراب الداخلي والعار عند اكتشاف الفجوة الهائلة بين الواقع وما تم دفعهم إلى تصديقه. صاح أحدهم: “لقد عشت كذبةً، وأنا غاضب منها!”، بينما شعر طيار سابق أن كل مَن وثق به –مثل والديه، والقادة العسكريين، ومعلميه- حوَّلوا جيله إلى قتلة. هؤلاء جزء من عدد كبير من يهود إسرائيل الذين يُثقّفون مواطنيهم حول هذه المغالطات.
لقد اعترضوا هم وبقية المشاركين الواحد والعشرين في الدراسة -سواء كانوا يهودًا أو مسلمين أو مسيحيين أو بوذيين أو غير متدينين- على الكمّ الهائل من المعلومات المضلِّلة التي تحاول إخفاء عدم التكافؤ في القوة العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأن إسرائيل ليس لديها نية لمنح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية، كما يسمح بها القانون الدولي. وبالنسبة للمسيحيين في جنوب إفريقيا، فإن إساءة استخدام إيمانهم لتبرير اضطهاد الفلسطينيين هو السبب الرئيسي وراء تحدثهم علنًا. لقد شعروا أن البساط الرمزي the proverbial rug قد تمزَّق من تحت أقدامهم عندما أدركوا أجندة إسرائيل الحقيقية. في رأيهم، تمثل دولة إسرائيل، التي تعززت بالموافقة الصريحة أو الضمنية للمسيحيين، ضد العدالة والرحمة للمضطهدين، وهناك حاجة ماسَّة لتقييم التأويلات واللاهوتات المسيحية بشكل نقدي لدعم القمع.
إن إقامة علاقة ودية مع إفريقيا على أساس تاريخ مشترك من المعاناة مع إسرائيل يمثل تحريفًا للتاريخ، ويُخفي الواقع الظالم الحالي، ويغفل عن الإمبريالية الصهيونية الإسرائيلية وتجاهلها لحقوق الإنسان والكرامة الفلسطينية. وبالتالي، لا يمكن أخذ رواية إسرائيل عن البراءة والنوايا السلمية على محمل الجد. إن دور المسيحية في هذه الإستراتيجية يستحق التدقيق. وتحقق هذه المقالة في فكرة إسرائيل كشريك حميد في إفريقيا من خلال عدسة بعض الأساطير والخرافات في الصهيونية المسيحية من منظور الأخلاقيات اللاهوتية.
المنهجية:
يعتمد هذا البحث متعدد التخصصات على المقالات الإعلامية للحصول على أمثلة حالية للمبادرات بين إسرائيل ودول إفريقيا جنوب الصحراء، فضلاً عن المنشورات والتقارير العلمية، والدعوات ومحاضر الهيئات العالمية للحصول على رؤى حول الهويات الدينية والمدنية.
ورغم أن الأمثلة والحجج حول ما يعنيه دعم المسيحيين في إفريقيا للصهيونية ليست شاملة، فإن المؤلف يدرس التباينات بين المفاهيم الروحية الأصلية، والأساطير الصهيونية، والاستعمار والفصل العنصري مع الإشارة إلى بناء كاتدرائية مسكونية في غانا، والمناقشات بين الكنائس الإصلاحية.
ثمن الصهيونية في مسيحية جنوب الصحراء الكبرى The price of Zionism in sub-Saharan Christianity
تضم إفريقيا 54 دولة، منها 47 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء. وتشمل المسيحية، باعتبارها التقليد الديني السائد، الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية، والطائفة الإفريقية المبكرة، والأرثوذكسية، وغيرها من الطوائف. وباعتبارها واحدة من أكبر المجتمعات الدينية وأسرعها نموًّا في القارة، فإن حوالي ثلث المسيحيين في إفريقيا هم أعضاء في الكنائس الإفريقية المبكرة بشبكاتها التي تصل إلى المناطق الريفية النائية.
