تأويل غير بريء لاختيار السنوار لقيادة حركة حماس
السنوار المحسوب على الجناح الإيراني في الحركة يؤكد المضي قدما نحو الهاوية، أي التصعيد. وهذه هدية وذريعة ملائمة بشكل كبير جدا حصل عليها بنيامين نتنياهو وعصابته.
سرعان ما أعلنت حركة حماس في بيان أصدرته عن اختيارها يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتيل في العاصمة الإيرانية طهران الأسبوع الماضي. ولعل أهم التصريحات حول اغتيال هنية هي التي أدلى بها القيادي في حماس أسامة حمدان، حيث قال حرفيا “إن السنوار تم اختياره بالإجماع، وهذا يدل على أن الحركة تدرك طبيعة المرحلة”.
وأشار إلى أن الرسالة التي أرادت حماس إيصالها هي أنها “اختارت من يحمل أمانة القتال بالميدان في غزة منذ أكثر من 300 يوم”، وأضاف “اختيار حماس بهذه السرعة للسنوار رئيساً بالإجماع، يدلل على حيوية الحركة ومن المبكر الحديث عمّا ستؤول إليه عملية التفاوض”.
من السهل الاستنتاج أن اختيار السنوار لرئاسة مكتب حماس السياسي يشير إلى أن حماس غير عازمة على التطور، وهي تدور في نفس الحلقة المفرغة، وهذا يدلل على التكلّس الذي أصاب الحركة وليس على الحيوية التي أشار إليها أسامة حمدان في تصريحاته.
إذا، اختارت حركة حماس يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي بالإجماع وليس بالأغلبية، وهذا الاختيار يضع أمامه العشرات من إشارات الاستفهام، فهل رئاسة المكتب السياسي أضحت عبئا يجب التخلص منه ومسؤولية سياسية وقانونية كبيرة، تجعل البعض يتهرب منها ويقذفها كأنها قنبلة موقوتة نحو السنوار.
هل هذا الاختيار يعني أن الأرحام عجزت أن تلد مثل السنوار، وهو الخيار اليتيم ولا خيار غيره؟ طبعا لا، ولكن وحسب تحليلي الشخصي أنّه في هذه المرحلة يتم إعداد قائد جديد للحركة يكون أكثر قبولا وبراغماتية من السنوار لتستمر حركة حماس في مسيرتها. أي أنّ هذا الاختيار هو مناورة لكسب الوقت فقط، وإعادة لترتيب الأوراق والتحالفات في مرحلة مقبلة قد تشهد فتورا بالعلاقة مع إيران، خاصة بعد اغتيال إسماعيل هنية على أرضها، وقبل ذلك اغتيال صالح العاروري في عقر حزب الله. كما ستشهد انضماما لمنظمة التحرير الفلسطينية كما تم الاتفاق عليه في الصين.
هذه ليست المرحلة الانتحارية في تاريخ الحركة، بل مرحلة ما بعد يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وسلامة رافع، ومروان عيسى، وصالح العاروري، وإسماعيل هنية.. من قيادات حماس التي استشهدت مؤخرا وتم اغتيالها، وهذا هو التفسير المنطقي الوحيد. ولتأكيد صحة ما قلته سأذكر العديد من الأسباب وأتحدث عنها بكل بساطة ووضوح.
القائد أبوإبراهيم الذي أمضى نصف حياته في سجون الاحتلال، رجل كما يقال بالمثل العامي “صارت أيامه معدودة”، وهو المطلوب رقم واحد على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية طويلة الذراع، مع الأخذ في الحسبان الخيار الآخر الذي طرحه الإسرائيليون خلال المفاوضات ألا وهو نفيه خارج قطاع غزة. ولكن، حتى لو تمّ نفيه خارج أرض الوطن من المؤكد أيضا تتبّعهُ وتصفيته، أو أن يقوم بتسليم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية ليتجنب الاغتيال، وهذا هو الخيار الأسلم له. أو أن تحدث صفقة ما وتسلّمه دولة ثالثة لإسرائيل، أو يلاحقه الموساد ويقوم باختطافه وجلبه عنوة إلى إسرائيل لتتم محاكمته فيها.
