أثناء تجمع شعبي كبير في فيلادلفيا وبعد ساعات قليلة من تسميتها رسمياً كمرشحة الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، قدمت نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحها المختار ليكون نائب الرئيس حال فوزها في الانتخابات خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إنه تيم وولز حاكم ولاية مينيسوتا – الواقعة في وسط الولايات المتحدة الأميركية والمؤيدة بقوة للحزب الديمقراطي، والتي تعد بامتياز من بين ولايات العبور وليست مقصداً رئيساً – ولديه طابع أميركي مثالي للغاية، إنه جندي سابق في قوات الحرس الوطني وأستاذ المدرسة السابق ومدرب فريق كرة القدم السابق، ورب العائلة المتزوج من امرأة تعمل كمعلمة مدرسة.
من خلال اختيارها وولز الذي يعد من جيل هاريس ويبلغ من العمر 60 سنة مقارنة بهاريس والبالغة 59 سنة، رفضت هاريس الاستماع للنصيحة القائلة بضرورة اختيار مرشح لنيابة الرئيس يتحدر من إحدى الولايات المتأرجحة، والذي يكون قادراً على حشد أصوات المجمع الانتخابي [هو المجمع الذي ينتخب الرئيس الأميركي وتمتلك كل ولاية عدداً محدداً من الأصوات حسب نسبة سكانها] المصيرية، في حال كانت نتائج الانتخابات متقاربة جداً. وكانت الترشيحات المفضلة هي جوش شابيرو الحاكم الديمقراطي لولاية بنسلفانيا، والتي تبلغ حصتها 19 صوتاً من أصوات الممثلين في المجمع الانتخابي، إضافة إلى مارك كيلي وهو سيناتور ديمقراطي عن ولاية أريزونا.
في الأقل بعض من حساباتها [المتعلقة بخيارها] ظهرت بصورة واضحة في أول حدث انتخابي جمع هاريس إلى جانب وولز مساء الثلاثاء الماضي، إذ توجب عليه أن يقف بصورة بدا عليها الإحراج على المنصة فيما كانت تلقي كلمة دامت نصف ساعة تمتدح خلالها شخصيته.
أولاً، إنه شخصية لديها ميزات عديدة تفتقرها إليها. فهو من أصول متواضعة ويتحدر من المقاطعات البعيدة والأرياف وتربى في مزرعة بولاية نبراسكا، علماً أن والدي هاريس كانا أكاديميين في ولاية كاليفورنيا. وخدم في الجيش. وهو أيضاً رب عائلة – يذكر أن كلا المرشحين ترمب ونائبه فانس كانا أشارا إلى عدم وجود أطفال لدى هاريس وتاريخ علاقاتها العاطفية المعقد، باعتبارهما نقطتي ضعف تحسب ضدها (وهو قد يكون كذلك في أوساط المحافظين الأميركيين). وهو أيضاً متحدث لبق أكثر من المرشحة هاريس مما سمح له بإطلاق النكات الساخرة. والأمر الأكثر وضوحاً أنه ذكر أبيض البشرة، والذي سيسمح “بموازنة” حملة انتخابية ترأسها امرأة من خليط عرقي.
إن تسمية هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي وهي التي بنت مسيرتها المهنية من خلال العمل في مجال القانون والسياسية داخل ولاية كاليفورنيا، أقصى فعلياً عدداً من الأشخاص الذين كان يمكن أن يكونوا مرشحين واعدين خلال عام انتخابي آخر. من بين هؤلاء غريتشن ويتمر حاكمة ولاية ميشيغان (وهي ولاية متأرجحة مهمة جداً)، التي كان يمكنها أن تكون خياراً جيداً، ولكن ذلك كان ليعني خوض حملة انتخابية نسائية بالكامل. وكان هناك أيضاً غافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا الذي كان يمكنه أيضاً أن يكون في الإطار. لكن نكرر، إن تشكيل حملة انتخابية مكونة من فريق يتحدر بأكمله من كاليفورنيا كان سيلقى صعوبة في حشد أصوات الناخبين بطول الولايات المتحدة الأميركية وعرضها.
وما دامت الولايات المتحدة غير جاهزة لحملة انتخابية نسائية بالكامل فإنها على الأرجح غير جاهزة أيضاً لحملة تقودها امرأة من خليط عرقي، ورجل مثلي جنسياً. إن بيت بوتيجيج وزير النقل الأميركي في الإدارة الأميركية الحالية كان قد خاض غمار الترشيحات في الانتخابات الحزبية التمهيدية قبل أربعة أعوام، وكان حينها عمدة محبوباً لمدينة ساوث بيند في ولاية إنديانا. بوصفه رجلاً من مجتمع الميم فإن تسميته – إما لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس – هو أمر يمكن تخيله في الولايات المتحدة اليوم، ولكن ليس هذا العام. عندما رست الأمور على ترشيح هاريس للرئاسة كان من المؤكد أن رجلاً أبيض غير مثلي سيرافقها، وهكذا جرى.
هناك اعتبارات أخرى أيضاً ربما لعبت دوراً في منح وولز أفضلية مقارنة بغيره من الاختيارات الممكنة ليكونوا نائب هاريس في السباق الرئاسي، أحدها هو حدة خطابه بوجه دونالد ترمب بوصفه مرشحاً عن الحزب الجمهوري ونائبه جي دي فانس.
وفيما بدا وكأنه سطر عابر وصف [وولز] كلاً منهما بأنه “غريب الأطوار”، وهو مصطلح حظي بصداه الفوري بين المواطنين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أنه سيظل كذلك. تعني بدايات وولز أن فانس – الذي نشأ في بيئة سادها اختلال كبير – لم يعد يحتكر وحده قصة البدايات المتواضعة والجاذبية التي لا شك تمثلها هذه القصص لدى الناخبين الأميركيين، كما يشهد على ذلك بيل كلينتون وباراك أوباما في العصر الحديث. ويتمتع وولز بوضعية صلبة، تعكسها مسيرته المهنية وسمعته، مما يجعله متناقضاً بصورة كبيرة مع ترمب.
وربما الأمر الآخر الذي لديه صلة بالموضوع يمكن أن يكون سجل عمل وولز في ولاية مينيسوتا، إذ قاد الولاية بوصفه ومن دون خجل شخصية ليبرالية تقدمية، إذ أمن وجبات إفطار وغذاء مدرسية مجانية لكل الأطفال ودافع عن “حق المرأة في الاختيار”، وذلك بعد قرار المحكمة العليا الأميركية التراجع عن السماح بالإجهاض بوصفه حقاً دستورياً فيدرالياً، وضمانه توفير تأمين صحي واسع النطاق. وفي هذا الشأن تحدث في أول ظهور علني له بوصفه المرشح الديمقراطي لنيابة الرئيس عن تجربته وزوجته مع التلقيح الاصطناعي.
وفي غالبية هذه المواضيع يقف وولز على النقيض من المرشح فانس الذي يمثل خليطاً من كونه شخصية مكافحة عصامية وكاثوليكياً محافظاً، إذ يتكامل مع المرشحة هاريس وآرائها الليبرالية – والتي يعدها البعض بأنها ليبرالية جداً – كي تنجح في جذب أي من أصوات الجمهوريين، ولكن ذلك سيبقى رهن الوقائع والنتائج المقبلة.
لكن ما يتأطر ليصبح انقساماً أيديولوجياً حاداً بين المعسكرين قد يعني ليس فقط أن الناخبين الأميركيين سيكونون أمام اختيار واضح للغاية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بل – وحسب ما يمكن استشرافه من خلال هذا الحدث الانتخابي الأول – إن هذه الحملة الانتخابية يمكن أن تصبح بمثابة حملة تستخدم فيها الطريقة الحكم في مينيسوتا نموذجاً لما سيكون الاتجاه الذي يسلكه البيت الأبيض في عهد هاريس-وولز في حكم الولايات المتحدة الأميركية.