ومع ذلك، فإن الحدود بين الكنائس الإفريقية المبكرة والطوائف الأخرى ليست واضحة؛ بسبب الشعور بالانتماء المشترك، وتميل التحولات الكبيرة بين هذه الطوائف والطوائف الأخرى إلى الحدوث في غضون فترات زمنية قصيرة نسبيًّا. علاوةً على ذلك، ينتمي العديد من أعضاء الكنائس الكاثوليكية أو البروتستانتية التاريخية أيضًا إلى الكنائس الإفريقية المبكرة، على الرغم من أن هذا لا ينعكس في الإحصاءات الرسمية. ويجب أن نأخذ في الاعتبار هذه السيولة الديناميكية والطبيعة غير المتجانسة للمسيحية في المناقشة التالية.
مِن قِبَل الأفارقة، ومن أجل الأفارقة؟ By Africans, and for Africans?
أن تكون “مُبادِرًا إفريقيًّا” يعني أنك مؤمن بالحلول الإفريقية. تأسست الكنائس الإفريقية المبكرة African Initiated Churches مِن قِبَل الأفارقة، ومن أجل الأفارقة. للانفصال عن التأثيرات التنصيرية الأوروبية والأمريكية الشمالية. تشترك تلك الكنائس في تاريخ –واختيار– الاستقلال المالي والمؤسسي عن الشمال العالمي، في محاولة متعمدة لمقاومة فرض وجهات النظر العالمية المزدوجة dualist والخطية linear والآلية mechanistic المرتبطة بالتنوير الغربي والحداثة.
ومن خلال هذا المنظور، يميز Öhlmann، وآخرون بين ثلاثة تطورات في الكنائس الإفريقية المبكرة؛ الأول: اكتسبت الكنائس المستقلة أو القومية استقلالًا كنسيًّا عن الكنائس التبشيرية، بدءًا من ثمانينيات القرن التاسع عشر. وفي التطورين التاليين، نشأت الكنائس الإفريقية المستقلة منذ بداية القرن العشرين، وظهرت الكنائس الخمسينية الإفريقية أو الخمسينية الكاريزماتية الإفريقية في سبعينيات القرن العشرين. تختلف هذه التيارات الثلاثة من الكنائس الإفريقية المبكرة في مدى ارتباطها بالثقافة والتقاليد وعلم الكونيات الإفريقية الأصلية. وكاستجابة شعبية للمسيحية، تستعيد الكنائس الإفريقية المستقلة بالكامل الثقافة والتقاليد والرموز الكونية الإفريقية الأصلية في ممارساتها. يتميز هذا المنظور بواقع أحادي أو شامل؛ حيث يكون كل شيء مترابطًا. وبالتالي، فإن كل ما هو موجود هناك -الفرد والمجتمع وبقية العالم والماضي والحاضر والمستقبل- مترابط. هناك علاقة متبادلة بين الفرد والمجتمع، كما تم التعبير عنها بشكل مختلف في مفاهيم مثل Ilosiwaju و Omoluabi([2]) من قبل اليوروبا في جنوب غرب نيجيريا، وفي فهم جنوب إفريقيا لـ ubuntu([3]).
عندما يُنظَر إلى تركيز الأفارقة على قوة العالم الروحي والأسلاف في الحياة اليومية على أنه يعترف برسالة المسيح في سياق علم الكونيات الإفريقي، فإنه يُمثّل عملاً حقيقيًّا وتمكينيًّا لتحديد الهوية. وعلى هذا النحو، فإن تصوُّر الكنائس الإفريقية المستقلة للمسيحية يُمثِّل احتجاجًا اجتماعيًّا وثقافيًّا ضد استعمار إفريقيا الذي يقمع ويقلل من قيمة الحلول الإفريقية للحياة. بعد قرون من الإساءة، يقاوم اختيار المسيحية التي تركز على إفريقيا التأثيرات الخارجية التي تتجاهل أو لا تحترم أو تستغل هوية الأفارقة وكرامتهم.
إن التطور الأحدث للخمسينيين الذين يركزون على المناطق الحضرية ويُبشِّرون بالرخاء مستوحًى من التبشير التلفزيوني في أمريكا الشمالية، ولكن لا ينبغي الخلط بين الخمسينية الإفريقية والحركة في أمريكا الشمالية. وكما هو الحال مع الكنائس المستقلة الإفريقية، فهي مستقلة عن الطوائف التبشيرية الغربية. فهي ليست أصلية فقط في قدرتها على حشد الموارد والقيادة، بل إنها تتضمن أيضًا رموزًا كونية تتعلق -على سبيل المثال- بقوة العالم الروحي الصوفي. على الرغم من أنها تبدو أقل تقليدية ثقافيًّا من الكنائس المستقلة الإفريقية، إلا أنها تقاوم أيضًا أن تشكلها أشكال الإمبريالية الغربية التي تُقلّل من قيمة وكالة الأفارقة وكرامتهم.
