هل سيخرج أهل غزة من عنق الزجاجة؟
ربما يكون اليوم التالي لحرب غزة بعد توقف الحرب، مفعم بالسلام في القطاع المضطرب، وقد تعود الحياة من جديد بشكل تدريجي في حالة لملمة أهل غزة جراحهم والبدء في إعادة بنائها من جديد
أكثر من 11 شهرًا مرت على الحرب على غزة، والتي خلفت 39 ألف شهيد و92 ألف جريح وغيرهم من المفقودين، ورغم ذلك لم تضع الحرب أوزارها حتى هذه اللحظة ليظل الشعب الغزاوي المعزب، ينزف من ويلات الحرب ومرارة الجوع والعطش وفقدان الأبناء، ويبقى الجرح غائرًا مهما مر الزمن.
ورغم حالة الدمار الشامل التي خلفتها الحرب مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية حتى الآن، مازال شعب غزة ينتظر طوق النجاة ويفكر في اليوم التالي للحرب.
ربما يكون اليوم التالي لحرب غزة بعد توقف الحرب، مفعم بالسلام في القطاع المضطرب، وقد تعود الحياة من جديد بشكل تدريجي في حالة لملمة أهل غزة جراحهم والبدء في إعادة بنائها من جديد، فلا يهم أن تحكم فتح أو حماس بالنسبة لسكان غزة، ولكن الأهم أن أخطاء “حماس” التي قادتهم إلى تلك الفاتورة الضخمة من الخسائر، لا مجال لتكرارها مجددًا، ولا مجال لأي خطأ ينتج عنه أي كوارث إنسانية في القطاع.
الجميع يدرك أن الحياة في غزة تدمرت بشكل شبه كامل، فوفقا لمنظمة العمل الدولية، فُقِدت أكثر من 200 ألف وظيفة في غزة، وهذا نتيجة فقدان حوالي 90% من الوظائف في القطاع الخاص، و15% من الوظائف في القطاع العام، فضلا عن خسارة وظائف جميع العمال الذين كانوا يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي، كما سجلت خسائر الدخل 4.1 مليون دولار يوميا، وهو ما يعادل انخفاضا بنسبة 80% في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، وهذه هي القطاعات الحيوية اللازمة لإنعاش الاقتصاد الغزاوي، وفي حالة تنفيذ خطة إعادة إعمار غزة على يد أبنائها سواء في الخارج الذين يدفعون رؤوس الأموال إلى القطاع لإعادة بنائه، وأيضًا أبناء غزة في الداخل المسئولون عن البناء، مع تدفق الإغاثات الدولية التي تلعب دورًا ضخمًا في الدعم الإنساني، فقد يعود الاستقرار والهدوء للقطاع، وقد ينتعش الاقتصاد مجددا، ب “قبلة حياة” واحدة.
كل هذا قد يتم في حالة رفع إسرائيل يدها عن القطاع، بعد التأكد من لفظ الشعب الغزاوي، حركة “حماس” من السياسة وعدم إعطاء الثقة لأي حركة تقوم بتقرير مصير الشعب نيابة عنه، فالشعب لا يريد إلا الحياة في سلام دون حرب أو دماء أو قذائق تفزع الصغير والكبير وتؤرق الماضي والحاضر والمستقبل.
ربما وقف الحرب ودعم إعادة إعمار أو إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة من أهم الخطط التي سيتم من خلالها إعادة الإعمار، ومن المتوقع أن يحتاج سكان غزة إلى المساعدات الإنسانية لسنوات عديدة قادمة، في ظل ضعف وصول المساعدات الإنسانية، وكذلك إعادة تنشيط الإنتاج المحلي بعودة فتح المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتنشيط حركة التجارة بعد سماح إسرائيل بفتح منافذ القطاع أو منافذ الحياة للشعب الغزاوي، وقد تتسع “دائرة السماح” الإسرائيلية لتشمل عودة المزارعين إلى العمل داخل إسرائيل ليتم مجددًا إنعاش حياة الأفراد والأسر، ومن ثم إحداث حالة من الانتعاش الاقتصادي.
أيضا إنعاش القطاع الصحي من الأهداف الضرورية ضمن مخطط إعمار القطاع، فعلى المنظمات الدولية مد يدها للشعب بكل ما يحتاجه من أجهزة طبية ومستلزماته تعينه على تضميد جراح الحرب، مع إعادة انعاش المستشفيات وبناء المستشفيات التي دمرت، أو فتح عيادات صحية صغيرة في كل شارع.
من الضروري أيضا ضمن مخطط الإعمار، السماح للأهالي بالعودة لديارهم، مع مساعدتهم ماديا في إعادة إحياء الدور المنكوبة، وتوفير مقومات الحياة من أكل ومياه نظيفة ورعاية صحية ولو بسيطة، ومن هنا يمكن أن تتجدد الحياة ويعادو الشعب الغزاوي رحلته مرة أخرى مع الحياة وكسب الرزق بمشروعات مختلفة.
بالتأكيد، كل هذا قد يحدث في ظل رفع “حماس” هي الأخرى يدها عن القطاع، ووجود حكم معتدل لا يقحم الشعب في صراعات سياسية أو حروب قد تؤدي إلى موته برصاص الاحتلال أو من الجوع والمرض والفقر.
أما عن تكلفة إعادة بناء غزة مع استمرار الدمار، فمن السابق لأوانه الحديث عن ذلك، لكن الأمر قد يستمر لعقود من الزمن مع وجود إرادة من قِل المجتمع الدولي لتمويل عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات، وبالطبع هذا لا يشمل تكاليف إبقاء الناس على قيد الحياة وإنعاش الاقتصاد فقط، بل إزالة القنابل القاتلة غير المنفجرة في جميع أنحاء غزة، الأمر الذي سيستغرق سنوات.
وقد يكون أكثر السيناريوهات توقعًا وقبولًا في الوقت الحالي، وهو الحل الوحيد والمقبول والمقترح من قبل الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، والذي يعزز قيادة حكومة فلسطينية في غزة، وحلول الهدوء ووجود مفاوضات مع إسرائيل قد تسفر عن شيوع سلام مؤقت لحين إشعار آخر، وهذا بالتأكيد سيعزز سيناريو إعمار القطاع، وقد يأتي بخطة سياسية شاملة تدفع إسرائيل للجلوس على مائدة المفاوضات والتفكير بإيجاب عن حل الدولتين!