ولا بد من الإشارة هنا أيضاً إلى أن ولاية مينيسوتا هي أكثر من مجرد ولاية تصوت بصورة اعتيادية للديمقراطيين. ففيما اعتادت على التصويت لمصلحة الديمقراطيين في الانتخابات الفيدرالية على مدى عقود طويلة فإنها أيضاً ذات ميول استقلالية، إذ انتخبت جيسي “ذي بادي” فانتورا Jesse “the body” Ventura وهو جندي سابق في البحرية ومصارع محترف حاكماً للولاية عام 1999، تحت علم حزب الإصلاح الأميركي (وهو اليوم في حزب الخضر). وقد أثبتت فترة ولايته أنها أكثر تعقيداً مما كان يأمل، فرفض الترشح لإعادة انتخابه ولجأ بدلاً من ذلك إلى تقديم البرامج التلفزيونية.
إن اختيار تيم وولز ليكون مرشحاً لنائب الرئيس في الانتخابات المقبلة، واحتمال أن تصبح ولاية مينيسوتا تحت قيادته نموذجاً للحكم الديمقراطي قد يكذب جزئياً الادعاء الرافض الذي يطرح قبل كل انتخابات أميركية في مرحلة اختيار المرشحين لمنصب نائب الرئيس. ومفاد الادعاء أن هوية المرشح لمنصب نائب الرئيس لا تؤثر حقاً في نتيجة الانتخابات الأميركية، بل يتعلق الأمر كله بمن سيصبح رئيساً، وليس أي شخص آخر. وهذه المرة، تم التعبير عن مثل هذه الآراء بالفعل من قبل ترمب – وبلمسة لطيفة من السخرية الذاتية، من قبل نائبه المفترض، جي دي فانس.
ولكن كما يبدو لي أحياناً فإن خيار نائب الرئيس هو أمر مؤثر وربما يكون الأمر كذلك في هذه المرة بالذات. في الواقع، يمكننا أن نجادل بأن كامالا هاريس هي مثال حي بأن هوية نائب الرئيس مهمة خلال الحملات الانتخابية. ربما لم يكن ممكناً أن تفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، لو لم ترثه فعلياً من الرئيس جو بايدن حين أصبحت مسألة ترشحه عبئاً واحتاج الحزب الديمقراطي اسماً جديداً وبسرعة.
نعم، لم يكن مهماً هوية من ستختاره هيلاري كلينتون ليكون نائباً لها – كان من السهل نسيان تيم كين – لأنها كانت المرشحة المهيمنة في الحملة. ولكن اختيار الرئيس بيل كلينتون المفاجئ لـآل غور بدلاً من شخصية مخضرمة أكبر سناً من عقلاء الحزب، منح الحملة ملامح شابة ومتفائلة والذي ساعد بلا أدنى شك في حرمان جورج بوش – ونائبه غير المثير للإعجاب على الإطلاق دان كويل – ولايته الثانية.
وعلى رغم أن مايك بنس ربما لم يساعد أو يعوق انتخاب دونالد ترمب عام 2016 فإنه نجح في إحداث فارق بالتأكيد عندما قام بتحدي الرئيس ترمب من خلال مصادقته على خسارة الأخير الانتخابات عام 2020. واليوم يمكن أن نجادل أن حملة ترمب أصيبت بالضعف من خلال الاختيار المبكر لمرشح منصب نائب الرئيس في مواجهة الرئيس بايدن الذي لم يعد في السباق.
إلى أي مدى أو حتى ما إذا كان تيم وولز سيعزز حملة كامالا هاريس الرئاسية، لن يتبين إلا عندما يجوبون الولايات المتحدة في غضون 90 يوماً أو نحو ذلك قبل التصويت خلال الـخامس من نوفمبر المقبل. هل يمكنهم مضاهاة جاذبية ترمب-فانس في المناطق الداخلية الأميركية الكئيبة؟ هل يمكنهم الحفاظ على طاقة وتفاؤل ظهورهم الأول في فيلادلفيا خلال مؤتمر الحزب وما بعده؟ شعارهم للهتاف العام هو “لا عودة إلى الوراء”. سننتظر ونرى.