بالرغم من أنَّ إسرائيل وافقت أخيرًا على التفاوض مع حماس في مسألة الأسرى والمحتجزين (الرهائن)، بيد أنَّ الاجتماعات الرباعية الأخيرة في القاهرة بين مسؤولين أميركيين ومصريين وقطريين وإسرائيلين انتهت من دون الإعلان عن الوصول إلى إتفاق تهدئة في قطاع غزة أو ولادة صفقة لتبادل الأسرى والمخطوفين، والتي يبدو أنَّ من أسباب الفشل فيها عدم قبول حماس بأسلوب التفاوض والطرح الهدفي الإسرائيلي، والذي ترجمه رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بتصريحه الأحد، وقد أغلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باب العودة الإستئنافي في تصريح له بأنه لن يرسل وفداً إلى القاهرة للمشاركة في اللقاء القادم.
بالرغم من أنَّ الإدارة الأميركية أعربت عن تفاؤلها بالوصول إلى صفقة تهدئة وتحرير رهائن قبل شهر رمضان المبارك، وخصوصاً على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لكنّ هنية قال: “لن نرضى بأقل من الوقف الكامل للحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع قبل اتفاق الهدنة”، بالرغم من استدراكه معلناً أنَّ المقاومة تتعامل مع المفاوضات الجارية في القاهرة بروح عالية وإيجابية.
يقدم هذا دليلاً واضحاً على أنَّ المقاومة ليست داعية حرب ونزاع وصدام، ولا ترفض التفاوض مع إسرائيل للوصول إلى حل يرضي الطرفين، لكنها ترفض التزمت الإسرائيلي في طرح برنامجها الخاص بالتفاوض، لأنه لا يلبي المطلوبات الإنسانية التي يتضمنها برنامج المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن أنه مـتأت بصياغته من طريق نظرة فوقية متعالية وليست نظرة الند للند.
وهذا التصريح الأساس والمســتأنف بعده يعبران عن مرونة القيادة العامة للمقاومة الفلسطينية في التعامل المطلوب مع طبيعة الحدث الدموي الجاري الآن في غزة وكذلك يعبر عن صلابة المقاومة الفلسطينية وقدرتها العسكرية على مواصلة القتال وتشخيصها الصحيح لتداعيات الحرب ومخلفاتها في تلبية أهدافها في إقامة الدولة الفلسطينية، وهو في ذات الوقت يدل على سلامة الطرح الفكري التشخيصي لقيادة حركة حماس السياسية في تعاملها الدبلومسي المتشدد مع عدو متغطرس يرفع العنصرية البشرية والتطرف الديني كشعار أيديولوجي ديني وديموغرافي، ويتبنّاه بكل ما أوتي من قوة مشفوعة بالدعم الأميركي المتواصل براً وبحراً وجواً كمسلمات هدفية لا بد من تحقيقها مهما طال الزمن.
وكذلك موقف القيادة العسكرية المتمثلة بيحيى السنوار ورفاقه في ساح القتال في مواجهة الجيش الإسرائيلي، الذي ورَّدت له الإدارة الأميركية الأحد صفقة أسلحة فيها أعداد كثيرة من البنادق الفتاكة من دون أخذ موافقة الكونغرس على تخصيصها وتوريدها إلى إسرائيل.
وستستمر المقاومة في مواجه الجيش الإسرائيلي في جبهات القتال حتى تتحقق أهدافها من عملية طوفان الأقصى، فليس من المعقول بمكان أن يقدم الشعب الفلسطيني كل هذ التضحيات وبواقع 29 ألف شهيد و70 ألف جريح ومصاب وملايين المهجرين ودمار المنازل وتحتها مطمور جثث أهلها المدنيين الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال فضلاً عن جوع الأحياء منهم وعطشهم ومعاناتهم من البرد وعدم القدرة على النوم وخراب البنية التحتية للمجتمع الغزاوي… لن يرضى الفلسطينيون بما تمليه عليهم إسرائيل من شروط ولا تقبل بأي ضغط من قبل أي طرف من الوسطاء للرضوخ للمطالب الإسرائية التي ليس فبها مطالب وازنة للطرفين.