في جميع الكنائس الإفريقية المبكرة Initiated Churches، لا يُعَدّ “التنمية” مفهومًا ماديًّا فحسب، بل مفهومًا روحيًّا عميقًا مترابطًا مع الواقع المادي. وقد أوضح دانييل أوكوه، الأسقف النيجيري والرئيس الدولي لمنظمة الكنائس الإفريقية المبكرة، وهي أكبر هيئة شاملة للكنائس الإفريقية المبكرة، النهج الديني المكثَّف للأفارقة جنوب الصحراء الكبرى، والذي يعمل كعدسة على كل شيء آخر على النحو التالي:
[…] أي شيء يمس دين الناس، فإنهم يأخذونه على محمل الجد. وبسبب تاريخنا الاستعماري، هناك طريقة ينظر بها الناس إلى الأمور العلمانية… ولا تزال الحكومة تُرى كشيء بعيد جدًّا. ولكن إذا كان الأمر يتعلق بالدين، فإن الناس يأخذونه على محمل الجد. ولذلك، عندما تتحدث عن جلب الجوانب الروحانية و… الاجتماعية، وهي الطريقة الوحيدة التي تمكن من إشراك الناس في حياة نشطة. وسيأتي الناس ويقولون: “الله في هذا الشيء، يجب أن تكون حذرًا للغاية”. بهذه الطريقة يمكنك الحصول على شيء إيجابي في الشفافية والمساءلة وكل ذلك، بسبب الجانب الروحي … لذا، بالنسبة لإفريقيا، نظرًا للطبيعة الدينية، ستجد دائمًا طريقة لاستخدامها للحصول على التزام الناس بالمشروع، أيًّا كان. إذا كان الأمر يتعلق بالمياه، فيجب تفسيره روحيًّا. إذا كان مشروعًا زراعيًّا، فيجب تفسيره روحيًّا … بصراحة، إذا لم تفعل ذلك، فستخسره.
وسواء كانت كنائس الخمسينية أو الكنائس الإفريقية المستقلة؛ فإن ممارسات الكنائس الإفريقية المبكرة تتبنَّى علاقة ديناميكية بين العوالم المرئية وغير المرئية لتشمل جميع جوانب الوجود البشري في رؤية أحادية لكل ما هو موجود. ويُنظَر إلى الروح القدس والأسلاف على أنهم جزء من قوة الحياة الحيوية ذات التأثير المباشر على النسيج الاجتماعي للحياة اليومية. في هذه الرؤية الأحادية، يتشابك التنمية مع الدين وهي مستدامة إذا كانت تحترم وتحسّن ليس فقط الأبعاد المادية والاجتماعية للحياة، بل وأيضًا تُفيد الأبعاد البيئية والسياسية والروحية والفردية، وأي أبعاد أخرى ذات صلة بتمكين الوصول إلى حياة مزدهرة.
إن التنمية لا يمكن أن تسهم روحيًّا في غياب هذا الارتباط بكل ما يُمثّل. وبدون المعنى الروحي، يُنظَر إلى التنمية باعتبارها ازدراءً للوعي الإفريقي ونظرته إلى الواقع. وبعبارة أخرى، يُنظَر إلى مبادرات التنمية غير المنسوجة في الجوانب الروحية باعتبارها آلية ومجزأة وغير متكاملة ومفروضة. وإذا كان للتنمية أن تتمتع بالنزاهة الأخلاقية، فلا ينبغي لها أن تكون وسيلة لتحقيق غاية أو مجرد أداة، بل لا بد أن تفيد العوالم المرئية وغير المرئية؛ لأن كليهما مهمّ وعلى قدم المساواة. ولا يمكن لأيٍّ منهما أن يتحسَّن بدون الآخر. ولكن إذا جاء مثل هذا الدعم من طرف غير إفريقي يريد التلاعب بالأفارقة، فإن مثل هذه المساعدة تدخلية، ولا تخدم رغبة الأفارقة في الحرية والتمكين.
هل تبارك الصهيونية المسيحية الإفريقية؟ Blessed by Zionism?
لقد تم استيراد المسيحية والصهيونية من خارج إفريقيا، وأصبحتا متأثرتين بالروحانية الإفريقية. الصهيونية المسيحية، وهي عقيدة لاهوتية تعود جذورها إلى الإصلاح البروتستانتي في بريطانيا، وهي حركة دينية يتبنَّى فيها المسيحيون التأويل الحرفي الإسخاتولوجي.
في إفريقيا، يمكن إرجاع تأثير الصهيونية إلى عشرينيات القرن العشرين عندما اكتسبت موطئ قدم في شرق إفريقيا.
ومن عجيب المفارقات أن الأفارقة غالبًا ما يفهمون الصهيونية في سياق رغبتهم في التحرُّر من التهميش والاستعمار. وترتبط الصهيونية بلاهوت التحرير ومحنة المضطهدين. وأصبحت إسرائيل، كرمز ديني، منارة أمل. إن الوقوف إلى جانب اليهود يعني الوقوف إلى جانب الله، ومن يبارك إسرائيل يُفترض أنه يباركه الله. إن هذا اللاهوت، بنظرته غير النقدية لدولة إسرائيل، يوفّر أرضًا خصبة لحملة إسرائيل لكسب الدعم الدبلوماسي في إفريقيا.
وإذا نظرنا -على سبيل المثال- إلى الشراكة بين إسرائيل وغانا، فسوف يبدو الأمر -على الأقل للوهلة الأولى- وكأن إسرائيل تعترف بالروحانية التي يتسم بها المسيحيون المحليون. ولكن إذا نظرنا عن كثب فسوف نجد أن احترام إسرائيل المزعوم للشفافية والكرامة الإنسانية ورفاهية المجتمع والعدالة وسلامة الشراكة ذاتها يثير تساؤلات.
وقد بلغ إجمالي عدد سكان غانا 26 مليون نسمة في عام 2012م، منهم 69٪ مسيحيون. ومن بين هؤلاء، كان 44٪ من المسيحيين الأفارقة، و22٪ من الكاثوليك، و21٪ من البروتستانت، والباقي 13٪ مرتبطون بطوائف أخرى.
في عام 2018م، كشف الرئيس Akufo-Addo عن خطط لبناء كاتدرائية جديدة تجمع الطوائف والأديان، ومن المفترض أن تكون “تجسيدًا ماديًّا للوحدة والوئام والروحانية” بين جميع الناس في غانا، وبالتالي ستخدم أيضًا غرضًا وطنيًّا. بالإضافة إلى كونها بيتًا مقدسًا للصلاة والخدمة، فإن المكان سيستضيف أيضًا “مناسبات رسمية للدولة ذات طبيعة دينية، مثل تنصيب الرئيس والجنازات الرسمية وخدمات الشكر الوطنية”.
تعرَّض بناء هذه الكاتدرائية الباذخة لانتقادات شديدة؛ حيث إن المنتقدين قلقون بشأن التأثير البيئي، والتكاليف الضخمة، وإهمال الاحتياجات الأساسية الأخرى، وإعطاء الأولوية للمسيحية في الهوية الوطنية. إن القيادة السياسية في غانا تربطها علاقات وثيقة بإسرائيل، والتي وضعت نفسها في هذه العلاقة كشريك حساس للارتباط الوثيق بين الروح والمادة والتنمية في إفريقيا.
على سبيل المثال: يقدم تحالف غانا وإسرائيل The Ghana Israel Alliance (GIA)، والذي ينظم العلاقات الثنائية في التجارة والتبادل الثقافي والديني والاقتصادي، مثالاً واضحًا لربط التنمية والدين. واستنادًا إلى لغة الصهيونية المسيحية، يشير إلى نفسه باعتباره ركيزة ثقافية أساسية “مبادرة مباركة، وسيُبارَك أولئك الذين يشاركون فيها”.
في 5 مارس 2020م، وضع رئيس غانا حجر الأساس للكاتدرائية الوطنية المسكونية الجديدة في أكرا. وانضم إليه زعماء الكنائس الكبرى في البلاد ومسؤولون حكوميون وسفراء وسلطات تقليدية ومندوبون من القطاع المدني. كان الحجر المستورد من القدس والذي يُعتَقد أنه يمتلك قوًى روحية خاصة، هدية من Shani Cooper السفير الإسرائيلي في غانا وليبيريا وسيراليون. والذي أفاد بأن الخصائص الروحية الخاصة للحجر ستُقدِّس الكاتدرائية الجديدة، وتحمي أساسها والأرض التي ستُبنَى عليها؛ لأن القدس بالنسبة للمسيحيين هي أقدس المدن، وأن مشاركة إسرائيل في البناء ستعزّز العلاقات بين البلدين.
وتحدّث الرئيس الغاني بدوره عن القيمة المرموقة للكاتدرائية قائلاً: [ستكون] بنية أساسية مميزة للحج والسياحة الوطنية والإقليمية والدولية. وستكون نُصبًا تذكاريًّا للحرية الدينية. ويستحق بناؤها الدعم الكامل من الأمة.
ولم يتطرق الرئيس أو السفير الإسرائيلي أو أيّ من المقالات الإعلامية التي غطت الحدث إلى القمع المنهجي الذي تمارسه إسرائيل ضد المسيحيين في القدس وبيت لحم وأريحا والخليل وحيفا والناصرة وأماكن أخرى في إسرائيل وفلسطين. وتم تصوير دولة إسرائيل على أنها صديق محترم، وأشار رئيس غانا إلى أن العلاقة مع إسرائيل مشرّفة وتُعزّز رفاهة المجتمع. ولم يتم شرح كيف يمكن للتمييز المدني والسياسي والثقافي والديني الذي تمارسه إسرائيل ضد غير اليهود أن يلهم “الحرية الدينية”، أو يقدس كاتدرائية مسيحية.
إن تسلل الصهيونية إلى المسيحية الإفريقية يثير تساؤلات خطيرة حول المفاهيم والأجندات التاريخية والسياسية والأخلاقية والتأويلية للكنائس. إن عوامل مثل التصورات غير النقدية لإسرائيل جنبًا إلى جنب مع التركيز على نموذج “البركات والازدهار”. تُهدّد السلامة الشخصية والمجتمعية والرفاهة الروحية. إن استخدام اللغة الروحية لوجهة نظر إفريقية للحياة عن عمد لتضليل الغانيين وأيّ أفارقة آخرين، يؤدي في الواقع إلى استعمار العقول والقلوب. إنه لا يحرر ولا يعزز الصالح العام.
إن تكلفة الولاء للصهيونية تشمل أيضًا الثمن المدفوع مقابل العنصرية. على سبيل المثال، يشعر المسيحيون في جنوب إفريقيا الذين عاشوا في ظل نظام الفصل العنصري، ويسافرون إلى فلسطين، بالصدمة عندما يكتشفون أن انطباعاتهم عن إسرائيل كانت ساذجة أو مضللة؛ حيث أعرب نائب الأمين العام لمجلس الكنائس الإفريقية المستقلة عن فزعه بعد زيارة إلى فلسطين مع مجلس الكنائس في جنوب إفريقيا (SACC) the South African Council of Churches على النحو التالي:
لقد وجدت قيادة الكنيسة أن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني مروعة! لقد أتقنت إسرائيل جيدًا نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وتفوقت فعليًّا على مهندسه Hendrik Verwoerd في التصميم والتطبيق! […] السؤال هو: ما مقدار القداسة التي لا تزال تمتلكها الأرض المقدسة؟
ومع ذلك، يزعم العديد من المسيحيين أن إسرائيل لا تطبق نظام الفصل العنصري بسبب الاختلافات العديدة مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ومع ذلك، فإن القانون الدولي، وليس الحالة في جنوب إفريقيا، هو الذي يُحدّد ما يُشكِّل نظام الفصل العنصري. ففي العقود الماضية، أطلقت العديد من التقارير على إسرائيل اسم نظام الفصل العنصري. ومؤخرًا، أوضح التحليل المنهجي القائم على الأدلة الذي أجرته منظمة العفو الدولية (2022م)، وهيومن رايتس ووتش (2021م)، وهيئة حقوق الإنسان الإسرائيلية، بتسيلم (2021م)، أن إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري على نطاق واسع، كما هو محدد في القانون الدولي. ومن غير المتصوّر أن يتبنَّى المسيحيون الأفارقة وجهات نظر لاهوتية تؤيد الاستعمار والفصل العنصري، ومع ذلك فهذه هي الحقيقة. وهذا الوضع لا يُطاق. كما أن تكلفة القيام بذلك تضع سلامة المسيحية على المحك.
