العراق

الأقاليم في العراق… حلول أم وسيلة للمصالح الشخصية؟

لا شك أن عودة المطالبة بإقامة الإقليم السني واحتمالات فرص نجاح هذه الظاهرة، سيصطدم لا محالة بالمطبات الصعبة التي تمثلها عوامل التاريخ التي بُنيت بها أسس الدولة إذا أخذنا بعين الاعتبار، تاريخ العراق القديم والأهمية السياسية للعاصمة بغداد

عادت الدعوات إلى إنشاء إقليم سني يتمتع بالحكم الذاتي إلى الظهور، بهدف تحويل المحافظات الشرقية إلى مراكز مستقلة إداريا عن الحكومة المركزية، ردا لحالة التشظي الطائفي الذي يشهده البلد، في خطوة قد تجر العراق إلى المزيد من الانقسام والتشرذم وتفتيته إلى دويلات.

ثمة من يرى أن فكرة إنشاء إقليم سُني على الرغم من حقيقة دوافعه القانونية الناتجة من حقيقة السياسة الطائفية التي مورست ضد المجتمع السُني، بعد أن أعاق النظام الطائفي عملية بناء الدولة وبناء هويّة وطنية مشتركة، لا يذهب لصالح البلد ولا يمثل إلا ورقة مساومة سياسية لبعض الشخصيات السُنية للحصول على مزايا سياسية، في الوقت الذي شكّل عامل الأفضلية الطائفية محور الصراع السياسي في الدولة منذ 2003.

يبدو أن تزامن ظهور هذا الطرح إلى الواجهة مع تصاعد نفوذ بعض زعماء وشيوخ هذه المناطق، يخفي في طياته حاجة البعض إلى زيادة النفوذ، تماشياً مع ما يُقال ويرسم للعراق وللشرق الأوسط في المستقبل، على الرغم من القناعة التامة، إصرار رفض النظام السياسي الحاكم في العراق وبعض الدول المجاورة لهذا المشروع، ما قد يحوله في نهاية المطاف إلى حالة من حالات الترويج الإعلامي، في ظل الواقع السياسي الطائفي الراهن في العراق، وليجعل في النهاية من أطروحات تشكيل أقاليم جديدة في العراق، ورقة خاسرة في سوق المناورات السياسية والزعامات القبلية.

في المقابل، ترجم نظام الفيدرالية في العراق عن مدى هشاشة نظام الحكم، وغياب للرؤية السيادية والأفق السياسي للنظام العراقي الجديد. فعلى الرغم من مضي أكثر من عشرين عاما على تلاشي الدولة المركزية، لم ينجح العراق في البقاء كنظام سياسي مستقر، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأسس والمعيار الطائفي التي يبني علاقة وعمل الحكومة الاتحادية مع القوى السياسية التي تمثل المحافظات المهمة في البلد. حيث يرى العديد من المحللين في قراءتهم للوضع السياسي للعراق في فكرة تأسيس أو إعلان إقليم سني، إشارة واضحة لفشل العملية السياسية بشكلها الطائفي المعروف وتميزها الثيوقراطي الذي أرسته الثقافة المستوردة من الخارج.

وعلى الرغم من أن فكرة إقامة الإقليم السني وتطبيق المادة 119 أسوة بإقليم كردستان حق يكفله الدستور الجديد، الذي يسمح لكل محافظة أو أكثر في إنشاء إقليمها الخاص، بيد أن محاولة تقليد التجربة الكردية، لم ينته بعد من اصطدامه بعوامل عديدة قومية داخلية ناتجة من تميز الحالة الكردية ورؤية المجتمع العراقي للإقليم الكردي، من خلال اختلاف اللغة والقومية، ناهيك عن دور العلاقة الخاصة التي يتمتع بها الزعماء الكرد مع القوى النافذة في العالم، نتيجة لتعدد التواجد الكردي الممتد من إيران وتركيا إلى سوريا.

لا شك أن عودة المطالبة بإقامة الإقليم السني واحتمالات فرص نجاح هذه الظاهرة، سيصطدم لا محالة بالمطبات الصعبة التي تمثلها عوامل التاريخ التي بُنيت بها أسس الدولة إذا أخذنا بعين الاعتبار، تاريخ العراق القديم والأهمية السياسية للعاصمة بغداد، باعتبارها الرمز التاريخي والأساسي في ولادة الدولة العراقية، بالإضافة إلى رفض الغالبية من الشيعة والسنة العرب مخططات التقسيم ودفع بلدهم الى مصير مجهول في ظل الأجندات المؤثرة على العراق وشعبه المتأثر بكل ما جد من المؤامرات الإقليمية والدولية، ناهيك عن الرفض الواضح لغالبية الأنظمة القومية او المذهبية التي توالت في الحكم في التفريط بسيادة الدولة الكامل على كامل التراب العراقي. وهذا ما يترجم مدى الأهمية الكبيرة التي تحظى بها عاصمة الدولة العراقية لجميع المكونات التي تمثل الطيف العراقي، باعتبارها مركز ثقل سياسي وتاريخي للدولة العراقية منذ نشوئها وإلى اليوم.
ولم تكن عاصمة العراق عصية تقسيم العرب العراقيين طائفيا ومذهبيا فحسب، بل تعدت هذه الإشكالية لتشمل المكون الكردي حيث ساهمت بغداد وباختلاف الأنظمة في رسم الصورة السياسية والإنسانية لهذا البلد في المحافل الدولية منذ تأسيس الدولة العراقية وتجاوزت جميع الصعوبات الهادفة إلى تقسيم بلاد الرافدين على أساس التركيبة الجغرافية والسياسية والسكانية والقبلية التي يمثلها الكرد.

من هنا ونتيجة لهذه المعطيات لم يقتصر العرب والكرد على وضع رمز العاصمة بغـداد في أعماق شعورهم الوطني بالرغم من كل المؤامرات المذهبية والانفصالية، بل ذهب وعيهم إلى اعتبارها القلب النابض لجغرافيتهم التاريخية والقومية، باعتبارها رمز العراق وتاريخه الحضاري، ووحدته الجغرافية الروحية العابرة للأديان والقوميات نظرا لحجم التجانس والتشابه في النسيج الاجتماعي والثقافي النسبي لسكان العراق وأقلياته.

فبغداد تحكُم كل العراق لأنها عاصمة بلاد الرافدين، وأرث تاريخها الفريد، مرفأ الحكمة ورمز العراق الواحد الموحد والشجاعة وعنوان المعرفة على امتداد الزمن. وهي باقية في ضمير أبنائها، عاصمة كل العراقيين، عربا وكرد وقوميات أخرى، لأنها كانت ولا زالت في كتب ووثائق التاريخ، رمز من رموز العراق الواحد وقلعة لكل من احتمى بثنايا تاريخها المشرق.

على الرغم من مضي أكثر من عشرين عاما على تلاشي الدولة المركزية، لم ينجح العراق في البقاء كنظام سياسي مستقر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى