السلطة الفلسطينية

حل الدولتين.. أمنية إسرائيلية!

حتى لا ننسى، كان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى قيام دولة فلسطينية

ما يقرب من خمسة أشهر من حرب مفتوحة مستعرة على غزة، فتحت أبواب جهنم على الشعب المعذب والمرحل من منطقة إلى أخرى، فلا أمان ولا حياة هناك، خصوصاً بعد أن خلفت الحرب نحو 30 ألف شهيد وحوالى 70 ألف جريح، وما زالت الحصيلة في ارتفاع لحظي.

وكلما تأزم الوضع في غزة، تجدد الحديث عن إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين. وبعد أن كان حلماً بعيد المنال للشعب الفلسطيني، أصبح فكرة حقيقية قد تلامس الواقع، وظهر هذا في تجديد الولايات المتحدة الأميركية دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية. فبالرغم من دعم أميركا اللامتناهي لتل أبيب في حربها على غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، رداً على هجوم غير مسبوق لحركة حماس، إلا أنها ترحب ولأول مرة بإقامة دولة فلسطينية.

ويبدو أن مع اشتداد الحرب وسقوط المدنيين قتلى وجرحى يومياً وتشريد آلاف الأسر والأطفال، عدلت واشنطن من نبرتها بصورة طفيفة في الأيام الأخيرة للتخفيف من وطأة الحرب على المدنيين الفلسطينيين.

ربما ما يؤكد النية الأميركية تلك هي زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إسرائيل خلال جولته الثانية إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب، فدعا إلى “هدنة إنسانية” تسمح بإدخال المساعدات الدولية إلى القطاع المحاصر الذي يواجه وضعاً كارثياً، كما قال في تل أبيب إنَّ حل الدولتين هو الطريق “الوحيد” لتسوية النزاع… فهل تستجيب تل أبيب؟

لا يتوقع أكثر المتفائلين استجابة إسرائيلية في ظل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يتلذذ بمشاهدة دماء الأطفال الذين تقتلهم آلة الإبادة الإسرائيلية يومياً، ومن غير المتوقع أيضاً أن تنجح المبادرة الأميركية بعد سنوات من الفشل إلا برحيل حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو لأنه أشد المعارضين لفكرة قيام دولة فلسطينية.

حتى لا ننسى، كان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى قيام دولة فلسطينية، لكنه وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات، وباتت السلطة الفلسطينية في موقف ضعيف، ولم تعد تمارس سوى سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة منذ عام 2007.

ولم تتخل إسرائيل عن خطتها الاستعمارية، فاحتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في حرب عام 1967، وضمت فيما بعد القدس الشرقية وسحبت قواتها ومستوطنيها من غزة، لكن بموجب اتفاقية أوسلو للسلام، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وعاش أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأرض التي يريد الفلسطينيون، إلى جانب المجتمع الدولي، إقامة دولة فلسطينية مستقبلية عليها، إلى جانب غزة.

وبالنظر إلى دعوة أميركا الأخيرة لحل الدولتين، فربما تشير إلى بصيص أمل، لكنه يحتاج رؤية واتفاقاً إطارياً يلزم إسرائيل بالتخلي عن سياسة التعنت والجلوس إلى مائدة واحدة من أجل وضع حد للحروب المتواصلة على أرض فلسطين من ناحية، ولخلق هدوء في الداخل الإسرائيلي من ناحية أخرى، خصوصاً بعدما كشف استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في وقت سابق هذه السنة أن 36 بالمئة فقط من الإسرائيليين يعتبرون أن بإمكان الدولة العبرية التعايش سلمياً مع دولة فلسطينية مستقلة.

أما حماس فملزمة هي الأخرى – في حالة التوافق والوفاق – بالقبول بحل الدولتين، ويعد مؤشراً جيداً لإقامة دولة فلسطينية مستقبلاً. لكن ما يدعو إلى التفاؤل أيضاً، هو التفاف العرب حول الفكرة، بحل الدولتين حول هذا لإنهاء أوجاع الفلسطينيين، فقوبلت هذه الدعوة بترحيب عربي واسع، وبناء على ذلك قادت مصر وقطر مفاوضات بين حماس وإسرائيل من أجل التوصل إلى هدنة، كلبنة أولى لتحقيق التوصية الأميركية بحل الدولتين.

ويبدو أنَّ هذا المقترح هو السبيل الأوحد لحل عادل ودائم للصراع في الشرق الأوسط لتحقيق سلام شامل بين الجانبين، فمسار حل الدولتين بالتأكيد يواجه الكثير من العوائق في ظل رفضه من قبل إسرائيل بشكل صريح، لكنه سيكون بالتأكيد الحل الوحيد لمصلحة الجميع قبل أن تنفجر الأوضاع في الشرق الأوسط وتنعكس سلباً على الدول الغربية.

مسك محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى