الرد الإيراني على اغتيال هنية: نوعي أم كمي
هناك توقعات أن الرد الإيراني سيكون غير مباشر، وذلك من خلال ضربات تقوم بها الميليشيات التابعة لها، كحزب الله، لكنني أستبعد هذا السيناريو لأنه يحرج ويسيء للقيادة الإيرانية
منطقة الشرق الأوسط مزدحمة بالأحداث والقضايا على اختلاف أنواعها. إلا أنها مترابطة ومتداخلة ومعقدة، لا يمكنك دراسة وتحليل قضية معينة دون ربطها بالقضايا الأخرى. تعلمنا في العلوم السياسية عند دراسة وتحليل قضية ما لا بد من دراستها من كافة النواحي، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومن كافة الاتجاهات السياسية والاقتصادية والأمنية أو حتى النفسية والاجتماعية.
سأتطرق إلى قضية مقتل إسماعيل هنية القيادي ورئيس الجناح السياسي في حركة حماس الفلسطينية، الذي تم اغتياله في مقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران بعد ساعات من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد الإصلاحي مسعود بزشكيان. الحادث يعتبر ضربة موجعة وإهانة للنظام الإيراني، سبب له الارتباك. كيف لنظام يعتبر “بوليسيا” يُحكم قبضته على كل مفاصل وأجهزة الدولة ويمتلك أجهزة استخباراتية قوية ومحترفة كما يروّج هو بذلك، أن يتم اختراقه بهذه السهولة والبساطة. طبعاً هذه ليست الحادثة الأولى التي تبين وتثبت الاختراق الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي للعمق الإيراني.
حقيقةً، ليس مهمّا في طهران مقتل إسماعيل هنية، وقد صرّح بهذا أحد المحللين الإيرانيين في واحدة من القنوات التلفزيونية العربية، وإن حاول تفادي ذلك لاحقاً، لكنه قال في البداية إن مقتل هنية غير مهم. ورجوعاً إلى النظام الإيراني، المهم لديه الآن هو كيفية رد الاعتبار وحفظ ماء وجهه أمام الشعب الإيراني، فالضربات التي توالت على النظام تتسارع؛ من اغتيال العالم النووي الإيراني الأبرز فخري زاده باستخدام “روبوت قاتل” في إيران، إلى تصفية قادة وأعضاء الميليشيات التابعة لهم في العراق وسوريا ولبنان. ولا ننسى العملية الأميركية التي تم فيها اغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني والشخص المهم جداً والقوي والمقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي. لو عدنا بالذاكرة لن نجد ردا حقيقيا يذكر للانتقام لمقتل سليماني والذي يعتبر أهم بكثير للنظام الإيراني من هنية.
إذاً خيارات الرد الإيراني لن تكون للانتقام لمقتل هنية ولا للأخذ بثأره، بل لرد الاعتبار ومسح وصمة العار والإهانة. لكن السؤال المهم هو كيف سترد؟ وما هو المستوى وقوة الرد؟ وهل سيكون الرد نوعيا أم كميا؟
في الواقع، إيران تعلم جيداً أن المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل سيناريو مكلف جداً، خاصة أن إسرائيل ليست وحدها، وستتلقى الدعم اللازم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. إلا أن واقع الحال يقول إن الطرفين الإيراني والإسرائيلي لا يريدان المواجهة العسكرية المباشرة أو حربا مفتوحة بينهما. كما أن إيران لا تملك الإمكانيات والخبرات التي تمتلكها إسرائيل لتمكنها من تنفيذ عمليات نوعية مثل ضرب العمق الإسرائيلي عن طريق اغتيال كبار القادة الإسرائيليين. لذا أعتقد أن هذا السيناريو مستبعد وغير مطروح على طاولة القيادة الإيرانية.
هناك توقعات أن الرد الإيراني سيكون غير مباشر، وذلك من خلال ضربات تقوم بها الميليشيات التابعة لها، كحزب الله، لكنني أستبعد هذا السيناريو لأنه يحرج ويسيء للقيادة الإيرانية، خاصة أمام الرأي العام الإيراني، ويبين ضعف النظام وعدم قدرته على الرد، بالتالي يزعزع الثقة بالنظام، وربما شجع على التمرد عليه، خاصة أن التحديات الداخلية التي تواجهه كثيرة ومتعددة وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والمعيشي للإيرانيين.
ربما يكون من الأفضل لإيران اختيار سيناريو الرد النوعي، وليس الكمي. وأقصد بالكمي إطلاق صواريخ ومسيّرات بأعداد كبيرة لكن دون تحقيق أيّ قيمة، بمعني عدم إصابة أهداف مهمة وحيوية، وعدم تكبيد العدو خسائر تذكر. بالتالي ستكون ردة فعل الرأي العام أنها مسرحية ومهزلة مماثلة للرد الإيراني على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في سوريا ابريل الماضي.
لذا، من المفترض كما يرى بعض المحللين، أن يكون الرد نوعيا إن كانت تستطيع فعل ذلك ولديها القدرات والإمكانيات لاستهداف، على سبيل المثال، مقرات وأهداف حساسة وحيوية، مع ضمان عدم تصعيد إسرائيل بردة فعلها. لكن هل لدى إيران الجرأة لفعل ذلك إن كانت تستطيع، أو كما يقال إنها قادرة على كسر قواعد الاشتباك بينها وبين إسرائيل وبالتالي تؤكد أن قواعد اللعبة قد تغيرت؟ أم أنها لا تملك القدرة ولا الرغبة؟
وفي حال عدم الرد، هل ستضمن إيران عدم التصعيد الإسرائيلي وزيادة الاستفزاز مما يسبب خسائر لها ويحطم صورتها أمام العالم وأمام شعبها؟ الواقع أن إيران في موقف صعب جداً، والخياران الرد أو عدم الرد يضعانها في موقف عليها تحمل تبعاته.
تعليق واحد