السودان

السودان في طي النسيان

السودان اليوم في مسار الأزمات الدولية هو عبارة عن أزمة انسانية، مجردة من الأبعاد السياسية. كل الكلام الصادر عن الجهات الدولية يختص بالنواحي الإنسانية.

أطلق وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه تحذيراً الأسبوع الماضي، من تحول السودان إلى “أزمة منسية”، وذلك في معرض إعلانه نية فرنسا عقد اجتماع وزاري في منتصف نيسان (أبريل) لمساعدة السودان والدول المجاورة على مواجهة تداعيات الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، والدفع بالجزء الأعظم من السودانيين إلى شفا الجوع.

منتصف نيسان يصادف مرور عام على اندلاع الحرب بين قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”. ولن يكون من قبيل المصادفة أن تختار باريس عقد الاجتماع الوزاري في الذكرى السنوية الأولى لحرب الجنرالين.

والمؤسف فعلاً أن السودان في ظل تطورات وأحداث دولية داهمة مثل غزة وأوكرانيا، تحول فعلاً إلى أزمة منسية، لم تعد تستأثر بأي جهد سياسي لا إقليمي ولا دولي من أجل دفع المتنازعين إلى بدء حوار جدي يدرأ عن المواطنين غائلة الموت إما قتلاً أو جوعاً.

رئيسة مجموعة الأزمات الدولية كومفورت إيرو، أوردت السودان مثالاً عن الدول التي ابتعدت عنها السياسة. وقالت: “هناك أماكن لا تعمل فيها الدبلوماسية، إذ إن دينامية ميدان المعركة تتحرك في اتجاه آخر، في الاتجاه الخاطئ. السودان، على سبيل المثال، هو حالة كلاسيكية حيث غالباً ما يتم وضع الدبلوماسية جانباً وحيث هناك تفضيل للحرب”.

كلام لا يطمئن إلى مستقبل السودان، ولا يبعث بأدنى مؤشر الى الأمل بأن يرى السودانيون الضوء في نهاية النفق قريباً.

السودان اليوم في مسار الأزمات الدولية هو عبارة عن أزمة انسانية، مجردة من الأبعاد السياسية. كل الكلام الصادر عن الجهات الدولية يختص بالنواحي الإنسانية فحسب. وعلى سبيل المثال، تقول الأمم المتحدة إن 25 مليون نسمة في السودان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية، بينما فر أكثر من 1.5 مليون شخص إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان. وحضت الدول على جمع 4.1 مليارات دولار لتلبية احتياجات المدنيين السودانيين.

وتحذر منظمة الصحة العالمية بدورها من أن مناطق النزاع في السودان معرضة لخطر مجاعة “كارثية” بين نيسان وتموز (يوليو)، وهي “فترة عجاف” بين موسمي الحصاد، في وقت يكافح الملايين هناك من أجل إطعام أنفسهم.

منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، اعتبر الأسبوع الماضي أنه حقق نجاحاً مهماً عندما حصل على موافقة طرفي النزاع على اللقاء في الأيام المقبلة، على الأرجح في سويسرا، للبحث في إيصال المساعدات الإنسانية.
والأفظع من كل ذلك، جاء إعلان منظمة “أطباء بلا حدود” عن أن طفلاً يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للنازحين في دارفور بغرب السودان حيث يسود “وضع كارثي”.

وأعلنت التشاد “حالة طوارئ غذائية” في أنحاء أراضيها، مع تدفق أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني خلال عشرة أشهر هرباً من الحرب.

يمكن المجتمع الدولي أن يتخذ من حربي غزة وأوكرانيا عذراً لعدم الاهتمام السياسي بالسودان. لكن هذا إجحاف بحق الغالبية العظمى من 40 مليون سوداني لا يريدون حرباً فرضت عليهم، من قبل قادة أعمتهم السلطة فتوسلوا كل شيء للحصول عليها ولو كان الثمن إراقة دماء الناس في حرب أهلية أخرى، لن تقود إلى نتائج أفضل مما قادت إليه حروب أهلية سابقة في السودان.

صحيح أن العالم يعيش منذ سنوات تفجراً لصراعات ونزاعات لم يَشهد لها مثيلاً منذ انتهاء الحرب الباردة وهيمنة القطب الأميركي الواحد، إنما هذا يجب ألا يسقط من الحسابات أن العالم فعلاً كما يصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد دخل مرحلة “الفوضى”.

وليس أدل على هذه الفوضى، إلا تحول حروب مميتة مثل حرب السودان ونزاعات أخرى في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، إلى أزمات منسية.

أسعد عبود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى