إن جزءاً من استراتيجية دونالد ترمب لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) يتمثل في كسب أصوات الناخبين السود، ولهذا السبب حلّ مؤخراً ضيفاً على مؤتمر الرابطة الوطنية للصحافيين السود في شيكاغو. وسأترك لكم الحكم على مدى نجاحه هناك.
لقد قال عن كامالا هاريس “لم أكن أعرف أنها سوداء إلى أن صدف وتحوّلت قبل عدة سنوات إلى سوداء، واليوم تريد أن تُعرف على أنها سوداء”. لقد زعم، من دون وجود أساس [لمزاعمه]، أن هاريس في الأصل كانت تتحدث فقط عن جذورها الآسيوية الجنوبية (والدتها هندية ووالدها جامايكي)، لكنها اليوم تريد أن تُعرف على أساس أنها سوداء. تأرجح الجمهور بين الضحك والسخرية، والشكوى والآهات.
ودخل ترمب في شجار مع إحدى المضيفات، وهي راشيل سكوت المراسلة التلفزيونية المحترمة التي تعمل في شبكة ABC، متهماً إياها بأنها حقيرة ووقحة بعد أن أعادت على مسامعه بعض ما كان قد قاله سابقاً عن الأشخاص ذوي البشرة الملونة.
ثم تحدث عن مشاكل الهجرة غير الشرعية في سياق تقديم ملاحظاته، فقال إن أولئك الذين كانوا “يتدفقون عبر الحدود” كانوا يشغلون “وظائف السود”.
مهلاً. ما هي وظائف “السود” مقارنة بوظائف البيض؟ هل كان يقصد أن القادمين من أميركا الوسطى يشغلون وظائف الصحافيين السود الذين تجمعوا في القاعة من أجل حضور مؤتمرهم؟ لا. بالطبع لا. عندما يتحدث عن “وظائف السود” فهو يعني العمل اليدوي الذي لا يتطلب مهارات. بيد أن هذا لم يمنع أصحاب البشرة السوداء من استعمال العبارة بأنفسهم، ففي رد سيمون بايلز، بطلة الجمباز الأوليمبية، على أحدهم حينما خاطبها عبر تويتر/إكس قائلاً إن العمل الأسود [الذي قامت به] “كان الأفضل على مر الزمان، إذ تمكنت من الفوز بميداليات ذهبية “، أوضحت “أنا أحب عملي الأسود”. وأرفقت الرد برمز قلب أسود.
ولكن بطبيعة الحال، ترمب فعل الشيء ذاته [إطلاق الادعاءات بشأن أصول خصومه] من قبل. فقد كان المؤيد الرئيس لمؤامرة “المولد” الخاطئ لباراك أوباما. فقد سعى بصورة متكررة إلى تقويض مؤهلات أول رئيس أميركي من أصل أفريقي للولايات المتحدة وشرعيته وذلك من خلال الإصرار على أنه رأى النور في كينيا، وبالتالي فهو غير مؤهل ليكون رئيساً لدولة الولايات المتحدة. وترمب لا يعامل الديمقراطيين وحدهم بهذه الطريقة.
عندما كانت نيكي هيلي مرشحة تنافسه على نيل ترشيح الحزب الجمهوري، زعم أن إرثها الهندي يمنعها من الترشح للرئاسة. كانت هذه ترهات. وكان يناديها في خطاباته بشكل متكرر بالاسم الذي حملته عند ولادتها وهو نيماراتا. لكن لماذا يفعل ذلك؟ أو لماذا يستخدم مراراً وتكراراً الاسم الأوسط لأوباما (حسين) في خطاباته؟ أما مع هاريس، فإن الطريقة المفضلة لديه لإثارة الضحك تتمثل في لفظ اسمها الأول “كامالا” على مهله كما لو كان يغسل به فمه، ومن ثم نطقه بأساليب مختلفة لا حصر لها وكأنه يلفت الانتباه إلى غرابة أطواره.
والتفسير السهل [لما يفعله] هو القول إنه ببساطة عنصري يتملق لقاعدته من “الأميركيين البيض السذّج”. وقد يكون هناك شيء من هذا. الآن أنا أعلم أن أسبوعين في السياسة الأميركية [هما وقت طويل] يمكن أن يعادل حياة أبدية. لكن كان هناك [ما يلفت النظر] قبل أسبوعين عندما ذهب ترمب إلى مؤتمره، بعد أن نجا من محاولة الاغتيال، وكان يخبر المندوبين أنه أصبح شخصاً مختلفاً وأكثر لطفاً الآن، وأنه الرجل الذي سيوحد البلاد.
