لماذا استهدف «داعش» السلطنة الهادئة؟
تتسم سياسات سلطة عُمان الخارجية بالحياد والتوازن تجاه قضايا المنطقة، ما دفع بالتساؤلات عن طبيعة العلاقة التي تربط السلطنة بجماعة أنصار الله الحوثية.
جاء حادث إطلاق النار ومقتل أكثر من 4 أشخاص في سلطنة عُمان، بمثابة مفاجأة خصوصًا وأن عُمان، من الدول البعيدة عن الصراعات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
فتحت الواقعة باب التكهنات، فبعض الآراء قد تشير إلى أن جماعة إرهابية وراء التخطيط والتنفيذ للواقعة، في ظل الأوضاع السياسية المتأزمة التي تشهدها المنطقة، جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، والحرب بين جيش الاحتلال الصهيوني وحزب الله في جنوب لبنان.
من يقرأ المشهد يرى أن سلطنة عُمان من الدول التي ليس لها أي مشكلات سياسية مع أي دولة، وترتبط بعلاقات متوازنة مع كافة الأطراف، وكان يُنظر إليها تاريخيًا على أنها «سويسرا الشرق الأوسط»، لكونها دولة حيادية لا تنخرط في صراعات إقليمية، وليس لديها مطامع جيوسياسية.
موقع سلطنة عُمان، وقربها من اليمن، دفع الحكومة البريطانية، للجوء إليها للتواصل مع جماعة الحوثيين، لوقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، كما دعمت عُمان الشروط التي تقدمت بها حكومة صنعاء، بقيادة جماعة أنصار الله الحوثية، لإنهاء التوتر في البحر الأحمر، فوقف عملياتها مرتبط بوقف حرب غزة ورفع الحصار عنها.
تتسم سياسات سلطة عُمان الخارجية بالحياد والتوازن تجاه قضايا المنطقة، ما دفع بالتساؤلات عن طبيعة العلاقة التي تربط السلطنة بجماعة أنصار الله الحوثية، وما إذا كانت هذه العلاقة جزءاً من سياسة الانفتاح على جميع الأطراف التي تنتهجها سلطنة عُمان، أم أن هناك مصالح مشتركة تخدم الطرفين؟
جغرافيّا، فإن موقع عُمان على طول طرق التجارة الرئيسية التي تمر عبر مضيق هرمز وبحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب، فضلاً عن علاقاتها الطويلة مع كل من الشرق والغرب، كلها عوامل ساهمت في تطوير نهج عُمان في السياسة الخارجية.
مع استيلاء جماعة أنصار الله الحوثية على العاصمة صنعاء عام 2014، وبدء تدهور المشهد الأمني في اليمن والتدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015، كانت عُمان في وضع يسمح لها بلعب دور دولي مهم.
وأيدت سلطنة عُمان جهود دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن بموجب ما عرف بـ«المبادرة الخليجية»، وبعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتوقيعها اتفاق السلم والشراكة مع بقية القوى السياسية اليمنية، عادت عُمان وأعربت في مناسبات لاحقة عن تأييدها لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته «خصوم الحوثيين».
عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عملية «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية في 2015، وأعربت عن معارضتها للتدخل العسكري في اليمن من خلال الدعوة التي وجهتها لليمنيين كي يتفقوا فيما بينهم لإخراج اليمن من الأزمة،وتأكيدها على استعداد السلطنة للتعامل مع كل اليمنيين على مقياس واحد، في سبيل استقرار اليمن.
واجهت عُمان حينها الكثير من الضغوط لثنيها عن موقفها المعارض لـ«عاصفة الحزم»، إلا أنها تمسكت بقرارها، وحينما اتخذ مجلس التعاون الخليجي قرارًا بنقل بعثاته الدبلوماسية من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، أبقت السلطنة سفارتها في صنعاء.
واستمر الحال على ذلك، إلى أن أقدم التحالف بقيادة السعودية والإمارات على قصف السفارة العمانية في صنعاء سبتمبر 2015، لتخلي عُمان بعدها مباشرة سفارتها دون تصعيد كلامي مضر بالعلاقة مع السعودية، وبعد فترة وجيزة كانت عُمان تواصل جهودها لتحرير معتقلين سعوديين من سجون جماعة الحوثيين.
ودائمًا ما تجدد عُمان تمسكها بالقيادة المعترف بها دوليًا لليمن، وبوحدة أراضيه، لكنها تحافظ في المقابل على علاقات جيدة مع الحوثيين، كما تسعى لموازنة علاقتها بإيران بعلاقات بعيدة عن التوتر مع السعودية.
لذا، انضمت السلطنة إلى التحالف العسكري الإسلامي في الرياض لمحاربة الإرهاب عام 2015، لتقول بشكل غير مباشر، إن سياساتها المستقلة في المنطقة ومنها اليمن لا تهدف إلى معارضة الدور السعودي في المنطقة، عندما لا تتوفر أسباب قوية لذلك.
