يبدو أن معركة الخلافات بين تيارات حركة حماس أصبحت مرصودة بوضوح من قبل أجهزة استخباراتية، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن حماس الخارج تبحث عن بديل ليحيى السنوار، في سياق متصل بظروف الحركة المتأزمة في أرض المعركة، والذي ساهم في غياب الاتصال والتواصل منذ أكثر من شهرين بين ما يسمى حماس الخارج وقيادة الحركة في غزة ورأسيها السياسي والعسكري.
من جهتها ردت الحركة سريعا، وعلى لسان أحد قادتها من قطر، بالنفي على تصريحات غالانت، دون تقديم سردية بديلة مقنعة عن حلقات التسريبات التي كانت ظاهرة قبل السابع من أكتوبر وتطورت بعده، حول حقيقة عدم التوازن بين تيارات الحركة وتحولها بسبب البعدين الجغرافي والمادي إلى انقسامات عميقة ضاربة أسس البيت الحمساوي.
خلافات تيارات حماس، تناولها كاتب هذا المقال مسبقا عبر صفحات “العرب” اللندنية بسلسلة مقالات تحت عناوين: مملكة حماس المنقسمة، وتيارات حماس، وحتمية الصراع بعد انتهاء الحرب.
واليوم، ومع توهج نيران الصراع بين تيارات الحركة لعوامل عديدة، لعل أهمها يندرج تحت بند نتائج الحرب التي أنهكتها وأثرت على حجمها داخل القطاع ومواردها المالية ومكانتها السياسية، بالإضافة إلى تولد حنق وسخط شعبييْن أخذت ملامحهما تطفو على واقع الجوع والخوف والموت وركام البيوت والبنية التحتية المدمرة، نجد أن حماس في طريقها نحو مصيرها المحتوم، بصراع تياراتها وتفتت مكوناتها، كحركات وأحزاب سبقتها في الوصول إلى صيغ حكم مشوه لمناطق جغرافية في أقاليم مختلفة من العالم.
وكما يتوقع محللو السياسة وكتابها، بأن تفرض الحرب تغيّرات على الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة في تل أبيب، فإنها أيضا ستنال من حركة حماس وقادتها وعناصرها.
تدرك حماس أنها ليست نظاما سياسيا في دولة لتتم محاسبتها واستبدالها بالطرق الديمقراطية، بل هي ميليشيا قمعية يحكمها المال وقوة السلاح المسلط على رقاب الشعب المقموع بتسلط أدعياء الدين والوطنية، لذلك ستلجأ الحركة إلى تصفية يحيى السنوار كأمر مفروض لتتخلص من السخط الشعبي الذي تزداد وتيرته، إما عن طريق الجيش الإسرائيلي أو تصفيته من داخل دائرته المغلقة، في سبيل حماية بقائها ورفع أسهمها داخل القطاع كقوة حاكمة، بالتضحية بالمخطط الأول للسابع من أكتوبر.
تصفية السنوار، أصبحت حاجة ملحة لتيار الحركة في الخارج ومناصريه داخل القطاع، من نواح عديدة، فانفراده بقرار الحركة في الحرب والتفاوض، أظهر قادة حماس الخارج كمهمشين لا يملكون القدرة على الخروج عن الخطوط السياسية التي رسمها أو حتى التنازل لو قليلا في بعض جوانبها، مما سبب لهم حرجا سياسيا أمام الحلفاء قبل الخصوم.
من ناحية أخرى أصبح اليقين يتملك قادة حماس الخارج وعلى رأسهم إسماعيل هنية وخالد مشغل، بأن انقلابا سيجريه السنوار داخل الحركة يبعدهم تماما عن المكتب السياسي، خاصة وأن الأساليب الدعائية التي يستغلها تمنحه شعبية جماهيرية ستنعكس على نفوذه وتأثيره داخل الحركة ومكتبها السياسي.
مصادر داخل الحركة سربت لوسائل إعلام عن الشخصية المطروحة بديلا للسنوار، روحي المشتهى، رفيقه في الزنزانة، وصاحب تاريخ مماثل لتاريخه ومقبول كبديل له في أوساط الحركة.
مجددا، التصدعات داخل حماس تتجه نحو الصدام العسكري وسياسات التصفيات بين صفوف قادة الحركة، لمعالجة تداعيات الحرب التي نالت من قدراتها وشعبيتها وقبولها لدى حلفائها الذين سيضغطون على تياراتها لحسم الصراع لصالح أحدها.