إلا أن هذا كان قبل خروج بايدن الضعيف والفاشل من حلبة السباق الرئاسي. لقد قلبت هاريس الحسابات السياسية الجمهورية وتوازن ترمب الدقيق. كانت استراتيجية إعادة التشغيل التي تم اتخاذها على عجل هي تصوير [المنافسة] الديمقراطية على أنها ليبرالية ميؤوس منها جاءت من سان فرانسيسكو، وهي المسؤولة عن كارثة على الحدود الجنوبية، وأن سياساتها الاقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى إفقار الناخبين الأميركيين. لهذا [الموقف] قيمة ملموسة. ولكن لماذا يتحدث عن أصولها العرقية؟
لا يوجد الكثير من الجمهوريين الذين يستطيعون الإجابة على هذا السؤال. والواقع أن الكثيرين منهم غاضبون. إن قاعدة ترمب، التي أصبحت ملتزمة بشكل كامل [دعمه] قد تحب هذا، غير أن حشود أنصار شعار “اجعل أميركا عظيمة من جديد” لا تكفي لجعل ترمب يفوز بالانتخابات. وهو يحتاج إلى توسيع قاعدة دعمه.
إذا كنت سخياً، فربما تقول إن ثمة استراتيجية هنا، حتى ولو كانت متهورة. والهدف منها هو تصوير هاريس على أنها كالحرباء. وأنها امرأة تقول أو تفعل كل ما يلزم من أجل أن تكسب جمهوراً. وأنها لا تؤمن بأي شيء. ويحاول شريك ترمب المرشح لمنصب نائب الرئيس أن يستغل هذه الحجة على نحو أكثر عقلانية.
ويبدو أن هذه الهجمات على هاريس تستند إلى غرائز ترمب، وليس إلى استراتيجية مدروسة. ولكن لا يبدو أن هذه الاستراتيجية تحقق النجاح. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ [بالنسبة إلى ترمب]. فقد وجد استطلاع للرأي في الولايات المتأرجحة الرئيسة هذا الأسبوع أن هاريس متقدمة [على ترمب] في بنسلفانيا وويسكنسن، وتحرز نقاطاً متقاربة معه في ميشيغان.
ويمثل هذا الواقع تحولا كبيرا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل بضعة أسابيع عندما بدا الأمر وكأنه مباراة الإعادة بين بايدن وترمب. نعم، إننا لا نزال في بداية الطريق، ولا تزال المسافة بيننا وبين الانتخابات طويلة، وإن مجموعة واحدة من استطلاعات الرأي لا تعتبر مؤشراً للنجاح النهائي.
ولكن الزخم والمعنويات تصب في مصلحة الديمقراطيين بشكل ملحوظ، بالنظر إلى الأحداث الأخيرة. وهناك قدر من الفرح لم يكن موجودا منذ فترة طويلة. ولم يكن الصحافيون السود في شيكاغو هم فقط الذين سخروا من ترمب، بل فعلت ذلك هاريس أيضا. والسخرية [منه] أصبحت تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر.
علاوةً على ذلك، يجري النظر في حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز كأحد الأشخاص الذين يمكن اختيارهم لمنصب نائب الرئيس. وفي خطاب ألقاه مؤخراً، استعمل جملة كاملة وصف فيها ترمب بأنه “غريب” كلازمة كررها بانتظام. وقد أصبحت هذه العبارة رائجة. فقد ضربت على وتر حساس. ويسخر الناس من ميله إلى الحديث عن رؤوس الدش وضغط المياه، وهانيبال ليكتر وأسماك القرش التي تصعق بالكهرباء. والسؤال المطروح: هل سمع أحد ترمب يضحك بشكل عادي؟
هذا ليس السباق الرئاسي الذي ظن دونالد ترمب أنه سيخوضه، ويبدو وكأنه يكافح لإعادة ضبط نفسه، من أجل وضع جمهور جديد أكثر شباباً في دائرة أهدافه. وفي تقديري، إن ترمب لا يزال صاحب الحظ الأوفر بالفوز بهذه الانتخابات التي يمكن أن يخسرها بسبب ارتكابه خطأً ما. ولكن ليس من المستحيل الآن أن يفعل ذلك.