كلما حاولت الابتعاد عن التطرّق لحادثة الاعتداء على صديقي أمين عابد الذي لم يتعد الـ 35 عاما من عمره، من قبل “ملثمين مجهولين”، بسبب الأحداث والأخبار المتلاحقة على مدار الساعة، وجدت أنه لزاما أن نطرق هذا الباب، خاصة وأن حادثة أمين لم تكن الأولى وليست الأخيرة، الأمر الذي يفرض عددا من الأسئلة الصعبة أمام المسؤولين بغزة، فأن يعتدي ملثمين على أمين الذي بقي أمينا على القضية وبقي صامدا في شمال غزة الذي يعاني من الجوع والدمار، في حين أن هناك بعض القادة تركوا الشمال وهربوا إلى جنوب القطاع في الأسبوع الأول من الحرب.
إن الاعتداء على أمين لمدة 40 دقيقة والمناوبة عليه بالأسلحة والبساطير في الشارع وسط حارته، الخالية أصلا من الناس، والمليئة بالركام، والاستفراد به بكل همجية حتى تكسرت أطرافه الأربعة، والاعتداء عليه بشكل لا إنساني في الرأس والجسد، حتى هرعت عليه النساء لإنقاذه، لكن رد عليهم الملثمين بأنهم “أمن داخلي”، لكن هول المنظر جعلهم يرفضون الانصياع لهم ويهبون لإنقاذه منهم، فأرهبتهم جمعة الناس وهربوا من المكان.
إن هذا الاعتداء يثبت من جديد أن الشعب بغزة يعاني من عدة حروب، غير الحرب الإسرائيلية المدمرة التي يعرفها العالم، ويشاهدها عبر شاشات التلفاز، حيث يعاني من حرب أخرى شنيعة، يمكن التعبير عنها بأنها حكم المافيات لغزة، وتطبّق القانون على المواطنين، في ظل غياب جهاز الشرطة والمحاكم والقضاء الفلسطيني.
وحسب فيديوهات تم تداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل حادثة أمين عابد، تظهر مجموعة من الملثمين يكتبون على ظهر شباب حرامي ويكسرونهم، لكن السؤال الطبيعي: من هؤلاء الملثمين؟ ومن يضمن لنا بأنهم ليسوا مندسين لإسرائيل؟
وفي حال كانوا من المقاومة أو حماس، فكيف يتحركون بين الناس، دون أن تستهدفهم إسرائيل التي تعرف كل شيء؟ وإذا كانوا من أبناء الأجهزة الأمنية، لماذا يخرجون لتطبيق القانون وهم ملثمين؟ ومن يثبت لنا أنها ليست تصفية حسابات؟ من يؤكد لنا أنهم ليسوا تابعين لإسرائيل لزرع الفتنة بغزة؟ وهل سيكون هذا شكل اليوم التالي للحرب؟
ومن الذي أعطاهم الأمر باستهداف أمين عابد لمجرد أنه ناشط في حركة فتح ويقدم المساعدات الإنسانية للناس الغلابة، معارض لفكرة الموت المجاني؟ وهل يجوز دينيا وأخلاقيا وأدبيا أن يتم الاعتداء على الشبان الصامدين في الشمال بهذه الطريقة؟
أليس من الغريب أن يتم الاعتداء على أمين وأمثاله ومعاقبتهم فورا على جريمة الاعتراض أو الانتقاد، في حين يتم ترك المجال أمام الاستغلال الموحش للتجار؟ أين هؤلاء الملثمين من الاستغلال وجوع الناس؟ أليس الأولى لهم أن يحاولوا إدخال كيس طحين للجوعى بدلا من تصفية الحسابات؟
وإذا كان هؤلاء الملثمين الذين يقولون عن أنفسهم بأنهم “أمن داخلي” خائفين من بعض الصور التي ينشرها أمين عابد لأنشطة إنسانية ولمعاناة أطفال ونساء، فما الجريمة التي سيلصقونها به بعد الحرب؟ لماذا يصمتون عن الكثير من الانتهاكات التي تجري في غزة بينما يلاحقون شابا صامدا في شمال غزة، وكان قادرا على أن ينزح إلى الجنوب مثل قادتهم الذين حلقوا لحاهم ويختبئون بين الناس والنازحين؟
والأدهى من ذلك كله، لماذا يصمت هؤلاء الملثمين على الإجرام بعينه الظاهر في استغلال أصحاب محلات الصرافة للناس، عبر أخذهم “خاوة” نسبة تزيد عن 25% على أي حوالة تصل من الخارج، أو من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم من البنوك الفلسطينية، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية؟ رغم استمرار الأمر منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟
أليس من المعقول أن يكون كل هذا منظم ومتوافق عليه، وهناك مكاسب من خلفه وأشخاص مسؤولين متورطين مسكوت عنهم ؟
إن حصار أهالي غزة على مدار 17 عاما وصبرهم على حروب إبادة خلال فترة حكمهم لم يكن كافيا للحركة، لتكون أكثر رحمة لشعبها..على حماس أن تنظر للواقع الفلسطيني في غزة جيدا، وأن يتم إيقاف الحرب بأي طريقة، فلقد بلغت القلب الحناجر..اعذرني عن التأخير يا أمين الشمال، توقعت منهم الاعتذار أو تصحيح الأمر، لكن لا حياة لمن تنادي.