هل الصهيونية صحية للمسيحية الإفريقية؟ The integrity of Christianity?
في جميع أنحاء العالم، يعمل المسيحيون المؤيدون للأساطير والخرافات الصهيونية على تنمية التعاطف مع دولة إسرائيل وانتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان على حساب الفلسطينيين. إن العديد من المسيحيين في إفريقيا -إن لم يكن معظمهم- لا يميزون بين شعب إسرائيل التوراتي ودولة إسرائيل الحديثة، وقد كان ذلك واضحًا في المجلس العام السادس والعشرين للاتحاد العالمي للكنائس الإصلاحية the World Communion of Reformed Churches (WCRC). والذي ضم ممثلو أكثر من 80 مليون مسيحي من جميع أنحاء العالم، الذين اجتمعوا في عام 2017م، في لايبزيغ بشرق ألمانيا، وكان من بينهم مندوبون من الكنائس الأعضاء من 34 دولة إفريقية.
في المناقشات العامة وغيرها، تحدث معظم المندوبين الأفارقة عن إسرائيل التوراتية والدولة الحديثة كما لو كانا كيانًا واحدًا. ومع ذلك، لا تقدم الدراسة التاريخية المتعمقة للمنطقة ولا التحليلات النقدية لوعود الأرض في الكتاب المقدس، التي أجراها Spangenberg and Van der Westhuizen (2018م)، أي دليل على الحدود الدقيقة لما يسمى بالأرض الموعودة؛ حيث حكمها المسلمون لأكثر من 1400 عام. في المقابل، سيطر الإسرائيليون واليهود والإسرائيليون على المنطقة لمدة 500 عام تقريبًا.
باختصار، لا يمكن إثبات صحة ادعاءات الصهيونية بالحقوق الخاصة في الأراضي المعروفة حاليًا باسم إسرائيل وفلسطين.
إن الحجج القائلة بأن إسرائيل لها كل الحق في كل الأرض لأسباب دينية أو تاريخية لا أساس لها من الصحة، وتُخفي تقدّمها الاستعماري الجديد “للسيطرة الجيوسياسية الغربية البيضاء على الشرق الأوسط”.
كما أن فكرة العرق اليهودي النقي الواحد غير مقبولة. وإن أسطورة الشعب اليهودي المتجانس الذي ظل موجودًا منذ 4000 عام تتجاهل التحولات والهجرات والزواج، وغير ذلك من أشكال الاندماج. وكما يقول Sand (2010م): لم تتمكن أيّ دراسة علمية بعينات من الحمض النووي من تحديد “علامة وراثية خاصة باليهود، ومن غير المرجح أن تتمكن أي دراسة من ذلك”.
ووفقًا للأدلة التاريخية، ينحدر معظم اليهود المعاصرين من المهاجرين الذين انتشرت أراضيهم الأصلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، ومفاهيم مثل إرث إسرائيل وعلياها -Eretz عليا (بالعبرية: עלייה) (ويعني: الصعود)؛ مصطلح عبري صهيوني، يشير إلى الهجرة اليهودية إلى أرض الميعاد([4]) -Israel and aliyah هي بنيات أيديولوجية تروّج للإمبريالية الصهيونية.