تستضيف مسقط منذ العام 2015، الوفد الحوثي المفاوض، الذي يقيم هناك بشكل شبه دائم، للتواصل مع اللاعبين الإقليميين وسبق أن شككت قيادات موالية للسلطة المعترف بها دوليًا في اليمن في «حيادية» عُمان حيال الصراع، لاسيما وأن مسقط كانت قد أبدت تحفظات على فرض عقوبات دولية على الحوثيين، كما أنها من بين الأصوات الرافضة لإدراج الجماعة على لائحة الإرهاب الدولي.
واعتقدت بعض الأطراف أن عُمان تمتلك نفوذًا سياسيًا قويًا على جماعة الحوثي، بعد النفوذ الإيراني، وهو ما يجعل الجماعة متمسكة بأن تمر أي مبادرات للتسوية عبر مسقط. وكانت زيارة وفد من رجال الأعمال العمانيين إلى العاصمة اليمنية، قد لفتت أنظار المتابعين للشأن اليمني، إذ أشاروا إلى أن مثل هذه الخطوة لا تخدم جهود السلطنة في طرح نفسها كوسيط محايد في الصراع الدائر منذ أكثر من تسع سنوات.
لسلطنة عُمان حدود جغرافية مع اليمن تمتد من سواحل بحر العرب جنوبًا وحتى الحدود السعودية-العمانية شمالاً بمسافة تقدر بحوالي 300 كلم، وتربط محافظة المهرة اليمنيّة علاقات جوار بمحافظة ظفار العمانية.
واعتمدت عُمان مبدأ «الحدود المرنة»، مع سكان المحافظة المحليين والذين أصبح بمقدور الكثير منهم اجتياز الحدود العمانية والقيام بأعمال التجارة ونقل البضائع عبر الحدود، وشملت سياساتها، لضمان أمن الحدود، تقديم مساعدات إنمائية وإغاثية لعموم سكان المهرة الذين لا يتجاوز تعدادهم 350 ألف نسمة تقريبًا.
ما سبق ذكره، يعكس حالة التوازن السياسي لسلطنة عُمان، ولكن الحادث الغريب المفاجئ الذي وقع يوم عاشوراء، فتح وراح ضحيته أكثر من 4 أشخاص يحملون الجنسية الباكستانية وإصابة آخرين، في إطلاق نار على مسجد للشيعة، قد يشير إلى ضلوع الحوثيين في الهجوم الغادر.
الزج بالحوثيين في الواقعة، يأتي انعكاسًا للتصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس علماء باكستان، الشيخ طاهر محمود الأشرفي، عندما قال «الوقت قد حان للقضاء على جماعة الحوثي.. وقطع أيادي إيران في المنطقة».
أيضا ذكر «الأشرفي» أن ميليشيات الحوثي تجاوزت الخطوط الحمراء بالاعتداء على أرض الحرمين الشريفين، وأثبتت أنها لا تحترم القوانين الدولية لانتهاكها تكرارًا ومرارًا هذه القوانين باستهداف الحرمين الشريفين بالصواريخ، والتي باءت بالفشل إثر تصدي القوات السعودية لها.
كما أضاف أن الأمة الإسلامية غاضبة من جماعة الحوثي، ومن إيران ولن تلتزم الصمت، لأنه لا يستبعد بأن تقوم هذه الميليشيات باستهداف الحجاج والمعتمرين في بيت الله الحرام في المرحلة القادمة، ما يستدعي تدخلا فوريا من قبل المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن إعلان الجماعة وقوفها مع إيران يدل على أنها تمثلها في المنطقة، وأن إعلانها هذا يستدعي قمعها على الفور من أجل استعادة الشرعية في اليمن، والحفاظ على حرمة الحرمين الشريفين، لأن ميليشيات الحوثي قد تحولت إلى أفعى ضارة.
وطالب «الأشرفي» الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لاستعادة الشرعية في اليمن، وإيقاف التدخلات الإيرانية السافرة في المنطقة.
وجاء الهجوم في وقت يحيي فيه الشيعة ذكرى يوم عاشوراء، ويثير احتفال الشيعة بعاشوراء أحيانا توترًا طائفيًا بين المسلمين السنة والشيعة في بعض البلدان، لكن هذا الأمر ليس معتادًا في سلطنة عُمان.
ويعتبر الحادث أمرًا خطيرًا بعد إعلان تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الواقعة، في ظل عدم دخول عُمان في أي صراع سياسي، وقد يكون الهجوم هدفه فتح جبهة جديدة للصراع، وتوجيه الدفة بعيدًا عن غزة، التي تشغل الحيز الأهم على الساحة الإقليمية والدولية.