متى يحدث فك ارتباط غزة بإسرائيل؟
كل الأموال التي استلمتها حماس كانت تحول إليها من خلال بنوك إسرائيلية. علاقة مغلفة بعلامات استفهام عديدة.
عام 1967 احتلت إسرائيل غزة التي كانت تابعة لمصر منذ عام 1948. تخلت عنها للسلطة الفلسطينية عام 1993 وانسحبت منها عام 2005. غير أن حركة حماس فصلت غزة عن فلسطين عام 2007. منذ ذلك العام تعزز ارتباط غزة بإسرائيل بطريقة عضوية.
لم يكن الفلسطينيون خبراء أكفاء في شؤون الجغرافيا وهم يقدمون خلافاتهم العقائدية على المصلحة الوطنية. كانت شعاراتهم هوائية وهو ما دفع بهم إلى التضحية بقضيتهم المشتركة في سبيل الانتصار لمبدأ لا يمت بصلة للقضية. كان هناك هوس بالتاريخ تمكن من التغلب على الجغرافيا.
غزة منذ أن استقلت بها حركة حماس هي أشبه بجزيرة عائمة في بحيرة سياسية. ليست هي دولة ولا منطقة حرة ولا هي قادرة على إعالة سكانها الذين يتكاثرون بضراوة كما أنها لا تملك ما يؤهلها للاكتفاء الذاتي.
أما أن تتحول غزة إلى مدينة حرب فذلك جزء من بداهة الانفصال العقائدي. لولا فكرة الحرب الدائمة وهي فكرة إيرانية لما انفصلت غزة ولا رفعت حركة حماس رايات الجهاد. غير أن السؤال المضني يظل قائما “مَن الذي سمح لحركة حماس بتمويل مشاريع الحرب من أموال المساعدات التي حُرم منها أهل غزة؟”.
كل الأموال التي استلمتها حماس كانت تحول إليها من خلال بنوك إسرائيلية. علاقة مغلفة بعلامات استفهام عديدة. ذلك لأن غزة لم تعد جزءا من السلطة الفلسطينية وبالتالي فإنها لم تعد جزءا من فلسطين.
اقتصاديا كانت إسرائيل طرفا مستفيدا من التحويلات المالية إلى غزة. لا ضرورة للتفكير في الجانب السياسي. يعرف اليهود ما الذي يعنيه المال في ترسيخ وجودهم. وهم في حالة غزة وسطاء غير أنهم يعرفون في الوقت نفسه أن غزة ماضية إلى هلاكها.
فبرغم الحروب السبع (الحرب السابعة لا تزال قائمة) فإن غزة لا تملك ممرا إلى الحياة إلا من خلال إسرائيل. ذلك هو ظلم الجغرافيا. ولكن الجغرافيا بريئة إذا ما عدنا إلى العامل السياسي بكل ما انطوى عليه من انهيارات تاريخية، أُجبر الفلسطينيون على تقديم تنازلات كبرى من أجل أن يحصلوا على دولة لا تزال مجرد فكرة أو حلم في ظل عجز المجتمع الدولي عن التعامل مع الوضع خارج إطار الدائرة الصهيونية المغلقة.
أقرا أيضا| من سيكتب سيناريو نهاية الحرب في غزة؟
عبر كل السنوات التي كانت فيها غزة تعيش خارج فلسطين لم يتمكن أهلها من التحرر اقتصاديا من التبعية لإسرائيل. لا أعتقد أن تلك الحقيقة كانت خافية على القيادات الفلسطينية ولا على خبراء الاقتصاد الفلسطينيين وقبلهم رجال السياسة. كان السؤال الذي يجب مواجهته “ماذا يحدث لو أن غزة فكت ارتباطها نهائيا بإسرائيل وصارت جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية؟”.
ذلك سؤال يتعلق بجوهر القضية التي نجح الفلسطينيون في حمايتها من الاندثار وأجبروا العالم من خلال تضحيات جسيمة على الإنصات لصوتها الذي تمثل برجلها التاريخي ياسر عرفات يوم وقف على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة زعيما لشعب، حافظ على انتمائه إلى أرضه التي سُرقت بمباركة العالم كله.
في حالة قيام الدولة الفلسطينية وغزة جزء منها تنتفي الحاجة إلى منظمات الإغاثة الدولية. وفي حالة غزة المحررة من هيمنة حماس كما نص الاتفاق الذي وقعته الفصائل الفلسطينية في بكين مؤخرا فإن الأموال التي كانت تصلها بدافع عقائدي ستتوقف. لم تكن تلك الأموال تُدفع من أجل عيون أهل غزة وإلا ما كان في إمكان حركة حماس استعمالها في حفر أنفاقها وإنشاء مدنها تحت الأرض.
غزة هي عبارة عن لغم بشري ينبغي عدم الاستهانة به. إذا ما انتهت الحرب لن يكون إعمارها هو الموضوع الأكثر حضورا وخطرا، بل مستقبلها. لن تكون إسرائيل مجبرة على لعب الدور الذي لعبته عبر الستين سنة الماضية. يمكن لها أن تعوض حاجتها من العمالة الفلسطينية بطرق ميسرة. وبما أن السلطة الفلسطينية ستكون عاجزة بالتأكيد عن إعادة تأهيل غزة فلا بد من مؤتمر دولي لا لجمع التبرعات كما يحدث بين حين وآخر، بل للتفكير في مستقبل غزة بالضياع.
سيقال “إن غزة كانت ضائعة دائما”. ذلك قول لا يحسب للمستقبل حسابا. فغزة كانت دائما تعيش في غرفة إنعاش ولكن ماذا يحدث لو توقفت تلك الغرفة عن العمل؟ على الفلسطينيين أن يستعدوا لذلك الموقف الذي يجب ألا يكون بالنسبة إليهم نوعا من الطوارئ.