وإن تبني هذه الادعاءات يعني رفض اللاهوت والروحانية الشاملة للإنجيل، وتحويل الكتاب المقدس إلى كتاب تاريخ علماني ثابت في الزمان والمكان لرفع شأن اليهود ومنحهم امتيازات على جميع الآخرين. كما أنها تتجاهل الرابطة الكونية غير الهرمية بين جميع الناس، وتعارض معتقدات الفلسطينيين والمسيحيين الآخرين في إله رحيم يُقدِّر جميع البشر على قدم المساواة، وتتجنَّب المسؤوليات الكنسية والشخصية للتصرف بشكل نبوي في أوقات الظلم.
يؤكد القرار 55 الصادر عن المجلس العام السادس والعشرين لاتحاد الكنائس الإصلاحية العالمية أنه “فيما يتعلق بحالة الظلم والمعاناة القائمة في فلسطين، وصرخة المجتمع المسيحي الفلسطيني، فإن سلامة الإيمان والممارسة المسيحية على المحك” (29 يونيو 2007م).
وقد حدّد المجلس ست خطوات عمل، بما في ذلك توجيه أمانة المجلس العالمي للمسيحيين لبدء برنامج دراسة وتمييز لتثقيف المسيحيين بشأن هذه المسألة. كما شجَّع الكنائس على تقييم “علاقاتها التبشيرية والتعليمية والاستثمارية مع إسرائيل وفلسطين في ضوء شهادة المسيحيين الفلسطينيين”، والاستجابة على أساس واجب الطائفة الإصلاحية في احترام حقوق الإنسان العالمية. وفي إدراك للحاجة إلى الاستماع إلى المسيحيين الفلسطينيين والتفاعل معهم، طلب المجلس من لجنته التنفيذية، بمساعدة الكنائس الأعضاء، تعزيز وتمكين الزيارات إلى المسيحيين الفلسطينيين لمشاهدة واقعهم، وإيجاد السبل لمساعدتهم في نضالهم من أجل الحرية.
ورغم أن هذا القرار تم تبنّيه بالإجماع مِن قِبَل المندوبين، فإن أغلب المندوبين من إفريقيا (باستثناء الجنوب إفريقيين)، امتنعوا عن التصويت. ولكنّ رجال الدين من جنوب إفريقيا الذين قدَّموا مساهمات قيِّمة في المناقشات وصوَّتوا لصالح القرار، كشفوا في مناقشات خاصة أن العديد من المسيحيين، إن لم يكن أغلبهم، في طوائفهم، وفي بقية جنوب إفريقيا، يخلطون بين إسرائيل التوراتية والدولة الحديثة، ويخلطون بين بني إسرائيل في الكتاب المقدس واليهود المعاصرين.
في الواقع، في العديد من المناسبات استمع المؤلف إلى مسيحيين من جنوب إفريقيا يقبلون فكرة أن تحقيق النبوءات التوراتية يعني أن اليهود المعاصرين يجب أن يعودوا إلى دولة إسرائيل. يعتقدون أن الله لديه خطة خاصة لليهود؛ ولأن هذا المسار مرسوم من الله، فلا يجوز للمسيحيين الحكم عليه. هذا المنطق السببي مدعوم بأسطورة اليهود كشعب متجانس، وفكرة أن دولة إسرائيل هي دولة مرسومة من الله، تتطلب معاملة خاصة.
على مستوى العالم، يتمسك بهذه المبادئ وغيرها من مبادئ الصهيونية المسيحية على نطاق واسع البروتستانت، من التقدميين إلى المحافظين. العديد من المسيحيين الذين لا يرتبطون بالصهيونية المروعة، يرتبطون أيضًا بالأساطير الصهيونية. وهذا يعزّز دون علم من أخلاقيات التمييز الخطيرة التي تنتهك الرسالة المسيحية الأساسية التي مفادها أن جميع البشر، الذين خلقوا على صورة الله، متساوون في القيمة.
لقد طلب المسيحيون الفلسطينيون مساعدة مسيحيي العالم منذ ديسمبر 2009م عندما أطلقوا ما يُعرَف بوثيقة كايروس فلسطين the Kairos Palestine Document. “كانت لحظة الحقيقة: كلمة إيمان وأمل ومحبة من قلب معاناة الفلسطينيين”، مستوحاة من وثيقة كايروس الجنوب إفريقية لعام 1985م. وقد أدى هذا اللاهوت التحريري للفلسطينيين بدوره إلى إحياء حركة كايروس النبوية في جنوب إفريقيا a prophetic Kairos movement in South Africa في أوائل عام 2011م، وفي وقت لاحق أيضًا في سوازيلاند وزيمبابوي وكينيا وملاوي ونيجيريا وفي قارات أخرى. كل هذه الحركات تستجيب للنضالات في سياقاتها الخاصة وللأزمة في فلسطين وإسرائيل.
في إفريقيا، تتكون المجموعات المعنية من أفراد من طوائف مختلفة، يسهمون في ذلك على أساس تطوعي. ففي جنوب إفريقيا، كان للاتحاد العالمي للكنائس الإصلاحية أيضًا دور رائد في توعية الكنائس الأعضاء.
على مر السنين، أسهمت حركة كايروس في جنوب إفريقيا في ورش العمل والمؤتمرات التي قدّمها الاتحاد، ورافقت قادة الكنيسة إلى إسرائيل وفلسطين. لقد أصدرت بعض الكنائس في جنوب إفريقيا -بما في ذلك الكنيسة الإنجيلية والكنيسة المتحدة والكنيسة الإصلاحية الموحدة والكنيسة الميثودية- بيانات لدعم السلام العادل للفلسطينيين، لكنّ معظم الكنائس الأعضاء في الاتحاد لم تفعل ذلك، وسيتم تناول هذه المسألة في مقال قادم.
إنه من الضروري الآن التأكيد على أنه حان الوقت لتقييم تكلفة الولاء -سواء في العمل أو من خلال اللامبالاة- للصهيونية بشكل نقدي، فلا يمكن تبرير الدعم المسيحي للصهيونية أخلاقيًّا. أليس من الضروري للمسيحيين من إفريقيا –بما يشمل رجال الدين والعلماء والمعلمين وأعضاء الكنيسة- أن يتعرفوا على الواقع، وأن يميزوا، وأن يراجعوا المناهج التأويلية التي تخلط بين إسرائيل التوراتية والدولة الحديثة أو تغذّي اللاهوت بمعايير مزدوجة؟
وكذا هل حان الوقت الآن لدراسة ومناقشة المناهج التأويلية التي تخلط بين إسرائيل التوراتية والدولة الحديثة أو التي تغذي اللاهوت الذي يتبنَّى معايير مزدوجة؟ ألم يَحِن الوقت لدراسة ومراجعة لاهوت التحرير في “لحظة حقيقة: كلمة إيمان وأمل ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية” (كايروس فلسطين 2009م)؟
الخلاصة:
إن الصهيونية لا تقتصر على الكيانات الجيوسياسية لإسرائيل وفلسطين. كما أنها ليست مجرد مسألة تمييز عنصري منهجي ضد العرب أو محاولة لخلق ملاذ لليهود. وباعتبارها مشروعًا للاستعمار الجديد، تتجاوز الصهيونية حدود إسرائيل وفلسطين إلى عوالم أخرى، بما في ذلك إفريقيا وكنائسها.
وكما تُعزِّز العديد من البلدان العلاقات مع دول أخرى لتنفيذ أجنداتها على الساحة الدولية، لكن دولة إسرائيل قد تكون الكيان الوحيد اليوم الذي تسلَّل إلى المعتقدات المسيحية لأكثر من سبعة عقود لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة.
إن قبول مساعدات التنمية الإسرائيلية والصفقات التجارية والاتفاقيات العسكرية قد يحدث دون النظر إلى تكلفة القيام بذلك، بما يشمل الموافقة الضمنية للقمع الممنهج ضد الفلسطينيين. كما أنه ينتهك روحانية القارة التي تسعى إلى تحقيق الرفاهية الشخصية والمجتمعية والدينية والمادية الأصيلة.
إن المكاسب التي تجنيها الشعوب من الشراكة مع دولة تحتل شعبًا آخر، وتضطهد شعبًا آخر؛ تُعيد إليها قيود العبودية وقيود الاستعمار من خلال التأييد الديني للإمبريالية الجديدة والفصل العنصري. وكأن المسيح صُلِبَ مرة أخرى -على حد وصف المؤلف-، ولكن هذه المرة في إفريقيا.
إقرأ أيضا: السنوار السياسي البراغماتي