المغرب

هل انتهى الخلاف المغربي التونسي؟

لم تحدث المصافحة بين رئيس الحكومة المغربية ووزير الخارجية التونسي بشكل عفوي وتلقائي أو بمحض الصدفة. لقد أعد الجانبان لها جيدا.

وما الذي يثبت ذلك أو يؤكده؟ هل أصدر البلدان، مثلا، بيانا مشتركا قالا فيه إنهما يقران، بشكل فوري وبدءا من تاريخه، عودة سفيريهما إلى السفارتين المغربية والتونسية، بعد أن دُعيا قبل عدة شهور للتشاور، وأعلنا عن عزمها الراسخ على تقوية علاقاتهما وتطويرها، والتزام كل واحد منهما باحترام سيادة الآخر، وعدم المس بمصالحه أو الإضرار بها؟

أليس من المبكر جدا الحديث، في تلك الحالة إذن، عن نهاية ما قد يصفه البعض بسوء الفهم الكبير بين تونس والرباط؟ ربما علق البعض قائلا إن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. ثم ألا تدل عدة وقائع من التاريخ المعاصر للبلدين على أن العلاقات المغربية التونسية، حتى وإن اضطربت أو أصيبت بنكسات أو عرفت حالات من الفتور في بعض المرات، إلا أنها سرعان ما كانت تستعيد قوتها وعافيتها بسرعة، لتبقى كل تلك المشكلات، في الأخير، مجرد قوس قصير ومحدود في سجلهما الواسع والطويل؟

قد يضيف آخرون أن السؤال اليوم وفي ظل الوضع الحالي الذي تعرفه تلك العلاقات هو هل يمكن للمصافحة التي حدثت في فرنسا، الخميس الماضي، بين رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش ورئيس الديبلوماسية التونسية نبيل عمار، بمناسبة حضورهما الاحتفالات بالذكرى الثمانين للإنزال البحري للحلفاء في منطقة بروفانس، أن تطوي بسرعة وسهولة صفحة الجفاء الطويلة نسبيا، التي بدأت بينهما رسميا قبل عامين، حين اعتبرت الرباط استقبال الرئيس التونسي لمن وصفته بقائد الانفصاليين، أي زعيم البوليساريو إبراهيم غالي، في إطار القمة اليابانية الإفريقية، التي احتضنتها تونس، «فعلا خطيرا غير مسبوق يؤذي مشاعر المغاربة». وقررت تبعا لذلك أن تسحب سفيرها المعتمد في العاصمة التونسية للتشاور.

ربما قد يتطلب الأمر وقتا إضافيا حتى يمكن الجزم بذلك. فبالنسبة للمغاربة قد لا تكون تلك المصافحة الودية كافية لعودة المياه إلى مجاريها بين العاصمتين. فحتى وإن عد ذلك اللقاء الأعلى والأرفع من نوعه بين مسؤولي البلدين في السنتين الأخيرتين على الأقل، فإنه قد لا يمثل مؤشرا قويا وثابتا على أن الطريق باتت ممهدة بالكامل أمام عودة السفير المغربي المعتمد في تونس إلى السفارة المغربية، والإعلان بالتالي عن طي صفحة وفتح أخرى بين البلدين المغاربيين، وهذا ما يمكن استنتاجه من الطريقة التي تعامل بها الإعلام المغربي مع الخبر، إذ لم يتوسع في شرحه أو الخوض في تفاصيله، واكتفى فقط بنقله عن بعض المصادر الإعلامية التونسية. بل إن موقعا إعلاميا مغربيا معروفا مثل «هسبريس» فضل التعليق على صورة مصافحة أخنوش لعمار بالشكل التالي: «وزير الخارجية التونسي يتودد للمغرب»، ما أثار عدة نقاط استفهام حول الهدف من وراء ذلك.

كما إن التونسيين قد لا يبدون مستعدين أو جاهزين، الآن على الأقل، للمجازفة بإغضاب من يطلق عليها إعلامهم وصف الشقيقة الكبرى أي الجزائر، وذلك من خلال الاستجابة مثلا لبعض الطلبات أو الشروط، التي قد يضعها المغاربة أمام تطبيع كامل للعلاقات معهم من قبيل الاعتراف مثلا بخطأ استقبال رئيسهم لزعيم البوليساريو. ولأجل ذلك فقد فضلوا الحديث عن ذلك اللقاء في سياق لقاءات أخرى جمعت رئيس ديبلوماسيتهم بعدد من الشخصيات، التي حضرت احتفالات فرنسا، إذ ذكر بيان خارجيتهم أن عمار كانت له محادثة في تلك المناسبة مع الرئيس ماكرون والتقى أيضا «بعدد من رؤساء الوفود المشاركة ومنهم رئيس التوغو ورئيس الغابون ورئيس الكاميرون وأمير موناكو ورئيس الحكومة المغربية… وقد مكنت هذه اللقاءات من تبادل وجهات النظر حول المسائل المتعلقة بالتعاون الثنائي وأهم القضايا الإقليمية والدولية».