أقرا أيضا| السنوار قربانا لقيادات حماس في الخارج
وحسب طبيعة السنوار وشخصيته الوطنية فهو يرفض الاعتقال أو النفي وهو يفضّل الاستشهاد وهو خياره الوحيد والمفضل. كما رفض الراحل ياسر عرفات النفي أو الأسر من قبل واختار الشّهادة.
وعليهِ فالقائد يحيى السنوار الذي دوّخ الإسرائيليين والأميركيين والبريطانيين منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم، مخيّر بين أمرين، الاغتيال أو النفي من القيادة اليمينية الإسرائيلية. هذه هي سياستهم المكشوفة والمعروفة منذ قيام دولتهم. وهذا يعيد إلى الذاكرة اختيار الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي خلفا للشيخ أحمد ياسين واغتياله بعد مرور أسبوع فقط على خلافته للشيخ ياسين.
تمّ اختيار شخصية السنوار لأعلى منصب في الحركة وهو مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، فهو لا يعني بالضرورة انسداد الأفق السياسي لدى الحركة وانعدام الخيارات المقبولة أو بالحد الأدنى الأقل تشددا، ولا يعني أيضا حكما بالإعدام السياسي على حركة حماس بشكل كلي خلال فترة توليه. بل هو اختيار لتعجيل التخلص منه ومن مرحلته ونفوذه داخل الحركة.
وسآتي ببرهان آخر يدلل على صعوبة تفسير هذا الاختيار، عندما أتحدث عن واجبات المنصب السياسي الجديد من التحرك والتنقل بين العواصم، كما كان يفعل المرحوم إسماعيل هنية مسبقا، وهذه ضرورة شديدة لا مجال للجدال حولها. كيف سيتحرك السنوار، وكيف سيصدر توجيهاته وأين سيلتقي بالمسؤولين العرب والدوليين؟ هل سيوجه لهم دعوة للقاء داخل الأنفاق مثلا؟
الكثير من التساؤلات المحقّة. فالرجل اختير ليكون على قمة الهرم السياسي وليس على قمة الهرم العسكري حيث يلزمه التواجد على الأرض ومتابعة النشاط العسكري لحركته.
اعتبر البعض اختيار السنوار تكريما له لأنه حسب الواقع والوقائع التي تجري على الأرض اقتربت نهايته، فما هذا التكريم الغريب يا حماس والأغرب منه هذا الاختيار الذي وقع عليه، وهذا يذكرنا بالمثل العربي القديم “إن وراء الأكمة ما وراءها”.
السنوار المحسوب على الجناح الإيراني في الحركة يؤكد المضي قدما نحو الهاوية، أي التصعيد. وهذه هدية وذريعة ملائمة بشكل كبير جدا حصل عليها بنيامين نتنياهو وعصابته المتخلفة دينيا وعقليا والمريضة نفسيا، ليتابعوا حرب إبادتهم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، فهم الآن أشد فرحا من السنوار ذاته على هذا الاختيار العجيب. نتنياهو وحكومته وكافة قيادات إسرائيل يخدمهم بشدة القائد الجديد لحماس، فهو يعزز الادعاء المتكرّر بالتهديد الوجودي الذي يحيق بهم من قِبل هذا العدو المتربّص والجاهز. باختصار، هم يريدون حماس متشدّدة وسهلة الوصف بالإرهابية والداعمة للإرهاب، وفوق ذلك معزولة دولياً، ليسهل تجنيد الولايات المتحدة وأوروبا ضدها في هذه الحرب الحالية أو أيّ حرب قادمة. وهذا الاختيار يخدمهم بلا ريب.
ما تؤسس له حماس اليوم هو مرحلة ما بعد السّنوار، مرحلة إلقاء السّلاح، والتحول إلى حزب سياسي، وتهيئة الظروف الملائمة فكريا وعقائديا لمنتسبيها لدخول (م ت ف) والالتزام بالشّروط والاتفاقات الدّولية. التحوّل الذي مهّد له القيادي خليل الحيّة قبل عدة أشهر في تصريحه الشهير لوكالة “أسوشيتد برس”.
2 تعليقات