لكن الثابت هو أن المصافحة، التي جرت في سان رفائيل، لم تحدث بشكل عفوي وتلقائي أو بمحض الصدفة. لقد أعد الجانبان التونسي والمغربي لها جيدا. ولم يكن اختيارهما للموعد والمكان بالأمر العرضي أو العبثي. فقد كانت هناك أكثر من فرصة لاجتماعهما في توقيت ومكان آخرين. وهذا ما قد يطرح السؤال عن سبب اختيارهما لفرنسا بالذات. فهل كان غياب الجزائر عن تلك المناسبة، أي مناسبة الاحتفال بالإنزال البحري للحلفاء، عاملا مساعدا في حصول تلك المصافحة؟ ثم ما الدور الذي قد تكون لعبته باريس في تحفيز الطرفين على تسريع عملية تقارب بطيئة، انطلقا فيها قبل عدة شهور، من خلال بعض الإشارات التي تم تبادلها بين العاصمتين، وفهم منها أنهما يتطلعان إلى إنهاء الوضع الحالي لعلاقتهما؟

من غير المستبعد أن يكون الفرنسيون الذين عرفت علاقاتهم أواخر الشهر الماضي هبوطا حادا مع الجزائر، مقابل صعود مدو مع الرباط، بعد أن أقر رئيسهم في رسالة تاريخية إلى العاهل المغربي بأن «حاضر الصحراء الغربية ومستقبلها يندرجان في إطار السيادة المغربية»، قد التقطوا بعض الإشارات ليثبوا من خلال تسهيلهم، على الأقل، لعقد ذلك اللقاء، أنه لا يزال بمقدورهم أن يلعبوا دورا ما في الخلافات المغاربية. لكن الاتصالات بين الجانبين المغربي والتونسي ومحاولات ردم الهوة بينهما لم تبدأ في سان رفائيل بل انطلقت قبلها بعدة شهور وبعيدا عن فرنسا.

لقد كانت أوضح صورة لها هي تصريح نبيل عمار لصحيفة الشروق التونسية في أكتوبر من العام الماضي، قال فيه وردا على سؤال وجهته له الصحيفة حول العلاقات بين تونس والرباط إنه «ليست هناك قطيعة مع المغرب الشقيق وليست هناك عداوة»، قبل أن يضيف أنه «وبالوقت سيعود السفيران إلى سفارتيهما». ثم يقول بعدها «أطمئن الجميع كلانا لا نلتفت إلى الوراء وتونس لم تغير موقفها منذ عشرات السنين، (في إشارة إلى الموقف التونسي من نزاع الصحراء). المهم ليست هناك قطيعة بيننا وبين المغرب».

ورغم أنه لم تصدر من الجانب المقابل تصريحات مماثلة، إلا أن كثيرين نظروا إلى الطريقة، التي تم بها الاتفاق في مايو/أيار الماضي على تعيين الديبلوماسي التونسي طارق بن سالم على رأس الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، التي تحتضن العاصمة المغربية الرباط مقرها «باقتراح من رئيس الجمهورية قيس سعيد وبعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد»، مثلما أشار إلى ذلك بيان الخارجية التونسية، على أنها تعكس حرص المغرب على الحفاظ على علاقاته مع تونس ورغبته في أن يذوب الجليد معها.

لكن حتى وإن تفهم المغاربة مخاوف التونسيين من أن تضرر علاقاتهم مع الجزائر في صورة قيامهم بتحرك أقوى من قبيل إيفاد مسؤول كبير إلى الرباط أو نقل رسالة للعاهل المغربي، فإنه سيكون من الصعب جدا عليهم أن يقبلوا بعودة العلاقات مع تونس إلى ما كانت عليه في السابق دون أن تقدم الأخيرة تطمينات ما حول موقفها من النزاع الصحراوي. والمؤكد أنه مع التداعيات التي أثارها الموقف الفرنسي الجديد من تلك القضية، إلا أن محاولة مسك العصا مجددا من الوسط قد لا تبدو سهلة أبدا. أما كيف سينتهي الخلاف؟ فلا مناص من أن ننتظر لنرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى